مجزرة دوما تحرج تركيا: نتائج الورطة مع إيران وروسيا

مجزرة دوما تحرج تركيا: نتائج الورطة مع إيران وروسيا

11 ابريل 2018
خلال قمة أنقرة الثلاثية بشأن سورية (ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -
عادت المجازر التي ارتكبها النظام السوري، بدعم من حلفائه في كل من موسكو وطهران وباستخدام السلاح الكيميائي في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، لتشكل ربما علامة فارقة في التموضع التركي، في ما يخص الموقف من النظام السوري.

وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين الأتراك في مناسبات عدة أن التوافق مع كل من إيران وروسيا لا يشمل كل النقاط المتعلقة بالقضية السورية، إلا أنه يبدو أن أنقرة بدت متورطة أكثر مما تصورت في التحالف الإيراني السوري. وبعد أن اضطرت أنقرة للتخلي عن موقفها الداعي لرحيل رئيس النظام بشار الأسد مع عملية درع الفرات، أرغمت، خلال الأيام السابقة، على تهدئة موقفها من مجزرة دوما خلال أقل من 24 ساعة، بعد تصريحات روسية وإيرانية دعتها للخروج من الأراضي السورية التي تسيطر عليها وتسليمها لنظام الأسد، ولو أن الرئيس رجب طيب أردوغان عاد أمس الثلاثاء ليؤكد أن منفذي "مجزرة" الغوطة الشرقية سيدفعون "ثمناً باهظاً".



أجرت أنقرة كلا من عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، بالتعاون مع وبموافقة روسيا، ولا يزال لموسكو اليد العليا، إذ إن الأخيرة قادرة إن اقتضى الأمر، على إغلاق الأجواء السورية في أي لحظة في وجه الطيران التركي، وربما التعاون مع حزب العمال الكردستاني في إطار اتفاقات معينة لتنفيذ هجمات ضد أنقرة.
وبينما لا تزال المفاوضات التركية الأميركية متوقفة في ما يخص منبج وباقي منطقة شمال شرق السورية لحين استلام وزير الخارجية الأميركي الجديد، مايك بومبيو، منصبه بشكل رسمي، بدت الإدارة التركية بدورها وحيدة، خلال الأيام الأخيرة، ومحيّدة في ما يخص القدرة حتى على اتخاذ ما اعتادت عليه من مواقف حادة من النظام السوري، بل ومضطرة للالتزام بأجندتها المتعلقة بضرب العمال الكردستاني فقط، وجناحه السوري، الأمر الذي يبدو نقطة الالتقاء الوحيدة بين الضامنين الثلاثة الآن، والذي يخدم استراتيجية كل من طهران وموسكو، خصوصاً أن الأخيرتين تريدان تقويض النفوذ الأميركي في سورية عبر ضرب حليف واشنطن الرئيس على الأراضي السورية، ممثلاً بالعمال الكردستاني.
وعدّلت تركيا من موقفها، بما لا يدين أو يستهدف النظام السوري وداعميه بشكل مباشر، واستخدم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم الأحد الماضي، المجزرة لتوجيه إدانات شديدة للغرب، بالقول: "أيها الغرب، متى ستلتفت إلى النساء والأطفال الذين يُقتلون في الغوطة الشرقية حتى نقول عنك إنك تتصرف بعدل"، مضيفاً "إن دماء الأبرياء الذين اكتفيتم بمشاهدتها، تلطخت بها وجوهكم وأيديكم وتاريخكم ومستقبلكم. ولا يحق لهذه الدول (الغربية) أن تشتكي من الإرهاب والأعمال والمنظمات الإرهابية".

لكن تصريحات المتحدث باسم الحكومة التركية، نائب رئيس الوزراء، بكير بوزداغ، كانت أشد بحق النظام السوري وداعميه، إذ قال، يوم الأحد الماضي، عبر حسابه على تويتر: "وبال هذه الجريمة وعشرات الأبرياء الذين قُتلوا جراءها، يقع على النظام السوري بالدرجة الأولى". ولفت إلى أن "الذين لا يحولون دون وقوع هذه الهجمات وسقوط الضحايا، يتحملون المسؤولية مثلهم مثل النظام السوري"، واعتبر بوزداغ أن عدم الرد على الهجمات السابقة شجّع النظام السوري على تنفيذ الهجوم الجديد على مدينة دوما.

واستدعت كلمات بوزداغ رداً قوياً من قبل كل من روسيا وإيران، ما أظهر هشاشة التحالف بين أنقرة وطهران وموسكو، إذ دعا وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، في مقابلة مع "تلفزيون روسيا"، يوم الإثنين، أنقرة "إلى احترام وحدة الأراضي والسيادة الوطنية لسورية". وشدد على أن "الدول التي دخلت سورية بدون أي تنسيق مع النظام السوري، يجب عليها أن تغادر كامل الأراضي السورية". وأضاف حاتمي "قلنا لإخوتنا الأتراك إنه لو كانت لديهم هواجس تجاه القضايا الأمنية في سورية فعليهم حلها عبر التعاون مع الحكومة السورية".

وجاء ذلك، بينما طالب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أنقرة بتسليم المناطق التي سيطرت عليها في عفرين إلى النظام السوري، بالقول: "إن أبسط طريقة لتطبيع الوضع في عفرين هو إعادتها لسيطرة دمشق"، مؤكداً أنه يجب على تركيا تسليم عفرين بعد انتهاء عملية "غصن الزيتون"، ومشيراً إلى أن الرئيس التركي لم يصرح يوما بأن تركيا تعتزم البقاء إلى الأبد في عفرين. وهو ما استدعى رداً من أردوغان أمس الثلاثاء بقوله "هذا الموقف خاطئ جداً، نحن نعلم جيداً لمن سنعيد عفرين". وأضاف "سنسلم عفرين إلى سكانها عندما يحين الأوان، ونحن من يحدد هذا الوقت وليس السيد لافروف"، قبل أن يؤكد أنه "يجب الحديث أولاً عن تسليم المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الدول الأخرى إلى سورية فعبارة أنّ النظام هو الذي سلّم تلك المناطق إلى الدول الأخرى لا تطمئن تركيا.

وكان أردوغان قد أجرى أول من أمس الإثنين اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فضلاً عن تخفيف المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، من حدة خطابه، متجنباً إدانة داعمي النظام، بالقول: "من المفيد إجراء تحقيق واضح والكشف عن ملابسات الحادث، وهذا موضوع مهم لدرجة لا يمكن تركه لادعاءات الأطراف".
وأكد بوزداغ، خلال مؤتمر صحافي عقده إثر اجتماع الحكومة التركية أنه "من الهام جداً أن يجري المجتمع تحركاً مشتركاً بهذا الصدد". ولفت إلى أنه "بالنظر إلى المعلومات الواردة من جهاز استخباراتنا، والأخبار والصور والمشاهد، فإنه من الواضح بشكل صريح استخدام أسلحة كيميائية، ولكن من المهم جدّا قيام خبراء بالتحقيق في ذلك".
وبينما أشار إلى أن تركيا ستغادر الأراضي السورية وعفرين بمجرد التوصل لحل سياسي، دعا بوزداغ "المجتمع الدولي بعد الآن إلى التخلي عن التنافس والمصالح، والتحرك بشكل يعود بالفائدة على الإنسان، ويحمي المدنيين والأبرياء هناك، ويتوافق مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي".

دلالات