الانتخابات الإسرائيلية (11): غانتس يفقد بريقه وأعلى تأييد لنتنياهو

أسبوع قبل الانتخابات الإسرائيلية (11): غانتس يفقد بريقه وأعلى تأييد لنتنياهو

02 ابريل 2019
غانتس فاق نتنياهو بالتحريض على الأحزاب العربية(جاك كوز/فرانس برس)
+ الخط -
لا شيء يعكس حجم ترسيخ الفكر اليميني الإسرائيلي المتطرف في المجتمع الإسرائيلي، وشخصنة السياسة والالتفاف حول قائد كاريزماتي مهما بلغ فساده، أو مهما بلغت خطورة الشبهات التي تحوم حوله، مثل نتائج الاستطلاع، الذي نشر أمس الإثنين في القناة 12، وأظهر أن 53 في المائة من الإسرائيليين يعتقدون أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الأكثر ملاءمة لمنصب رئيس الحكومة، مقابل 30 في المائة فقط أجابوا بأن رئيس الأركان الأسبق، وزعيم حزب "كاحول لفان"، الجنرال بني غانتس، هو الأنسب.

ولتوضيح حجم الانزياح نحو اليمين، وصولاً إلى "الالتفاف حول نتنياهو" برغم كل ما يحيط به، نعود بالذاكرة إلى الانتخابات الإسرائيلية المباشرة في العام 1996، بعد اغتيال إسحاق رابين ومنافسة نتنياهو، في أول منافسة له كزعيم لليمين على رئاسة الحكومة مقابل وريث رابين و"ثعلب السياسة الإسرائيلية"، شمعون بيريس. خاض نتنياهو في ذلك الوقت معركة انتخابات شبه مستحيلة، بدأها بنسبة تأييد لا تتجاوز 28 في المائة مقابل نسبة تأييد لا تقل عن 45 في المائة لمنافسه شمعون بيريس. وبعد حرب ضروس، ومع تفجر سلسلة عمليات فدائية نفذتها حركة "حماس" في قلب تل أبيب والقدس المحتلة، انتهت الانتخابات بفوز نتنياهو على بيريس بفارق 27 ألف صوت، وبنسبة 50.5 في المائة مقابل 49.5 في المائة لشمعون بيريس.

لكن منذ ذلك الوقت مرت السياسة الإسرائيلية بتقلبات كثيرة، ولم يخسر نتنياهو الانتخابات إلا في العام 1999 عندما تنافس ضده الجنرال، صاحب العدد الأكبر من الأوسمة العسكرية، إيهود باراك، وفقط بفعل مساعدة من قلب حزب "الليكود" نفسه، مثّلها عملياً حزب "المركز" الذي كان قد شكله آنذاك اثنان من أبرز جنرالات إسرائيل، وهما يتسحاق مردخاي الذي كان وزيراً للأمن في حكومة نتنياهو الأولى، وأمنون شاحاك، واثنان من أبرز "أمراء الليكود" (أبناء مؤسسي الحزب)، وهما دان مريدور وروني ميلو. وعندما تغلبت تسيبي ليفني في انتخابات العام 2008 على نتنياهو من حيث عدد المقاعد لحزبها "كديما"، فشلت في تشكيل ائتلاف حكومي، ليتضح لاحقاً أن نتنياهو كان قد توصل قبل الانتخابات مسبقاً إلى تفاهمات مع "الحريديم" وحزب "المفدال" (أصبح يسمى اليوم "البيت اليهودي") لبناء الائتلاف الحكومي. وتكرر هذا السلوك لدى نتنياهو في العام 2014 عندما فكك حكومته المشتركة مع حزب "ييش عتيد" بقيادة يئير لبيد، و"كديما" بزعامة تسيبي ليفني، ليعلن الانتخابات في 2015 بعد ضمان ائتلاف واسع مع "الحريديم"، تحت مقولة العودة للشركاء الطبيعيين.

تفيد المقدمة أعلاه في فهم وتوقع ما هو قادم في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها الثلاثاء المقبل. وهي تبين حجم نجاح الدعاية الديماغوجية لنتنياهو ضد كل من يهدد حكومته أو عودته للحكم، ونزوعه بكل سهولة إلى حد التحريض الدموي ضد كل طرف، بدءاً من العرب الفلسطينيين وأحزابهم، التي اتهمها علناً، وخص بالذكر حزبي التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الإسلامية، بأنها أحزاب تعمل ضد الدولة، مروراً بأحزاب اليسار والإعلام، وحتى مؤسسات الدولة وقادتها، بمن فيهم من قام هو شخصياً بتعيينهم، مثل المفتش العام السابق للشرطة روني الشيخ، الذي شغل في السابق منصب نائب رئيس جهاز الاستخبارات العامة "الشاباك"، والمستشار القضائي الحالي للحكومة أفيحاي مندلبليت.



