الدنمارك تلاحق "محاربي سورية"... فهل تعاقب مواطنيها الأكراد؟

الدنمارك تلاحق "محاربي سورية"... فهل تعاقب مواطنيها الأكراد؟

07 نوفمبر 2015
ستُمنح الأجهزة الأمنية سلطات واسعة لجمع المعلومات (فرانس برس)
+ الخط -
حين قررت حكومة الدنمارك التي كانت تقودها، هيلي تورنينغ شميت، (يسار وسط) في العام الماضي الاشتراك في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وتعالت الأصوات المطالبة بتسليح الأكراد في عين العرب شمال سورية، شعر كثير من الأكراد-الدنماركيين أنهم قد حصلوا على ضوء أخضر للذهاب كمقاتلين إلى سورية.

قبل ذلك بقليل كانت السياسة والإعلام يصبان جهدهما على تقارير استخباراتية عن "قتال الدنماركيين" في صفوف المتطرفين، لكن بدت أجواء غض الطرف عن قانون صارم يمنع مواطني الدنمارك الانتظام في جيوش ومجموعات مقاتلة كمن يقول: مسموح لمن أراد حمل السلاح في سورية والعراق، لكن في الجانب الصحيح.

شارك المئات من عموم أوروبا بحسب أرقام استخباراتية رسمية، في القتال في سورية على الطرفين. لكنه من الواضح أن انشغال الصحف ووسائل الإعلام، وبدوافع سياسية في صيف 2014، انصبّت على حوالي 125 شاباً دنماركياً انضموا لفصائل تعتبرها البلاد متشددة، وعلى رأسها "داعش"، واتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات الصارمة والتهديد بالسجن بحق هؤلاء وسحب جوازات السفر منهم.

لكن يبدو، اليوم، أن المزاج العام في الدنمارك، وعموم دول الشمال، في حال من التغيّر مع انتشار قصة سحب جواز سفر شابة من أصول كردية تدعى يوانا بالاني، وهي التي دخلت معها الاستخبارات والشرطة الدنماركية في "مفاوضات" لإقناعها بعدم تنفيذ رغبتها في "المشاركة في حرب العصابات" مع حزب "العمال الكردستاني" لمحاربة "داعش". في نهاية المطاف سحبت الشرطة جواز سفرها مانعة إياها من المغادرة نحو سورية.

يوانا، التي سبق لـ"العربي الجديد"، أن تطرقت لقصتها من ضمن قضايا "ازدواجية قراءة محاربي سورية"، سبق لها أن حملت السلاح وقاتلت في نهاية عام 2014، ثم عادت من دون ملاحقتها قانونية على الرغم من انتشار صورها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف.

انفجار قضية يوانا، مرة أخرى، قبل بضعة أيام، فتح نقاشاً سياسياً من نوع آخر، مع طرح حكومة الأقلية اليمينية عبر وزير العدل فيها سورن بيند، بإدخال تعديلات قانونية وقضائية لتشديد ملاحقة من يُطلَق عليهم "محاربو سورية" ممن يشاركون في الحرب سواء في العراق أو سورية.

العقوبات التي يقترحها القانون الجديد، وفق وزير العدل ومعه وزراء مؤيدون، قُدّم إلى البرلمان في قراءة أولية، وهو يشمل جملة فضفاضة "الأشخاص الذين ينضمون إلى قوة عسكرية معادية يمكن الحكم عليهم بالسجن مدى الحياة". ليس ذلك فحسب، بل يقترح القانون "الحكم بستة عشر عاماً على كل من يدعو إلى الانضمام لتلك المجموعات". لا يبدو من الواضح إذا ما كان حزب "العمال الكردستاني" المصنف كجماعة إرهابية في الدنمارك، من ضمن تلك المجموعات المقاتلة، ومشروع مثل هذا يعارضه وبشدة وقوة اليسار الدنماركي في البرلمان ممثلاً بحزب "اللائحة الموحدة" الذي يقول مقرر شؤونه الخارجية، نيكولاي فيلسموسن، في حديث لـ"العربي الجديد": "يجب أن ندعم هؤلاء العرب والأكراد بكل ما يمكننا بالعتاد الذي يستطيعون من خلاله محاربة داعش والنظام السوري، ومن الغريب أن طائراتنا ذهبت لتقصف داعش دعماً لقوات كردية على الأرض ثم القول، إن القتال في صفوفها أمر غير محبب وغير قانوني".

