أيام ماي الصعبة: أسبوع "بريكست" الطويل يبدأ

أيام ماي الصعبة: أسبوع "بريكست" الطويل يبدأ

12 مارس 2019
تبدأ أيام ماي الصعبة اليوم الثلاثاء (جاك تايلور/Getty)
+ الخط -


مع فشل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، في الحصول على تنازلات من الجانب الأوروبي تسمح لها بتعديل صفقة بريكست بما يجعلها مقبولة لدى أغلبية النواب في برلمان ويستمنستر، تكون الأيام القليلة المتبقية على موعد خروج بريطانيا من أوروبا في 29 مارس/آذار الحالي، مفتوحة على خيارات عدة، تتراوح بين تأجيل بريكست أو استقالة الحكومة البريطانية أو الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. وكانت ماي قد وعدت قبل أسبوعين بطرح اتفاق بريكست على برلمان بلادها، اليوم الثلاثاء، في تصويت ملزم، تأمل أن يصادق فيه النواب البريطانيون على صفقتها للاتفاق، التي كانت أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي العام الماضي، وفشلت في تمريرها في التصويت الملزم الأول منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما تلقت حكومتها أكبر هزيمة برلمانية في تاريخ بريطانيا الحديث، وبفارق 230 صوتاً.

إلا أن الأسبوعين الماضيين شهدا فشل المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي على إدخال أي تعديل على خطة المساندة الخاصة بالحدود الإيرلندية، والتي يطالب حلفاء ماي في البرلمان بتعديلها كي يمنحوها أصواتهم. وتُعدّ خطة المساندة شبكة أمان تقضي بإبقاء الحدود مفتوحة بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية. وبموجب الخطة تبقى بلفاست في عضوية الاتحاد الجمركي والسوق الأوروبية المشتركة كوضع افتراضي حتى وصول بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تجاري مشترك، يحدد طبيعة العلاقة التجارية بينهما، وبالتالي شكل الحدود بين بلفاست ودبلن. ومع أن الجانبين البريطاني والأوروبي يسعيان للتوصل إلى اتفاق تجاري دائم قبل نهاية الفترة الانتقالية أواخر عام 2020، إلا أن لا ضمانات بهذا الشأن، وقد تستغرق المفاوضات التجارية وقتاً أطول مما يتطلب الالتزام بخطة المساندة. 

ومع اتجاه حكومة ماي لتلقي هزيمة برلمانية مماثلة للمرة الثانية، ارتفعت أصوات من بين متشددي بريكست، تطالبها بسحب التصويت الملزم اليوم الثلاثاء، واستبداله بتصويت غير ملزم على صفقة افتراضية بديلة، تحظى بدعم كامل من حزب المحافظين وحليفه الاتحادي الديمقراطي الإيرلندي. وفي حال نجاح هذه الخطة البديلة، يمكن لماي حينها العودة لبروكسل مدعومة بأغلبية برلمانية، على أمل الضغط على الاتحاد الأوروبي لتقديم المزيد من التنازلات.

وكان ماركوس فيش، العضو في مجموعة الأبحاث الأوروبية المطالبة بـ"بريكست مشدد"، قد طالب أمس الاثنين، بأن "تتخلّى ماي عن التصويت الملزم وتطرح على البرلمان بدلاً من ذلك مقترحاً مبنياً على استبدال خطة المساندة بالتقنيات الحديثة لمراقبة الحدود الإيرلندية". وأضاف فيش في حديثٍ لهيئة الإذاعة البريطانية، أنه "من الضروري التأكيد على ذلك، ووضع تفاصيل المقترحات التي عملنا عليها مع الحكومة خلال الأسابيع الماضية على الطاولة"، مشيراً إلى أنه "لا أهمية للرفض الأوروبي التام لمثل هذا المقترح بالقول: هنا تكمن الأغلبية البرلمانية لصالح الاتفاق".

وقال زعيم الكتلة المحافظة من متشددي بريكست في البرلمان البريطاني، جاكوب ريس موغ، إن "مثل هذا الاقتراح لن يكون طريقة عبثية للسير إلى الأمام"، مضيفاً أن "وجود تعديل يقول بأن البرلمان سيدعم صفقة إذا تم كذا وكذا، قد يكون طريقاً لتوحيد الحزب والحد من حجم الخسارة".

ويعود رفض الكتلة المحافظة من متشددي بريكست، والحزب الاتحادي الديمقراطي، والتي يبلغ تعدادها 100 نائب، لخطة المساندة، إلى كونها غير محدودة زمنياً، ولا تسمح لبريطانيا بالخروج من ترتيباتها من جانب واحد. كما أنها ستفصل تنظيمياً بين إيرلندا الشمالية وبقية بريطانيا، ولن تستطيع لندن الانسحاب منها بشكل أحادي. أما الاتحاد الأوروبي فيرى في خطة المساندة ضماناً للسلم في الجزيرة الإيرلندية وأعلن مراراً وتكراراً عن عدم إمكانية تعديل نصها القانوني في اتفاق بريكست.