لم يراعِ نتنياهو في حملته الانتخابية، التي يمكن القول عملياً اليوم إنها لم تتوقف منذ العام الماضي مع تلاحق التطورات في ملفات الفساد ضده، أي حرمة أو ضابط في حربه الشعواء، وصولاً إلى اتهام خصومه بالتعاون مع اليسار لقلب الحكم وإسقاط نتنياهو، لكن ليس لشخصه وإنما لأنه يمثل اليمين الإسرائيلي و"الليكود" ومن يحمي مصالح ومستقبل المستوطنين، مقابل حكومة يسار "أوسلوية" ستجر على إسرائيل الخراب. ويمكن القول اليوم، بالنظر إلى ثبات قوة "الليكود" في الاستطلاعات، وثبات فارق كبير بين نتنياهو وغانتس في الرد على سؤال من الأنسب ليتولى منصب رئاسة الحكومة، إن الخط الدعائي لنتنياهو نجح في تهميش كل ملفات الفساد والنقاش حولها، بما في ذلك الأسئلة التي أثيرت أخيراً عن قراره السماح لألمانيا بتزويد مصر بغواصات متطورة، رغم معارضة المؤسسة الأمنية والعسكرية لهذا الأمر، بل وإخفاء ذلك حتى عن رئيس الأركان، وعن وزير الأمن الأسبق موشيه يعالون.

ويمكن القول عملياً إنه منذ ظهور بني غانتس قبل شهرين على مسرح المشهد الحزبي في إسرائيل، تمكن نتنياهو من تقويض أي فرصة له، من خلال ربطه بشكل مثابر، عبر دعاية كاذبة أنه سيشكل ائتلافاً مشتركاً يعتمد على دعم الأحزاب العربية، وهو الخط الأحمر الأبرز لدى الإسرائيليين منذ سابقة اعتماد رابين في العام 1993 على أصوات النواب العرب لدعم ائتلافه من الخارج وتصديق اتفاق أوسلو. ولم تُفد كل محاولات بني غانتس وأقطاب حزبه في نفي ذلك، وإعلانهم أنهم لن يشكلوا ائتلافاً مع أحزاب غير صهيونية، وبالتأكيد ليس مع الأحزاب العربية. بل إن غانتس، الذي أوحى بعض المتنافسين على لائحته بإمكانية تعاون مع الأحزاب العربية، فاق نتنياهو في التحريض على الأحزاب العربية، معلناً أنها تعمل ضد الدولة ولا تخدم قضايا الناخبين العرب. وقد شكلت هذه التصريحات نقطة تحول لجهة إضعاف أي فرصة لدى غانتس لتشكيل ائتلاف بديل لحكومة نتنياهو، ما لم يستطع اختراق اليمين الإسرائيلي والوسط، ونقل عدد من المقاعد من اليمين وأحزاب الوسط لصالحه للتعويض على خسارة نحو 12 عضو كنيست عربي كان يمكن أن يشكلوا كتلة مانعة تحول دون تكليف نتنياهو بعد الانتخابات بتشكيل الحكومة المقبلة.

وفي موازاة هذا الخط الهجومي والمثابر ضد منافسه بني غانتس، الذي وصل إلى ذروته في نهاية الأسبوع الماضي بالتلميح بأن غانتس قد لا يكون متزناً عقلياً، بفعل اضطراره في الماضي لتلقي علاج نفسي، بحسب ما كشفت الصحف نهاية الأسبوع الماضي، مضى نتنياهو، بعد توحيد أحزاب اليمين المتطرف الثلاثة "البيت اليهودي"، و"عوتصماة يهوديت" و"إيحود ليئومي"، في خطاب التهويل نفسه من خطر اليسار وخسارة الحكم له، في حال ظلت حالة الشرذمة في معسكر اليمين المتطرف مع كثرة الأحزاب المتنافسة، والتي قد يؤدي عدم اجتياز أحدها لنسب الحسم إلى خسارة 4 مقاعد على الأقل لصالح معسكر اليمين.

لكن الاستطلاعات الأخيرة، في الأسبوعين الماضي والحالي، بدأت تؤشر إلى أنه حتى في حال فشل حزبين في اليمين، مثل "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان، أو "غيشر" بقيادة أورلي ليفي، فإن باقي الأحزاب قد تجتاز نسبة الحسم المقررة لـ3.25، وبينها حزب "زهوت" بقيادة عضو الكنيست السابق عن "الليكود" موشيه فيغلين، الذي يخاطب الشباب والشرائح الليبرالية من خلال تعهده بتشريع الحشيش، ويحمل برنامجاً يدعو لنقل مباني الحكومة والكنيست إلى البلدة القديمة في القدس المحتلة على مقربة من الحرم القدسي، وإقامة "الهيكل الثالث". وتظهر الاستطلاعات الأخيرة أن نتنياهو توقف عن محاولة استمالة مصوتي أحزاب اليمين المتطرف لزيادة حجم كتلة "الليكود" البرلمانية، حتى لا يخسر المعسكر ككل مقاعد قد تنتقل بفعل قانون نسبة الحسم وتوزيع فائض الأصوات إلى أحزاب أخرى، وهو ما دفع إلى اتفاق الأحزاب في معسكر نتنياهو، خصوصاً أحزاب اليمين الديني، بما فيها حزب "اليمين الجديد" بقيادة نفتالي بينت، إلى الاتفاق على تفعيل منظومة تعاون انتخابية مشتركة لضمان رفع نسبة التصويت لدى جمهور اليمين المتطرف وعدم بعثرة الأصوات. وفي الطرف المقابل، يبدو اليسار الإسرائيلي، وما تبقى منه عملياً وهما حزبا "العمل" و"ميرتس"، في أسوأ حال، إذ تمنح الاستطلاعات الأخيرة حزب "العمل"، وبشكل ثابت تقريباً 9 إلى 10 مقاعد لا غير، بعد أن كان يملك 24 مقعداً. أما حزب "ميرتس" فيتأرجح بين عدم عبور نسبة الحسم وبين الحصول على 5 مقاعد.

