تونس في العام 2018: تحديات حاسمة لتثبيت المسار الديمقراطي

تونس في العام 2018: تحديات حاسمة لتثبيت المسار الديمقراطي

02 يناير 2018
تخوّف من عودة الاحتجاجات بسبب الأوضاع الاقتصادية (Getty)
+ الخط -


ينصبّ تركيز المشهد التونسي على العام 2019، حينها يُفترض أن تكون المرحلة الانتقالية قد انتهت بتثبيت كل المؤسسات الدستورية، ووصلت تونس إلى ثاني انتخابات تشريعية ورئاسية مباشرة، ليتضح معها المزاج الشعبي بصورة جلية ويستقر الوضع الحزبي والسياسي، وتبرز الأغلبية والأقليات وينتهي معها جدال استمر لسنوات.
غير أن الوصول إلى 2019 سيكون حتماً عبر المرور بعام يتوقع التونسيون أن يكون مرحلة فارقة وحاسمة في المسار السياسي التونسي، بما يحمله من تحديات واختبارات، وهو الأمر الذي عبّر عنه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، حين قال في كلمة إلى التونسيين في رأس السنة إن "سنة 2018 ستكون سنة فارقة وسيكتمل فيها المشروع الديمقراطي، منها المؤسسات الدستورية وخاصة المحكمة الدستورية... وستكون فارقة لأنه سيتم إجراء الانتخابات البلدية خلالها وهو رهان كبير ولا بد من كسبه".

ويبدو أن هذا العام سيكون مليئاً بالمطبّات، وقد يشهد اهتزازات كبيرة بسبب التوتر السياسي الكبير الذي تعرفه البلاد استعداداً للانتخابات البلدية، وخوف الأحزاب من نتائجها التي ستشكّل مؤشراً على حقيقة انتشارها بين التونسيين، وتأثير هذه النتائج بالتالي على الموعد الكبير، الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2019. وستشهد الأشهر المقبلة حتى 6 مايو/أيار المقبل، موعد الانتخابات البلدية، تصاعداً في الصراع الحزبي وبداية الاصطفاف لهذه المواعيد، وسيلقي شبح نتائج انتخابات ألمانيا بظلاله على هذا المشهد، إذ سجلت عزوفاً كبيراً للناخبين من جهة، وسقوطاً مدوياً لكل الأحزاب الكبيرة والمتوسطة والصغيرة أمام مرشح مستقل، ما ينبئ بأن الناخب التونسي بصدد تغيير قواعد اللعبة ويحتفظ لنفسه بكل الفرضيات الممكنة، مسقطاً كل التوقعات المسبقة وكل عمليات استطلاعات الرأي.

ولكن التحدي الأكبر سيكون متعلقاً بقدرة الجميع على الوصول إلى هذه المواعيد في كنف الهدوء والسلمية، وسط كل هذه التهديدات الداخلية والخارجية التي تستهدف هذه التجربة الناشئة والوضع الهش. وسيكون التحدي الأول في هذا الإطار اجتماعياً بالأساس، إذ سيعود التونسيون اليوم الثلاثاء إلى أعمالهم ودراستهم، بعد العطلة، ليجدوا في انتظارهم زيادات في أسعار العديد من المنتجات بدأ تطبيقها منذ يوم أمس الاثنين، وتشمل سعر المحروقات وبطاقات شحن الهاتف الجوال ورسوم تأمين السيارات والشاحنات والمساكن وعدداً من القطاعات الأخرى. وستتبيّن مع الأيام انعكاسات هذه الموازنة، التي توقع الجميع أن تكون صعبة، وما يمكن أن يتبعها من ردود فعل شعبية وانعكاسات على وضع الحكومة وإمكانية استمرارها.

لكن رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، يصر على أن لا حل للوضع الاقتصادي الصعب إلا الإصلاحات الموجعة، وقد تفادتها كل الحكومات السابقة، وعلى الشعب التونسي أن يضحي كما غيره من الشعوب حتى يتم إصلاح تراكم سنوات من الخيارات الخاطئة، لأن "مثل هذه التضحيات ستُمكننا من تجاوز الأزمة، ليكون قانون المالية 2019 و2020 أسهل"، وفق قوله، مضيفاً: "كل المؤشرات لعودة الاقتصاد أصبحت إيجابية لجهة الإنتاج والتصدير والزراعة والسياحة ومناخ الاستثمار، آخرها احتلال تونس المركز الأول أفريقياً في مناخ ريادة الأعمال، وتأكيد المستثمرين عودة الحركية الاقتصادية واستعدادهم للقيام باستثمارات مهمة في 2018 وخلق فرص عمل جديدة".