وكانت ضغوط متشددي بريكست مصحوبة بالمطالبة بإطاحة ماي من داوننغ ستريت في حال عدم خروج بريطانيا من الاتحاد في الموعد المقرر يوم الجمعة 29 مارس الحالي قد ازدادت أخيراً. فقد حذر وزيران سابقان رئيسة الوزراء خلال عطلة نهاية الأسبوع، من أنه في حال أجبرها البرلمان على طلب تمديد بريكست، خلافاً لتعهداتها السابقة بالخروج في الموعد المذكور ومن دون تأجيل، فإن إمكانية استمرارها في منصبها يعد أمراً غير مقبول ويجب عليها الاستقالة. وهو ما أكدته وزيرة التعليم السابقة نيكي مورغان بقولها إنه "في حال أفشل البرلمان استراتيجية ماي، فسيكون من الصعب على رئيسة الوزراء البقاء في منصبها لفترة أطول".



وكانت ماي قد تعهدت نهاية الشهر الماضي بمنح البرلمان حق التصويت الملزم على صفقتها اليوم الثلاثاء، وفي حال فشل الصفقة في الحصول على الموافقة البرلمانية، فإنها ستمنح البرلمان حق التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وفي حال فشل ذلك، فسيصوت البرلمان على تأجيل موعد بريكست، في موعد أقصاه الخميس المقبل. ويخشى متشددو بريكست من أن هذه الخطوات ستؤدي إلى بريكست مخفف، نابع من تسوية بين ماي والمعارضة العمالية، أو جراء سحب البرلمان لقرار بريكست من حكومتها. كما أن دعم العمال لاجراء استفتاء ثان على بريكست، يرفع أيضاً من احتمال تراجع بريطانيا عن الخروج من الاتحاد الأوروبي كلياً.

وكان رد حكومة ماي بتأكيد أهمية التصويت لصالح خطتها لتجنب إدخال البلاد في فوضى سياسية. فبينما لوّح وزير الخارجية جيريمي هنت بالعصا تجاه متشددي بريكست، محذراً من أن الفشل في دعم الخطة الحكومية قد يؤدي إلى "احتمال خسارة بريكست في الأسبوعين المقبلين"، أشار وزير المالية، فيليب هاموند، إلى أن "الملف في نهايته"، واعداً بـ"ضخّ المليارات في الاقتصاد لإنهاء التقشف بعد بريكست". في المقابل، برزت توقعات بأن تقدّم ماي تنازلاً من جانبها أيضاً، وتعلن عن موعد محدد لمغادرتها منصبها.

أما مؤيدو الاتحاد الأوروبي في حزب المحافظين، فقد رفضوا القبول بالخيارات التي تطرحها حكومة ماي بالاختيار بين صفقتها أو بريكست من دون اتفاق. وقال سام غيما، الوزير السابق في حكومة ماي، الذي استقال من منصبه لدعم خيار الاستفتاء الثاني، في مقال نشرته صحيفة "غارديان" أن "مثل هذه الخيارات كانت السبب وراء الكوارث في السياسة البريطانية"، ضارباً المثال في قرار غزو العراق. وقال "إن صيغة السؤال مماثلة لتلك التي طرحت على النواب قبيل حرب العراق: الخيار العسكري ضد صدام حسين أو المجازفة بتعرض البلاد للاعتداء". وأضاف أن "رئيسة الوزراء وضعت الأمور بين خيارين: صفقتها أو خروج فوضوي من الاتحاد الأوروبي جميعنا نعلم ضرره على مجتمعاتنا. يطلب من النواب الاختيار بين الخيارين، على أمل اختيار الصفقة والإعلان عن الأمر على أنه انتصار".

أما حزب العمال، فقد أعلن على لسان وزير المالية في حكومة الظل، جون ماكدونيل على أنه "يدعم تمديد موعد بريكست لمنح المفاوضات فرصة الوصول إلى اتفاق أفضل"، متراجعاً بذلك عن تعهد سابق بطرح التصويت على الاستفتاء الثاني على البرلمان هذا الأسبوع. وقال ماكدونيل لهيئة الإذاعة البريطانية، إن "الوقت لا يسمح حالياً بالتصويت على الاستفتاء في البرلمان، بل يجب توجيه الجهود لصالح إسقاط صفقة ماي ومحاولة التفاوض على صفقة أفضل بعد ذلك". وقال إن "العمال على استعداد لضمان صفقة جديدة لبريكست، تشمل اتحاداً جمركياً مع الاتحاد الأوروبي خلال أسابيع، ولكن الأمر يتطلب تمديداً للموعد المحدد نهاية الشهر الحالي". وشدّد على أن "الحزب سيدعم الاستفتاء الثاني عندما يتضح أن لا اتفاق في البرلمان على خطة أفضل من اتفاق ماي".

ومن جانبه، قال زعيم الحزب القومي الاسكتلندي في ويستمنستر، إيان بلاكفورد، إن "حزبه سيطلب حق التصويت على استفتاء على استقلال اسكتلندا عن بريطانيا بعد بريكست". وأضاف في تصريح أمس الاثنين، أن "القومي الاسكتلندي، ثالث أكبر كتلة في البرلمان البريطاني، سيطلب مساء حق تنظيم استفتاء على الاستقلال الاسكتلندي بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي". وعلى الرغم من توقع هزيمة الطلب في النقاشات البرلمانية، قال بلاكفورد "إننا نطالب بأن يكون لاسكتلندا قول في ما يجري. نحن جميعاً مواطنون أوروبيون، وصوتت اسكتلندا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. يجب أن نقود مستقبلنا الخاص بنا إذا أصرت ويستمنستر على إخراجنا من الاتحاد الأوروبي".