انقسام البارزاني والطالباني يشتّت الإقليم العراقي ويُضعف مشروع الانفصال

انقسام البارزاني والطالباني يشتّت الإقليم العراقي ويُضعف مشروع الانفصال

23 يناير 2016
ينقسم الأكراد حول انفصال كردستان (ماركوس ديل مازو/getty)
+ الخط -
يلف الغموض مستقبل إقليم كردستان العراق حالياً أكثر من أي وقت مضى، بسبب تفاقم الانقسام في توجهات الأحزاب السياسية فيه، وبشكل خاص طرفا معادلة الحكم فيه منذ نحو ربع قرن: الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني. وتشمل خلافات الحزبين قضايا توصف بالمصيرية كالانفصال عن العراق، إلى جانب تقاطع الرؤى حول نظام الحكم والإدارة وسياسات النفط والأمن وغيرها.

بعد عشر سنوات من التحالف الاستراتيجي بين حزبي البارزاني والطالباني، وتعاونهما على إدارة إقليم كردستان، وعلى قيادة مصالح الأكراد في الحكومة المركزية في بغداد، أعلن حزب الطالباني أخيراً وبصورة رسمية عن نهاية تحالفه مع "الديمقراطي"، ودعا الى إطار جديد للعلاقة بين الحزبين، يأخذ بنظر الاعتبار جملة من القضايا والتطورات، منها الدور الروسي في المنطقة. بمعنى آخر، يريد الطالباني التخفيف من "حميمية" العلاقة مع تركيا والغرب، والاقتراب من محور روسيا وإيران والعراق وسورية.

اقرأ أيضاً: حزب الطالباني يعلن نهاية تحالفه الاستراتيجي مع حزب البارزاني

وسبق للحزبين أن أشارا في تصريحات مسؤوليهما إلى انتهاء حقبة التحالف الاستراتيجي. لكن الإعلان الرسمي عن النهاية جاء من قبل حزب الطالباني، الذي أعلن أيضاً أنه لن يساند حليفه السابق في قضية انفصال الإقليم وتأسيس دولة كردية، مفضلاً عليها كياناً تربطه ببغداد الرابطة الكونفدرالية.

وليست نقطة انفصال كردستان هي الخلاف الوحيد بين الحزبين، إذ إن نظام الحكم الذي يريده حزب الطالباني هو البرلماني، فيما يريد حزب البارزاني نظاماً أقرب للرئاسي، فضلاً عن خلافات أخرى تتعلق بسياسات الحكم والإدارة لملفات حساسة مثل الأمن والدفاع والنفط.

كثير من الخلاف قليل من التوافق

تأسس الحزب "الديمقراطي الكردستاني" عام 1946. وهو بمثابة الحزب الأم للعديد من الأحزاب الكردية في العراق ومنها حزب الطالباني نفسه، وله امتدادات في تركيا وسورية. ومنذ خروج الطالباني من عضوية قيادة "الديمقراطي" وتأسيس حزبه في عام 1976، ويسود العلاقة بين الحزبين، الأم ووليدها، الكثير من الخلاف الذي وصل الى حدّ الاشتباك في أكثر من مرحلة آخرها في الفترة الممتدة ما بين 1994 و1997. لهذا، كان الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين ومستوى التفاهم العميق بينهما في فترة لاحقة (قُبيل 2003)، غريباً بعض الشيء.

ويقول أحد كوادر "الديمقراطي الكردستاني"، والكاتب السياسي فيه، عبد الغني علي، إن "العلاقات بين الحزبين لم تكن طبيعية منذ أن ولد حزب الاتحاد الوطني. فقد سادتها خصومات، وصلت الى صراع دموي في عدّة فترات، ثم أُعلن عن تحالفهما الاستراتيجي وكان هذا مفاجئاً، وقد حقق تحالفهما تقدماً جيداً لإقليم كردستان فاستقرت الأوضاع وتحقق بعض التقدم".

وأضاف لـ"العربي الجديد": "منذ أن قرر حزب "الاتحاد الوطني" خوض الانتخابات البرلمانية بقائمة منفردة وليس قائمة مشتركة مع حليف في انتخابات 2013، والاتفاقية الاستراتيجية بينهما باتت ملغية، ثم تعزز هذا الموقف عندما قرر الحزب أن يتحالف مع حزب آخر هو حركة "التغيير" التي كانت قد انشقت عنه (حزب الطالباني) عام 2009".

