جولة غريفيث لإنقاذ اتفاق الحديدة: إعادة الانتشار بلا نتائج

جولة غريفيث لإنقاذ اتفاق الحديدة: إعادة الانتشار بلا نتائج

06 يناير 2019
يحاول غريفيث الضغط لتطبيق اتفاق الحديدة (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الاستراتيجية غربي اليمن، إلا أن التقدم في تنفيذ مقتضيات الاتفاق على أرض الواقع لا يزال محدوداً، في ظل الاتهامات المتبادلة بين كل من الحكومة اليمنية والتحالف السعودي الإماراتي من جهة، وجماعة أنصار الله (الحوثيين) من جهة أخرى، بخرق وقف إطلاق النار.

وتزامنت التطورات الميدانية مع بدء المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، أمس السبت، جولة جديدة في المنطقة تشمل اليمن والسعودية، من المرجح أن يسعى الأخير خلالها لتحقيق اختراق في اتفاق الحديدة، بعد أن اختتمت لجنة التنسيق وإعادة الانتشار، سلسلة ثانية من اجتماعاتها مساء الخميس الماضي، برعاية وتسيير من الأمم المتحدة، ممثلة برئيس فريق المراقبين الدوليين الجنرال باتريك كاميرت، دون أن تُعلن عن التوصل إلى آلية تنفيذية مزمنة لاتفاق الحديدة، مكتفية بالحديث عن وجود "حسن نية" لدى الأطراف إزاء التعامل مع القضايا الصعبة والإشارة إلى أن الاجتماع الثالث للجنة تقرر انعقاده الثلاثاء المقبل.


وأوضح نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، في مؤتمر صحافي عقده في المقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك، أول من أمس الجمعة، أن "لجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة، المنبثقة من اتفاق السويد بين الأطراف اليمنية، عقدت ثاني اجتماعاتها في الحديدة، خلال الفترة من 1 إلى 3 يناير/كانون الثاني الحالي". وأوضح أن "الأطراف اتفقت خلال الاجتماع على تفعيل آلية الرصد والمراقبة للإشراف على وقف إطلاق النار وإعادة نشر القوات من الحديدة". وذكر حق أن كاميرت "يشعر بالارتياح إزاء استمرار حسن نية الأطراف إزاء التعامل مع القضايا الصعبة". وأضاف أن "كاميرت حث الأطراف المعنية على تخفيف القيود المفروضة على العمليات الإنسانية المنقذة للحياة وتعزيز وقف إطلاق النار".

ووفقاً لمصادر قريبة من الفريق الحكومي في الحديدة، تحدثت مع "العربي الجديد"، فقد تمحورت نقاشات الأيام الماضية، حول الآلية التنفيذية المفترضة للإشراف على وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار من قبل قوات الطرفين، وفقاً لبنود الاتفاق المبرم في العاصمة السويدية ستوكهولم في الـ13 من ديسمبر/كانون الأول المنصرم. وقدم الطرفان، كلاً على حدة، رؤيته إلى رئيس لجنة الرقابة بشأن الآلية المقترحة لإعادة الانتشار.

