العاصمة الإدارية الجديدة: الاقتصاد المصري بخدمة مشروع السيسي

العاصمة الإدارية الجديدة: الاقتصاد المصري بخدمة مشروع السيسي

10 أكتوبر 2017
استمرار ورش تشييد مباني العاصمة المصرية الجديدة(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
احتفل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقيادات الجيش المصري ووسائل الإعلام والسياسيون والموالون له، بذكرى حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، بطريقة غير معتادة في مصر. فقد افتتح، يوم الجمعة الماضي، المنتجع السياحي "الماسة كابيتال" في العاصمة الإدارية الجديدة التي يجري إنشاؤها حالياً شرق القاهرة في الاتجاه إلى مدينة السويس، وهو أول مجمع عمراني يتم إنجازه في هذه المدينة التي أعلنت الحكومة المصرية بدء العمل بها في مارس/ آذار 2015.

وتدير مشروع إنشاء المدينة شركة مساهمة خاضعة لقانون الاستثمار تتقاسمها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. وتولّى وزير التنمية المحلية، محافظ بني سويف الأسبق، اللواء أحمد زكي عابدين، رئاسة مجلس إدارتها، تكريساً لسيطرة الجيش عليها إدارياً وعملياً، لا سيما بعد فشل الحكومة في التعاقد مع شركاء إماراتيين ثم صينيين لتولي الأعمال الإنشائية والمقاولات، نظراً للخلافات بين الجانبين حول نسبة الأرباح نتيجة تردي سعر الجنيه المصري بعد تعويمه مقابل الدولار الأميركي.

وواجهت الاحتفالات المبالغ فيها، والتي لم يتم الإعلان عن كلفتها، والتي أقامها الجيش وهيئته الهندسية بمناسبة افتتاح المنتجع السياحي الجديد بالعاصمة، انتقادات لاذعة على صفحات التواصل الاجتماعي، نظراً لمظاهر الإسراف الشديد التي أوضحتها الصور الفوتوغرافية المنشورة من داخل المنتجع وتسجيلات حفل افتتاحه. إلّا أن السؤال الأهم الذي تردد في دوائر المراقبين كان عن القيمة غير الظاهرة للمسارعة في إنشاء هذا المنتجع، أو بمعنى آخر ما تكبّدته الدولة من خسائر اقتصادية ومرفقية نتيجة الإسراع في تنفيذ المنتجع خلال فترة وجيزة في الوقت الذي من المفترض أن تشهد فيه البلاد إقامة العديد من المشاريع المرفقية التي أعلن عنها السيسي وحكومته على مدار السنوات الأربع الماضية.

وأجابت مصادر حكومية في وزارة الإسكان عن هذا السؤال، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، قائلةً إن مشروع المنتجع الذي يعتبر امتداداً لفندق "الماسة" الشهير بمدينة نصر، والذي تحول أخيراً لمقر رسمي لمؤتمرات واحتفاليات السيسي في القاهرة، هو ثاني مشروع يتم إنجازه في موعده المحدد بعد التفريعة الجديدة لقناة السويس التي افتتحت في أغسطس/ آب 2015. وسبب ذلك يتمثل في أن السيسي أعطى تعليمات مشددة للجيش بسرعة الانتهاء من إنشاء المنتجع قبل نهاية العام الحالي، حتى يكون محط أنظار المستثمرين العرب والأجانب المستهدفين بالحضور إلى العاصمة الجديدة، وإظهار "مدى جدية مصر" في إنشاء مدينة جديدة متكاملة، فيكون المنتجع حافزاً لهم على ضخ الأموال في مشاريع المدينة.




وأضافت المصادر أن الهيئة الهندسية للجيش التي يرأسها اللواء كامل الوزير، كانت قد أعدت مع بداية توليها إدارة أعمال المقاولات العمومية والإنشائية لمعظم المشاريع الحكومية (أي منذ عامين) قائمة محدودة بشركات وسيطة متخصصة في تنفيذ أعمال المقاولات من الباطن، يدير ويمتلك معظمها ضباط سابقون بالجيش المصري أو أقارب للضباط الحاليين. واشترطت على مقاولي الباطن الذين تتعامل معهم في مختلف المشاريع، الاشتراك أو المساهمة مع الشركات المحددة في تلك القائمة، بهدف السيطرة على جميع أعمال مقاولات الباطن في مختلف المشاريع، بما في ذلك التي تتولى إدارتها وتنفيذها شركات حكومية كـ"المقاولون العرب" وغيرها، وفق المصادر نفسها.

هكذا، حققت الهيئة الهندسية والضباط المقربون منها أكثر من هدف، مثل مضاعفة الأرباح الخاصة بها وكذلك للشركات الوسيطة المملوكة أو المدارة بواسطة الضباط، والرقابة الكاملة على سوق المقاولات من حيث تحديد الأسعار والسيطرة على وتيرة المشاريع الحكومية وغيرها. وبات يمكن للهيئة بالتالي أن تسرع ما تشاء من مشاريع وإبطاء إنجاز مشاريع أخرى، من خلال تحكمها في المقاولين الذين يجعلون أولوية العمل لصالح مشاريع الهيئة الهندسية، على حد تأكيد المصادر نفسها. وذكرت أن الوضع تحول منذ منتصف عام 2016 إلى سيطرة شبه كاملة من الجيش على سوق المقاولات، في الوقت الذي ترغب فيه الهيئة الهندسية في الاستحواذ على جهود جميع المقاولين الصغار والآلات التي يعملون بها ستستطيع ذلك فعلياً، حتى لو على حساب مشاريع حكومية أخرى، وقد تترك المقاولين للعمل بنسبة معينة في باقي المشاريع، علماً أن الجهات الحكومية الموازية للهيئة لا تجرؤ في العادة على تحدي رغبتها، لإدراكها العلاقة القوية بين السيسي ووزير الدفاع ورئيس الهيئة، واعتقاد مسؤولي تلك الجهات أن السرعة في إنجاز بعض المشاريع تكون بتعليمات شخصية من السيسي.