معضلة الأحزاب العربية

إذا كان التحريض ضد الأحزاب العربية عموماً هو أول ما استهل به نتنياهو دعايته الانتخابية، فإن واقعها اليوم، قبل أسبوع من الانتخابات، لا يبشر عملياً بخير، خصوصاً بعدما قام عضو الكنيست أحمد طيبي، مع أول إعلان عن تبكير موعد الانتخابات، بإعلان انسحابه من القائمة المشتركة للأحزاب العربية في 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، عبر تقديم طلب رسمي بهذا الخصوص للجنة الكنيست، والإعلان أنه سيخوض الانتخابات منفرداً في محاولة للضغط على الأحزاب العربية لزيادة تمثيل حزبه وضمان مقعد ثان لحزبه. وواصل طيبي، مدعوماً باستطلاعات رأي إسرائيلية منحته منفرداً بين 7 و9 مقاعد مقابل 4 مقاعد لباقي الأحزاب العربية العريقة، عملية التضليل والترويج، حتى قبل أقل من نصف ساعة من إغلاق تسجيل قوائم الانتخابات في 21 فبراير/ شباط الماضي، عندما انضم إلى تحالف ثنائي مع قائمة الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة، راضياً بمقعدين فقط ضمن اللائحة المشتركة من المقاعد الستة الأولى.

في المقابل، كان التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الإسلامية قد توصلا، في ظل محاولات المماطلة في المفاوضات المشتركة مع الجبهة الديمقراطية، إلى تحالف ثنائي. وأسفر تشكيل القائمتين عن تفكيك القائمة المشتركة التي حصلت في الانتخابات الأخيرة على 13 مقعداً. وجر هذا الأمر غضباً شديداً وسط الجمهور العربي عموماً، وحتى داخل نشطاء مختلف الأحزاب، انعكس لاحقاً في تعزيز تيار عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات والاتجاه نحو مقاطعتها، مع ترسيخ نشاط حركة المقاطعة للمشاركة العربية في انتخابات الكنيست بشكل واضح وملموس أكثر من أي معركة انتخابية سابقة في إسرائيل، سواء رداً على تفكيك القائمة المشتركة عند عموم المواطنين، أم بفعل مواقف أيديولوجية متغلغلة في المجتمع الفلسطيني ترى بالمشاركة شرعنة للنظام الإسرائيلي. وقد مثل هذه الجماعات بشكل أساسي في الماضي كل من حركة أبناء البلد (وإن كانت قد شاركت في العام 1996 في تشكيل التجمع الوطني الديمقراطي وخوض الانتخابات البرلمانية)، والحركة الإسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح، التي أعلن الكابينت السياسي والأمني للحكومة الإسرائيلية حظر نشاطها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2015.

وتبدو الأحزاب المشاركة في الانتخابات اليوم أمام تحديين كبيرين يتمثلان أولاً في محاولة مواجهة محاولات عودة الأحزاب الصهيونية للمجتمع الفلسطيني، خصوصاً بعد ترشيح حزب "ميرتس" مثلاً لمرشحين عربيين على لائحته في الموقعين الرابع والخامس، والثاني في محاولة التخفيف من تأثير حملة المقاطعة، خوفاً من تدني نسبة التصويت عند الفلسطينيين إلى 51 في المائة مقارنة بنسبة التصويت في العام 2015 التي وصلت إلى 63.5 في المائة. ومن شأن مشاركة كهذه أن تشكل خطراً على عبور إحدى القائمتين لنسبة الحسم. وقد تعزز هذا الخوف بعد نشر نتائج استطلاع بهذا الخصوص، أعده مركز يافا للأبحاث برئاسة الباحث الفلسطيني عاص أطرش، بناء على طلب من قائمة الجبهة، ونشرت نتائجه قبل أيام. فقد أشارت النتائج إلى أن نسبة المصوتين العرب في هذه الانتخابات ستكون أقل مما كانت عليه في الانتخابات الأخيرة في العام 2015 بنحو 19 في المائة، وأن النسبة المتوقعة هي 51 في المائة من أصحاب حق الاقتراع العرب.