تونس: حكومة الفخفاخ قد تولد رغم الصعوبات

تونس: حكومة الفخفاخ قد تولد رغم الصعوبات

04 فبراير 2020
يدافع سعيّد عن نظرية "الحكومة المنسجمة" (الأناضول)
+ الخط -
في أجواءٍ يخيّم عليها انعدام الثقة بين الأطراف السياسية، يتواصل المخاض الصعب لولادة حكومة إلياس الفخفاخ في تونس. كان الرجل ينوي إنهاء الشوط الثاني من خطته يوم السبت الماضي، بتوقيع قادة عشرة أحزاب على الوثيقة التعاقدية للعمل الحكومي، لكنه اضطر إلى تأخير الموعد، بطلبٍ من حركة النهضة. ما يخشاه الفخفاخ أن يكون وراء هذا التأخير أسباب أعمق من مجرد الإرهاق الذي عانى منه رئيس الحركة راشد الغنوشي، على إثر عودته من السفر. ففي اليوم نفسه الذي اعتذر فيه الغنوشي عن عدم المشاركة، التأم المكتب السياسي لـ"النهضة"، ونظر في أمر وثيقة الأولويات الوزارية، مؤكداً بالمناسبة على تمسّكه بحكومة وحدةٍ وطنية واسعة، ما يعني أن الحركة لا تزال مصرة على توسيع المشاورات لتشمل حزب قلب تونس. وأمس الإثنين، أعلنت "النهضة" في بيانٍ قرارها بعدم توقيع وثيقة التعاقد الحكومي التي عرضها الفخفاخ.

في المقابل، يُلاحظ أن الفخفاخ بقي مصراً على استثناء "قلب تونس" بشكل خاص من المشاورات، وعدم إشراكه في حكومته المقبلة. هذا الموقف وجد دعماً له من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، والذي دافع من موقعه على ما يسميه صيغة "الحكومة المنسجمة"، أي حكومة من دون الحزب الذي أسسه نبيل القروي. كما انتقد سعيّد، أخيراً، في حديث للتلفزيون الوطني الرسمي، حركة النهضة، من خلال إشارته إلى أن "من غيّر موقفه، عليه أن يتحمل مسؤوليته". وسبق للحركة أن أعلنت أنها لن تتحالف مع "قلب تونس" بسبب شبهات الفساد التي تحوم حوله وحول مؤسسه قبل أن تتغير حساباتها.

وتعلل قيادة الحركة تبدّل موقفها بالقول إن المرحلة الحالية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة اختلفت عما كان عليه المشهد سابقاً، إذ أن "قلب تونس" هو الحزب الثاني في البلاد، ولا يجوز إسقاطه من الحساب. وتضيف الحركة إلى ذلك أسباباً عديدة، من بينها أن "الحكومة المنسجمة" التي يتحدث عنها الفخفاخ لا وجود لها في واقع الأمر، لأن الأحزاب التي ينوي الأخير التعامل معها ويعتبرها حزامه السياسي المقبل، ليست متفقة في ما بينها حول مختلف التوجهات السياسية والاقتصادية التي يروج لها البعض.

فقدت حركة النهضة الثقة في كل من حزب "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب"، وتتهمهما بنقض العهد، بعدما اتفقت معهما حول تكوين حكومةٍ مشتركة برئاسة الحبيب الجملي، وقبلت بمعظم الشروط التي فرضها، خصوصاً "التيار". وهو الاتفاق الذي انهار بسبب تراجع الحزبين ("التيار" وحركة الشعب) عن تعهداتهما السابقة. بناءً عليه، تتجنب اليوم حركة النهضة الوقوع من جديد تحت الضغط السياسي لهذين الحزبين اللذين يشكلان معاً ما يُعرف بالكتلة الديمقراطية داخل البرلمان، وهو تحالف مؤقت قابل للتفكك في كل لحظة، في حال حصول تضارب في مصالح واختلاف في الحسابات.




تتعمد معظم الأحزاب والكتل السياسية التونسية توجيه رسالة إلى حركة النهضة مفادها بأنها فقدت حق المبادرة، ولم تعد تحتكر المشهد السياسي بعد فشلها في تمرير حكومتها. الجميع يرددون هذا الكلام في الفترة الأخيرة، وهو ما تحاول "النهضة" إثبات عكسه من خلال مواقفها المعلنة وتكتيكاتها الأخيرة. لهذا الغرض بقيت تلوّح بأنها لم تقرر حتى الآن المشاركة في الحكومة أو مقاطعتها. ولا يستبعد بعض قادتها احتمال دخول الحركة في تحالف مع أطراف أخرى، في مقدمها حزب قلب تونس، يهدف إلى إسقاط حكومة الفخفاخ بعد مرور أشهر قليلة على جلسة كسب الثقة.

يعتقد خصوم "النهضة" بأنها تناور حالياً من أجل الحصول على حقائب وزارية أوسع في الحكومة المنتظرة، وهي بدأت فعلياً تلمّح إلى ذلك من خلال مطالبة الفخفاخ بضرورة احترام أحجام الأحزاب داخل البرلمان عند توزيع الوزارات. هذا الاتجاه تنفيه الحركة، مؤكدة أنها جادة في مسألة حكومة وحدة وطنية، وترى فيها ضرورة ملحّة للخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة.

تعكس هذه التفاصيل مجتمعةً حالة الشك التي تخيم على البلاد، خصوصاً أن مؤسسات الدولة تواصل سيرها بـ"ربع حكومة" يوسف الشاهد، بعدما استقال معظم وزرائها. كما أن شبح حلّ البرلمان لا يزال جدياً، وهو ما أكده رئيس الجمهورية حين قال بوضوح "لا أبحث عن التصادم مع أحد، لكن إذا فشلت مشاورات تشكيل الحكومة، سأكون ملزماً بتنفيذ مقتضيات الدستور"، في إشارة منه إلى استعداده لحلّ البرلمان والدعوة إلى تنظيم انتخابات مبكرة.

لا يُفهم من ذلك أن البلاد قد دخلت في أزمةٍ سياسية شاملة ومن دون أفق. لقد عُرفت النخبة التونسية بمرونتها وقدرتها على تعديل مواقفها خلال اللحظات الأخيرة. وهناك مؤشرات قد تتأكد خلال الأيام المقبلة، من شأنها الكشف عن استعداد الفخفاخ لتعديل منهجه، حيث سيقوم باستقبال نبيل القروي، وقد يبحث معه عن صيغة ما تساعد على احتمال التوصل إلى تسوية تخفف من ضغط حزبي النهضة و"تحيا تونس"، وتمكّن الحكومة المقبلة من المرور بحزام سياسي واسع النطاق. لكن ذلك لا يعني تخلي جميع الأطراف السياسية التونسية عن حساباتهم ومناوراتهم، وهو أمر يحصل في كل الديمقراطيات، سواءً العريقة أو الناشئة.