بداية النهاية... تفكك حزب "الطالباني"

يعتبر رئيسا الحزبين، البارزاني والطالباني، الراعيَيْن الأساسيَيْن لاتفاق حزبيهما، ومع خروج أحدهما من المشهد السياسي، أخذت العلاقة بالانفراط بصورة تدريجية. إذ أثرت العلاقة بشكل كبير على الانقسام الذي وقع داخل حزب الطالباني.

فبعد مرض الطالباني وخروجه من المشهد السياسي (يعاني من مرض الشلل منذ نهاية 2012)، انقسم حزبه وصار للحزب قيادتان: واحدة يمثلها نائبا الطالباني، برهم صالح، وكوسرت رسول، والثانية تمثلها أسرة الطالباني بقيادة زوجته هيرو ابراهيم. وقد انعكس هذا الانقسام الداخلي في حزب الطالباني على العلاقة مع "الديمقراطي".

ويرى عضو "الديمقراطي الكردستاني" عبد الغني علي، أن جناح أسرة الطالباني تبنى مواقف أقرب الى "المناطقية"، أي عبر تفضيل الأحزاب التي تنشط في محافظة السليمانية، ومنها حركة "التغيير"، على الأحزاب في المناطق الأخرى، وهو ما أدى إلى ظهور محور السليمانية وأحزابها وسياسييها، ومحور أربيل ودهوك.

وعند البحث عن محرك وداعم فكرة التقسيم الداخلي لإقليم كردستان بين منطقتين الأولى تضم السليمانية، والثانية تضم أربيل ودهوك، تظهر أياد خفية لطهران وبغداد.

في هذا السياق، كشفت تقارير نشرتها وسائل إعلام كردية عن دخول إيراني قوي لمدّ أنابيب لنقل النفط والغاز الذي ينتج في محافظة السليمانية ومناطق كرميان، والتي تضم أجزاء من كركوك وديالى، إلى إيران، ووقف تصدير النفط الذي يجري حالياً إلى تركيا. كما سبق وأعلنت حكومة إقليم كردستان عن اتفاق لتصدير الغاز أيضاً.

والدخول الإيراني في الموضوع لا يقف عند النفط والغاز، فقد أعلن مدير كهرباء محافظة السليمانية سالار حسام الدين، في تصريح صحافي أخيراً، عن أن إيران أبدت استعدادها لتوفير احتياجات المحافظة من الكهرباء، وقامت بربط شبكة الكهرباء لمدن خانقين وبنجوين بشبكة كهربائها الداخلية.  

ويبدو أن ورقة فصل السليمانية عن إقليم كردستان، والتي تلوح بها بشكل غير مباشر إيران وبغداد، تأتي بهدف قطع الطريق أمام رئيس الإقليم لإجراء الاستفتاء على الانفصال والذهاب في مشروع الدولة المستقلة.

 تماسك البارزاني

من جهة ثانية، يبدي البارزاني تمسكاً قوياً بموضوع الانفصال، ويرى فيه تتويجاً لنشاطه المعارض للحكومات العراقية منذ عام 1961 وحتى الآن، خصوصاً في ظل ازدياد حدة التعاطف مع الحقوق الكردية وبروزهم كقوة قتالية ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الأوساط الدولية؛ والبارزاني يرى في الوضع الحالي الفرصة التي لا يمكن تعويضها في التمسك بالانفصال.  

ويقول أحد كوادر حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" والكاتب السياسي عارف قورباني، إنه لولا خلافات الأحزاب السياسية الكردية على مدى السنوات الماضية لكان وضع الإقليم أفضل.

ويضيف في مقال رأي نشره بعدد من الدوريات الصادرة بالكردية "ليس الباحثون والمؤرخون والسياسيون فقط بل عامة الناس يرون أنه لو لم تكن الخلافات على الساحة السياسية الكردية قائمة منذ بدايات الثورة في مطلع ستينيات القرن الماضي، ولو لم تتلطخ أيدي الأخوة بدماء بعضهم البعض، لكان تاريخنا مغايراً، ولما كان مصيرنا كما هو الآن".

اقرأ أيضاً: بغداد على غرار موسكو: التصعيد مع أنقرة عبر "الكردستاني"

المساهمون