الجزائر: جنود مكافحة الإرهاب منسيون منذ التسعينيات

الجزائر: جنود مكافحة الإرهاب منسيون منذ التسعينيات

22 مايو 2017
يعتبر قدامى الجيش أنهم مغبونون (فاروق باطيش/ فرانس برس)
+ الخط -

شهدت العاصمة الجزائرية، أمس الأحد، انتشاراً مكثفاً للشرطة، بعد إغلاق مداخلها ونشر حواجز أمنية مشدّدة لمراقبة حركة الدخول إليها، وذلك لمنع الآلاف من جنود الجيش الجرحى والحرس البلدي من تنظيم مسيرة، ما أعاد إلى الأذهان الصور والمشاهد نفسها التي حدثت بمناسبة مسيرة 14 يونيو/ حزيران 2001، والتي نظمتها حركة عروش الأمازيغ للمطالبة بالاعتراف الكامل بالثقافة والهوية الأمازيغية والحقوق السياسية.

وقد عاد ملف حقوق عناصر القوات النظامية المختلفة التي شاركت في عمليات مكافحة الإرهاب في بداية تسعينيات القرن الماضي، إلى الواجهة في الجزائر، بعد سلسلة تحركات واحتجاجات نفذها الآلاف من الجنود السابقين في الجيش وجنود الاحتياط، البالغ عددهم 120 ألف عنصر، بالإضافة إلى عناصر سلك الحرس البلدي. وذلك للمطالبة بحقوقهم المادية والاعتراف بتضحياتهم التي قدموها من أجل الحفاظ على الدولة والنظام الجمهوري ومكافحة الجماعات المسلحة، بعد رفضهم المنح المالية التي وصفوها بـ"المتواضعة"، والتي حصلوا عليها من وزارة الدفاع الجزائرية.

وكانت معظم الولايات الجزائرية قد شهدت الأسبوع الماضي تحرّكات ومسيرات واعتصامات احتجاجية، من قبل جنود الاحتياط وجنود الجيش الجرحى وأفراد الحرس البلدي، أفضى التنسيق بين منظميها إلى التوافق على تنظيم مسيرة وسط العاصمة قبالة قصر الحكومة، لكن السلطات الجزائرية أغلقت مداخل العاصمة ومنعت المحتجين من الوصول إلى وسط العاصمة.

ومنذ نحو ثلاث سنوات نظّم الآلاف من عناصر الحرس البلدي، وهم مدنيون تمّ توظيفهم تحت نظام شبه عسكري، ووُضعوا تحت تصرف الجيش للمساعدة في مكافحة الإرهاب، مسيرة وطنية انتهت إلى صدام عنيف مع قوات الشرطة عند مشارف العاصمة الجزائرية، والتي منعتهم من الدخول إلى العاصمة، حيث كانوا يعتزمون التوجه إلى قصر الرئاسة، للمطالبة بحقوقهم المادية والحق في منحة التقاعد الكامل. وذلك بعد قرار السلطات تسريح 45 ألف فرد منهم، والإبقاء على 15 ألف عنصر، لتحويلهم إلى سلك جديد يتعلق بالشرطة البلدية. وقبلت الحكومة خلال تلك الفترة التفاوض مع ممثلي سلك الحرس البلدي.

وتزامنت تلك الاحتجاجات مع احتجاجات لجنود الاحتياط الذين جرت إعادة استدعائهم للخدمة العسكرية منتصف التسعينيات، عندما كان الجيش يخوض معارك عنيفة وملاحقات ضد المجموعات الإرهابية المسلحة في الجبال، قبل أن يتم تسريحهم من الخدمة العسكرية من دون أية حقوق مادية، بمن فيهم عدد من الجرحى الذين أصيبوا خلال عمليات مكافحة الإرهاب.



في هذا الإطار، أبدى الكاتب بوعلام غمراسة لـ"العربي الجديد"، اعتقاده بأن "هؤلاء يشعرون بتخلي الدولة عنهم، وتناسيهم وحرمانهم من حقوقهم المادية التي تمكنهم من العيش بكرامة، بعد استقرار الأوضاع الأمنية وتجاوز البلاد محنة الإرهاب، فيما استفادت فئات أخرى، كانت جزءاً من الأزمة الأمنية أو أقلّ مساهمة منهم في حماية البلاد من حقوقها"، في إشارة إلى منح قدمتها الدولة بقيمة سبعة آلاف دولار أميركي لعائلات الإرهابيين المقتولين في الجبال والمفقودين، وفقاً لتدابير قانون المصالحة الوطنية الذي صدر عام 2005.

من جهته، اعتبر المتحدث باسم عناصر الحرس البلدي المحتجين حكيم شعيب أن "تصرّف السلطات مع الفئات التي خدمت الدولة والجمهورية في عز محنتها، يرسل رسالة سلبية مستقبلاً لأجيال مقبلة فيما لو حدثت ظروف مشابهة، يُستهدف فيها أمن البلاد".

وعلى الرغم من التعهّدات التي أعلنتها وزارة الدفاع الجزائرية والتدابير القانونية وإصدارها قانون المستخدمين العسكريين، المتضمن آليات تعويض الجنود الجرحى في عمليات مكافحة الإرهاب وجنود الاحتياط المعاد استدعاؤهم، وعائلات الجنود القتلى، وتعهد وزارة الداخلية بتسوية حقوق 7 آلاف من عناصر الحرس البلدي، إلا أن هذه التعهدات لم تنه هذا الملف ولم ترق بحسب ممثلي هذه الفئات العسكرية والأمنية إلى سقف المطالب المادية، والتي تطالب بمنحة تقاعد كاملة وإعادة الاعتبار لها معنوياً من خلال الاعتراف الرسمي بجهودها في الحفاظ على الجمهورية عبر إسداء وسام اعتراف، والحق في الحصول على السكن والعلاج بالنسبة للمصابين منهم بعاهات أو أمراض ذات صلة بمشاركتهم في مكافحة الإرهاب.

ليس هذا الملف وحده العالق من ملفات الأزمة الأمنية العنيفة التي شهدتها الجزائر بداية التسعينيات، لكنه واحد من الملفات التي تجاوزها قانون المصالحة الوطنية، والذي أقره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سبتمبر/ أيلول 2005، على خلفية معالجته في إطار قانوني آخر. ومع تجدد الحراك الاحتجاجي لهذه الفئات العسكرية والأمنية، يعاد طرح تساؤلات جدية وعميقة عن مدى معالجة السلطة في الجزائر لكامل الملفات المرتبطة بالأزمة ومخلفاتها وآثارها المادية والنفسية، خصوصاً أن ملفات أخرى موازية ما زالت تطرح نفسها كملف المفقودين البالغ عددهم بحسب الرئيس السابق للمرصد الحكومي لحقوق الإنسان فاروق قسنطيني، 7400 مفقود، وملف الإسلاميين المعتقلين في محتشدات الصحراء وملف الأطفال الذين ولدوا في مخيمات الجماعات المسلحة في الجبال.