وبناءً على هذه الإجراءات، استطاعت الهيئة الهندسية، بحلول شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016، توجيه 80 بالمائة من قوة شركات المقاولات المصرية الصغيرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، بدلاً من إنجاز المشاريع الحكومية الأخرى، وكذلك المشاريع التي تديرها الهيئة الهندسية نفسها في مناطق أخرى، ما أدى إلى تعطيل معظم المشاريع المرفقية التي كان من المقرر افتتاحها أو إنجاز مراحل كبيرة منها خلال عام 2017. وعلى رأس تلك المشاريع المعطلة: الطريق الدائري الإقليمي، وخط الجيزة في مترو أنفاق القاهرة، ونفق النهضة بالجيزة، وتطوير الطريق الدولي الساحلي، وتطوير طريق الصعيد الغربي، ومحور "30 يونيو" الرابط بين محافظات الدلتا والقناة، وتطوير ميناء الإسكندرية، وإضافة أراضٍ لمشروع الاستصلاح "المليون ونصف المليون فدان"، فضلاً عن مشروع "سكن مصر" الذي كان من المقرر الانتهاء من مرحلته الأولى هذا العام ولم يتم إنشاء أي مجمع عمراني به.

كل هذه المشاريع وغيرها، توقف العمل بها فعلياً لصالح المنشآت المبدئية بالعاصمة الإدارية الجديدة وعلى رأسها المنتجع الفندقي، على الرغم من أن بعض تلك المشاريع أكثر حيوية واتصالاً بمصالح المواطنين، لا سيما التي أدى بدء العمل بها لعدم قابلية الأراضي المخصصة لها للاستغلال أو المرور، ما يعني إبقاءها معطلة لحين الانتهاء من مشاريع الجيش في العاصمة الإدارية، أو لحين التعاقد مع شركات مقاولات عملاقة من خارج مصر لمشاركة الجيش في الإنشاءات.

انطلاقاً من ذلك، ذكرت المصادر الحكومية أنه لم يكن غريباً أن يتم إنجاز المنتجع الفندقي في هذه الفترة الوجيزة، تماماً كما حدث في مشروع تفريعة قناة السويس، مع فارق القيمة ومدة العمل، نظراً إلى شحذ طاقات وموارد جميع شركات المقاولات المتعاونة مع الجيش لهذا المشروع وباقي مشاريع الجيش بالعاصمة الجديدة فقط.

وفي السياق ذاته، قال أحد المقاولين العاملين في العاصمة الجديدة لـ"العربي الجديد" إن الشركة الخاصة به والمملوكة له مع عدد من زملائه تركت جميع الأعمال المتعاقد عليها مع الشركات الحكومية منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، وانتقلت للعمل مع الجيش في العاصمة الجديدة وساهمت في إنشاء المنتجع الفندقي وبعض محطات المياه والطاقة، وذلك بسبب "المزايا الاستثنائية التي خصصتها الهيئة الهندسية للشركات لجذبها للعمل في العاصمة".

وكشف المقاول عن تفاصيل هذه المزايا، قائلاً "ضاعفت الهيئة الهندسية أرباحنا بنسبة 100 بالمائة تقريباً عما كنا نتقاضاه منها في المشاريع السابقة، وحتى تعويم الجنيه، إذ تكفلت بشراء الحديد والإسمنت والكابلات وبعض مواد التشطيبات، وذلك باتفاقات خاصة بها مع مصانع مصرية وأخرى أوروبية، وبالتالي انخفضت مسؤوليات مقاولي الباطن تجاه العمل وباتت مقتصرة على الأيدي العاملة والآلات وبعض مواد البناء منخفضة التكلفة"، وفق تعبيره. وأضاف أنه "كان طبيعياً قبول العرض لأن مشاكلنا مع الجيش والجهات الحكومية في المشاريع السابقة على قرار تعويم الجنيه (في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) لم تنته حتى الآن، على الرغم من صدور قانون خاص بتعويض المقاولين. وأشار إلى أن اللجنة المشكلة من الحكومة واتحاد الصناعات لتعويضهم عن خسائر انهيار سعر الجنيه لم تصدر تقييمات عادلة لأعمال المقاولين الصغار، ما جعل هؤلاء ينظرون إلى العاصمة الجديدة كتعويض مناسب عما أصابهم من أضرار، بحسب قوله.

وأوضح المقاول أن المنتجع الفندقي وملحقاته لا يشكل أكثر من 2 بالمائة من حجم الأعمال المستهدف إنجازها قبل نهاية 2018 في العاصمة الجديدة، وأن أولوية العمل الآن لمحطات المياه والكهرباء والصرف الصحي والمطارين المدني والعسكري، ثم المنطقة المركزية التي ستشمل المباني الرسمية والعسكرية وعلى رأسها وزارة الدفاع "الأوكتاغون"، ورئاسة الجمهورية والاستخبارات العامة والحربية والشرطة العسكرية والرقابة الإدارية ومجلس النواب ومجلس الوزراء والمباني الفندقية والاستراحات التابعة لكل منها، ثم ستبدأ في 2020 مرحلة جديدة لإنشاء مباني الوزارات والمحاكم والمولات التجارية، بحسب ما ذكر المقاول نفسه.

المساهمون