ويعوّل الشاهد على تفهّم اتحاد الشغل لهذا الخيار، وهو الذي يتحكّم بشكل كبير في المناخ الاجتماعي، ويبدو أن الاتحاد يتفهم بالفعل هذه الأوضاع مما دفع البعض إلى اتهامه بأنه يساند الشاهد ويلعب ورقته. ولكن أمين عام هذه المنظمة النقابية، نور الدين الطبوبي، رد بالقول إن "الاتحاد لا يساند الحكومة بل يساند الاستقرار السياسي ومن له القدرة على التقدّم بتونس والسير بها نحو الأفضل"، مضيفاً: "لا يمكن الحديث عن نجاح الديمقراطية من دون تطبيق القانون على كافة المواطنين ومن دون عدالة جبائية، خصوصاً أن ثلثي مداخيل الجباية متأتية من الأجراء الكادحين". وأعلن الطبوبي خلال إشرافه على اجتماع نقابي، أن "الاتحاد لا يزال يؤمن بالمحاور والعناوين الرئيسية التي تضمنتها وثيقة قرطاج".
ويأتي تصريح الطبوبي في شكل رسالة واضحة وقوية لكل من يضرب وثيقة قرطاج، وما أفضت إليه أيضاً من تفاهمات، من بينها الحكومة، وتحذيراً لكل من يريد أن يعبث بالاستقرار الذي يعتبره الاتحاد خطا أحمر.

ولكن تهديد الحكومة لا يبدو اجتماعياً واقتصادياً فقط، وإنما هو سياسي بالأساس، وسط حديث عن شروع رئيسها يوسف الشاهد بالبحث عن حزام سياسي يؤمّن مستقبله السياسي، وبداية تشكيل مجموعة مدافعة عنه كورقة سياسية للاستحقاقات المقبلة، وهو ما يُفسّر في نظر البعض قراره بالتحدث إلى التونسيين شهرياً عبر "فيسبوك"، وخروجه إلى الميدان بكثافة في الفترة الأخيرة، وانتقاداته الكبيرة للوضع السياسي والحزبي، معتبراً أن عزوف التونسيين عن المشاركة في الشأن العام يمثل خطراً على الديمقراطية الناشئة في تونس، قائلاً إنهم على حق، لأن التونسيين ملّوا من الصراعات السياسية ومن الخصومات، على حد وصفه. وأضاف الشاهد أن التونسيين يريدون من يقدّم حلولاً تتعلق بتشغيل أبنائهم وإحداث التنمية في المناطق وتحسين نسبة النمو، في إشارة إلى أن هذا ما يفعله، أي أنه الخيار الأمثل المطروح.

ولم تعد هذه الطموحات الشخصية، خافية على أحد، ولكنها قد تشكل أيضاً عائقاً أمام استمرار الحكومة، ومصدر ازعاج لأكثر من جهة سياسية، وهو ما قد يدفع إلى بداية التصويب نحوها خلال هذا العام. ويرى البعض أن استمرار الشاهد لغاية 2019 سيكون كمن يحقن هذا المتسابق بالمنشطات التي ستقوده إلى سباق الجميع والفوز عليهم بسهولة، ولكن مستقبل الحكومة ومستقبل الشاهد سيكون محكوماً بمعادلات أخرى، ولكنه سيكون مطالباً أولاً بالصمود خلال هذه الأشهر الصعبة، وخلق تيار تواصل قوي مع التونسيين لتجاوز اللحظات الأصعب.
عموماً يبدو العام 2018 عاماً مهماً وحاسماً للتونسيين على أكثر من صعيد، استكمال البناء الدستوري، إصلاح الاقتصاد، تجاوز الغضب الاجتماعي، المحافظة على الاستقرار أمام الاوضاع الداخلية والتهديدات الخارجية التي تستهدف التجربة وترى أن الوقت متاح ومهيأ لذلك، إنجاح الانتخابات البلدية الأولى بعد الثورة وتأطير التنافس الحزبي، ترتيب الأولويات حتى لا يطغى عليها الطموح الحزبي والشخصي واستكمال بناء البيت أولاً، وغيرها من التحديات التي سيكون على التونسيين إنجاحها.