العراق: هل تساهم الوعود الحكومية في تهدئة الاحتجاجات؟

العراق: هل تساهم الوعود الحكومية في تهدئة الاحتجاجات؟

09 أكتوبر 2019
العراق: تباين الخطابات والبيانات الحكومية (فرانس برس)
+ الخط -

يشكك المتظاهرون في بغداد والمحافظات الجنوبية العراقية، الذين قلّت أعدادهم خلال الأيام الماضية، في تنفيذ الحكومة لوعودها الأخيرة بشأن فتح باب القبول بالتعيينات وتوفير فرص عمل ومساكن ورواتب للعاطلين من العمل.
وتحولت وعود رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي بـ"إحالة الأسماء المتورطة في الفساد للمحاكمة العادلة" إلى نكتة بالشارع العراقي، ذلك لأن هذه الوعود تتكرر دائما على لسان مسؤولين متهمين أصلا بالفساد.

وليس وحدها الوعود أو "حزمة الإصلاحات" كما يُطلق عليها سياسياً في العراق، هي وحدها موضع التشكيك من قبل المحتجين، إنما تضارب الخطابات والبيانات من قبل رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، ففي الوقت الذي وصف فيه الرئيس العراقي برهم صالح الجهات التي قتلت متظاهرين عبر الرصاص الحي والقناصين في بغداد بأنهم مجرمون، في إشارة إلى طرف ثالث، قال أيضا إن أحدا لم يوعز لقوات الأمن بإطلاق النار.

واعترفت حكومة عادل عبد المهدي باستخدام "العنف المفرط" مع المحتجين، وكأنما لم يكن هناك تنسيق في ما بين الرئاستين، ناهيك عن خطاب محمد الحلبوسي الذي وعد فيه بـ"تخصيص مبالغ مالية للعائلات الفقيرة والمحتاجين في العراق، وفتح باب التسجيل للعاطلين من العمل في وزارة الدفاع العراقية، فضلاً عن اقتطاع جزء من رواتب الوظائف العليا لتدريب الكوادر والخريجين في العراق وخارجه"، وهو أمر وصفه مراقبون بأنه خارج صلاحيات رئيس البرلمان، وليس من حقه إطلاق وعود كهذه تختص بالسلطة التنفيذية لا التشريعية.
ويلاحظ المتظاهرون أن هناك تضاربا بين تصريحات الكيانات السياسية المختلفة بشأن الموقف من الاحتجاجات التي تدخل أسبوعها الثاني. 
وقال ناشط من بغداد يُشارك بالاحتجاجات الشعبية منذ عام 2011، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "سياسة الحكومات العراقية لم تتغير ولم تتطور خلال السنوات العشر الماضية، ذلك لأن العقلية الحاكمة هي ذاتها ولم تتبدل، كما أنها لم تواكب التطورات، وتتعامل مع المحتجين الغاضبين في العراق على أنهم أفواه تطعمهم فيسكتون، ولذلك فهي بعد كل احتجاج يخرج عن سيطرة الحكومة، تُصدر سلسلة من الوعود والإصلاحات الشفهية التي لا تفضي إلى أي نتيجة واقعية، وما هي إلا حركة سياسية مستهلكة لامتصاص غضب الشارع".



وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قد تعهد في كلمة له، عقب الأيام الثلاثة الأولى من الاحتجاجات، بأن حكومته "لن تقدم وعوداً فارغة أو تقدم حلولاً ترقيعية"، مضيفا: "لدينا مشروع سنقدمه إلى مجلس النواب خلال الفترة القصيرة لمنح راتب لكل عائلة لا تمتلك دخلاً كافياً بحيث يوفر حداً أدنى للدخل يضمن لكل عائلة عراقية العيش بكرامة".

أما عضو تحالف "الإنقاذ والتنمية" حامد المطلك، فأشار إلى أن "من الصعوبة تحقيق ما وعدت به الحكومة، وخصوصاً أن ما طرحته الرئاسات الثلاث من بنود ووعود كانت نفسها قد طُرحت في وقت سابق ضمن البرنامج الحكومي لعادل عبد المهدي"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "التعيينات وفرص العمل التي وعدت بها الحكومة خلال الأيام الماضية، قد تصطدم مع وزارة المالية، إضافةً إلى صندوق النقد الدولي الذي اقترض منه العراق خلال السنوات الماضية، خلال الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، شريطة عدم استحداث وظائف جديدة في العراق، والاعتماد على ما يُعرف بآلية الحذف والاستبدال".
وصوّت البرلمان العراقي، في جلسة عقدها أمس الثلاثاء، بالموافقة على مقترحات الحكومة حول مطالب المتظاهرين، إضافةً إلى التوصية باعتبار ضحايا التظاهرات "شهداء" وتعويض الجرحى، كما أوصى أيضاً بإطلاق منحة مالية دورية للعاطلين من العمل من الخريجين وغيرهم.



من جانبه، شكك عضو تحالف "الحكمة" المعارض للحكومة العراقية، محمد اللكاش، بـ"تحقيق الوعود الكبرى وما صوّت عليه البرلمان، لأن غايتها امتصاص غضب الشارع العراقي، وإن المحاصصة هي التي ستُدير هذه التوصيات والموافقات، وبالتالي لا جديد ولا جدوى ولا نتيجة سيحصل عليها المتظاهرون".

وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الشباب العراقي ازداد وعيه، وهناك مطالبة جادة من قبله بمحاسبة الفاسدين، لا سيما من يُعرفون بالحيتان، وهو الملف الذي من المستعبد فتحه، لأن الجميع متورط بالفساد المالي، ومن لم يتورطوا متهمون أيضاً بصمتهم عليه وعدم فضحه".
وخلال الأيام الماضية، أصدر المجلس الأعلى لمكافحة الفساد في العراق (جهة حكومية) قرارات تتعلق بالمطالب الجماهيرية وملفات النفط وعقارات الدولة، كما أعلن أنه أصدر قراراً بتنحية ألف موظف محلي ومن العمالة الأجنبية.

بدوره، يرى الباحث والمحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي أن "أغلب ما أعلن عنه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بشأن تنفيذ مطالب المتظاهرين، يعد خارج صلاحيات البرلمان كونه جهة رقابية تشريعية وليست تنفيذية، ولكن هناك تنسيقا مع البرلمان على تنفيذ عدد من المقترحات، وإن أي قرار يتم اقتراحه من قبل الحلبوسي تتم الموافقة عليه في البرلمان". 
وبين الركابي أن "القرارات من قبل البرلمان أو مجلس الوزراء لا يمكن تطبيقها بسبب الأزمة المالية في البلاد والالتزامات الدولية للعراق، كما أن بعض القرارات بحاجة إلى وقت طويل حتى تُنفذ، ولا يمكن تنفيذها بأشهر قليلة".
ولفت إلى أن "تأخير تنفيذ قرارات الحكومة والبرلمان سيزيد من تصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية، ولذا أعتقد أن الحكومة ستفشل في هذا الملف في تحقيق مطالب المتظاهرين، لأن الحركة الاحتجاجية شهدت مطلباً لم يكن حاضراً على جدول مطالبها المعتاد، وهو تغيير الحكومة".
وتابع: "عدم الكشف عن هوية الجهات التي قامت بقتل وقمع المتظاهرين من قبل السلطات العراقية، أمر معيب جداً، لكن في الحقيقة الحكومة تعرف هذه الجهات جيداً، وهناك خشية من التحدث عنها، وهو الأمر الذي قد يقود إلى سحب الثقة عن أي رئيس من الرئاسات الثلاث".

المساهمون