وتمسك الحوثيون خلال الاجتماعات باعتبار الخطوة التي أعلنوا عنها بالانسحاب من ميناء الحديدة وتسليمه لقوات خفر السواحل اليمنية (بشقها الموالي للجماعة)، إجراء يعكس تنفيذ الاتفاق. لكن الحكومة اليمنية لا تزال تصر على رفض الاعتراف بصحة الانسحاب، واعتبرت أنّ ما جرى "مسرحية"، إذ إن الحوثيين سلموا من خلالها ميناء الحديدة عملياً إلى قوات موالية لهم أو تمثل جزءاً منهم، وأعلنوا عن ذلك، دون تنسيق مسبق مع لجنة المراقبين الدوليين، المفترض أن تشرف على خطوات من هذا النوع، بناءً على اتفاق مع الطرفين.
من جهته، سعى رئيس فريق المراقبين الدوليين، خلال اجتماعات الأيام القليلة الماضية، إلى إقرار آلية تنفيذية واضحة وبخطوات متسلسلة متفق عليها، في ما يتعلق بـ"إعادة الانتشار"، التي تؤدي في مجملها إلى سحب القوات العسكرية للطرفين من موانئ المحافظة (الحديدة، الصليف، رأس عيسى)، ومن مدينة الحديدة (مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه)، إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة، كمرحلة أولى كان من المقرر أن تنتهي في غضون 21 يوماً من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في الـ18 من الشهر الماضي.
وبالتزامن مع اجتماعات الأيام الماضية، برزت ملامح تصعيد، إذ أصدر الحوثيون بياناً منسوباً إلى السلطة المحلية التابعة لهم في الحديدة، يتهم الأمم المتحدة بعدم الالتزام بالخطوات المزمنة باتفاق السويد ويلوح بانتقادات لفريق المراقبين التابع للأمم المتحدة، ورئيسه كاميرت، الذي كان قد اعتبر قيام الحوثيين بـ"إعادة الانتشار في ميناء الحديدة"، خطوة لا يمكن أن تنال مصداقية ما لم تتأكد المنظمة الدولية والأطراف الأخرى، من تماشيها مع الاتفاق. وفي الوقت نفسه، ألقى باللوم على الحوثيين بانهيار اتفاق إعادة فتح طريق صنعاء الحديدة، على المدخل الشرقي للأخيرة.

في المقابل، بعثت الحكومة اليمنية إلى جانب السعودية والإمارات، اللتين تقودان التحالف العربي في اليمن، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي مؤرخة في الـ31 من ديسمبر المنصرم، تتهم الحوثيين بعدم الالتزام بوقف إطلاق النار في الحديدة، والاستمرار في إقامة الحواجز وحفر الخنادق في مناطق سيطرة الجماعة، داخل المدينة، في حين يقتضي الاتفاق إنهاء المظاهر العسكرية داخل مدينة الحديدة ووقف إرسال التعزيزات العسكرية صوب المحافظة.
ومع اقتراب انتهاء المهلة المحددة لتنفيذ المرحلة الأولى والمحددة بـ21 يوماً، لا يزال التقدم محصوراً في جوانب محدودة، أبرزها وقف إطلاق النار الذي يستمر رغم الاتهامات المتبادلة بالخروقات، حيث لم يُرصد في الأسبوعين الأخيرين وقوع غارات جوية في الحديدة فضلاً عن محدودية الاشتباكات والقصف المتبادل بمناطق المواجهات، على أطراف المدينة. أما التقدم الآخر، فيتمثل في تشكيل لجنة التنسيق وإعادة الانتشار، وتتألف من ثلاثة ممثلين عن الحكومة ومثلهم عن الحوثيين ويترأسها الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، والذي حضر إلى الحديدة، بعد أيام من سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
في المقابل، وبالنظر إلى الأيام المعدودة التي تسبق انتهاء مهلة المرحلة الأولى، لا تزال الخطوات المرتبطة بتنفيذ "إعادة الانتشار"، في المربع الأول، إذ يحتفظ الطرفان برؤية مختلفة للخطوات التي يقتضيها الاتفاق، بما في ذلك الحوثيون، الذين يقولون إن السلطة المحلية والقوات الأمنية المفترضة التي عليها أن تتولى مهام الأمن وإدارة الحديدة، هي المؤسسات الخاضعة لسيطرتهم والتي يديرها موالون للجماعة، كما جرى أثناء إعلان "إعادة الانتشار" في ميناء الحديدة. أما الحكومة فترى أن الاتفاق يجب أن يؤدي لإنهاء سيطرة الحوثيين في الحديدة، وبين الطرفين، يبقى الموقف الدولي الممثل بفريق المراقبين الأمميين بقيادة كاميرت، الطرف المعني بفرض آلية ملزمة لمختلف الأطراف. وبدون ذلك، فإن اتفاق الحديدة يبقى مفتوحاً على كافة الاحتمالات، بما فيها تمديد مهلة "إعادة الانتشار" أو العودة إلى التصعيد العسكري مجدداً، إذا ما وصلت جهود تنفيذ الاتفاق طريقاً مسدود.