اقرأ أيضاً: سحب الجنسية من دنماركي مغربي بتهمة "دعم الإرهاب"

من جهته، يعتبر وزير العدل، سورن بيند، أن على الأشخاص المقيمين في البلاد "أن يكون ولاؤهم للدنمارك فحسب، ولا يمكننا القبول بالتشدد والمجموعات المتطرفة أو قبول قيامها بحملة تطويع كمحاربين أجانب من الدنمارك". بيند لا يبدو واضحاً إلا في مسألة يعتبرها الأهم في الولاء لبلده "فالانتظام تحت علم جماعة متطرفة يستدعي التصرف حين عودتهم إلى البلاد".

وستجعل الحكومة الدنماركية بمقترحها هذا من "الانضمام إلى مجموعات مقاتلة أجنبية في كل من سورية والعراق بمثابة خيانة وطنية". بل وبين سطور هذا المقترح المتشدد، وبحسب معلومات برلمانية حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر خاصة، "سيتم منح الاستخبارات والأجهزة الأمنية سلطات كبيرة لجمع معلومات عن كل من يوجد شك بأنه يدور في ذهنه فكر متشدد". وتستهزئ مصادر يسارية بمثل هذه الخطوة الأمنية، معتبرة أنها تحاسب الناس على النيات.

الشرطة والاستخبارات الدنماركية وبحسب المقترحات القانونية الجديدة سيكون بإمكانها "جمع معلومات عبر مصلحة الضريبة وشركات الطيران عن الأشخاص الذين يتم الشك بأنهم إرهابيون يسافرون من وإلى الدنمارك".

وفي السياق نفسه، كانت وسائل الإعلام قد ذكرت أن الشرطة سحبت جوازات سفر من عائلة مكوّنة من 3 أشخاص، أب وزوجة وابن، مخافة سفرهم وانضمامهم للمتطرفين في سورية. ويكشف لقاء لـ"العربي الجديد" بالعائلة، التي لم ترغب في ذكر أسماء أفرادها، كي لا تؤثر على بقية العائلة، مدى التخبط الصريح في المحاسبة على مجرد التفكير بشيء. فالقصة ببساطة أن زوجة الرجل لها قريبة قُتل زوجها في قصف بسورية بعد أن غادر وعائلته إليها، وكل ما فعلته هذه الزوجة أنها تواصلت مع قريبتها لتقنعها بالعودة مع طفلها الصغير إلى الدنمارك وتسأل عن أحوالها وكيف تعيش في سورية.

ويقول الزوج في حديثه لـ"العربي الجديد": "لا ندري بحق كيف جرى التجسس على حديث خاص واعتبروه أنه تفكير من جهتنا للسفر إلى سورية". المفاجأة أن الأشخاص الثلاثة الذين جرى الظن بأنهم "سينضمون للإرهابيين"، بينهم طفل عمره 3 سنوات، جرى سحب جواز سفره ومنعه من "الانضمام للجماعات المتطرفة"، كما يقول والده باستهزاء.

يُذكر أنه منذ أن تشكّل تنظيم "داعش"، تقول الاستخبارات الدنماركية رسمياً، وبحسب ما تنقل لوسائل الإعلام، إن 127 شخصاً من أصول دنماركية ودنماركية مهاجرة سافروا إلى سورية والعراق وشاركوا في الحرب. وليس هناك تفاصيل عن المجموعات التي انضم إليها هؤلاء (وهنا لا يجري الحديث عن الأكراد الذين انضموا إلى المجموعات الكردية). وتُقدّر الاستخبارات والسلطات الرسمية أن 27 دنماركياً قتلوا في المعارك في هذين البلدين.

اقرأ أيضاً: جيل دنماركي صاعد معادٍ للمسلمين... يقلق المجتمعات الإسكندنافية