خلاف سياسي يعطّل إنشاء المحكمة الدستورية في تونس

خلاف سياسي يعطّل إنشاء المحكمة الدستورية في تونس

13 أكتوبر 2015
تخوّف من فشل "الدستورية" بمنع تغيير فصول بالدستور(فرانس برس)
+ الخط -

لم تنجح بعدُ لجنة التشريعات داخل البرلمان التونسي في تجاوز الخلافات حول بعض فصول المحكمة الدستورية، التي ستحُل عند إقرارها مكان الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين. وينتظر التونسيون أن يتم إقرار هذه المؤسسة الدستورية، استكمالاً لعملية بناء المؤسسات الدائمة والاستعاضة عن المؤقتة بعد إقرار الدستور، غير أنها تعرضت لتأجيلات متتالية زادت من مخاوف تجاوز الآجال الدستورية التي حُددت إبان إقرار الدستور، ولجأ المشرعون إلى حيل تأويلية لتفادي الوقوع في هذا الإشكال القانوني الكبير.

واستعجالاً للشروع في مناقشة القانون الأساسي للمحكمة، وبينما كانت وزارة العدل تعمل لإعداد مشروع القانون الذي ستعرضه على المجلس، تقدّم نواب من كتل مختلفة بمشروع موازٍ أثار حفيظة الوزارة وبعض المراقبين، غير أنه تم في النهاية تبني مشروع الوزارة مجدداً، لتشرع لجنة التشريعات في مناقشته فصلاً فصلاً.

وبمجرد الانطلاق في ذلك، حصل خلاف حاد حول الفصل الأول الذي يحدد ماهية المحكمة وهدفها الأساسي، وخلافات أخرى حول بعض الفصول الأخرى، ليتم في النهاية إرجاء النقاش حول الفصول الخلافية وإقرار البقية. وتوصلت اللجنة إلى المصادقة على حوالى أربعين فصلاً، على أن تستكمل اليوم الثلاثاء مناقشة ما تبقى من مشروع القانون.

وجاء الخلاف حول الفصل الأول من الباب الأول المتعلق بالأحكام العامة الذي ينص على أن "المحكمة الدستورية هيئة قضائية ضامنة لعلو الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي والحقوق والحريات". وبرز خلاف حاد بين أعضاء اللجنة بين الداعين إلى حذف كلمة "النظام الجمهوري" والاكتفاء بأن المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلّة ضامنة لعلو الدستور وبين من يرى ضرورة الحفاظ على الصيغة الأصلية للفصل وإقرار مسألة النظام الجمهوري.

واختلف النواب كذلك حول طريقة الحسم في المصادقة على فصول مشروع القانون إما بالتوافق أو التصويت، إلى أن تم الاتفاق على ألا يتم اللجوء إلى التصويت، بل إلى التوافق، بهدف الخروج بنص قانوني توافقي يلقى أكبر إجماع ممكن، على أن يتم التصويت فقط إذا استحال التوصل إلى توافق.

اقرأ أيضاً: نواب تونسيون يقطعون الطريق على الحكومة في "الدستورية"

ولم يكن الخلاف حول هذا الفصل فقط، وإنما سجلت لجنة التشريع العام كذلك خلافاً جوهرياً ثانياً يتعلق بالفقرة الأخيرة من الفصل الخامس التي تنص على أن قرارات وآراء المحكمة الدستورية ملزمة لجميع السلطات، غير أن بعض أعضاء اللجنة رأوا أن رأي المحكمة الدستورية لا يكون ملزماً إلا في المسائل التي لا يمنع تعديلها، مثل الفصل الأول من الدستور المحصّن دستورياً، غير أن خلاف ذلك يبقى غير ملزم في المسائل الأخرى كالتعديل الدستوري من قبل النواب الذي لا يمكن أن تمنعه المحكمة الدستورية.

وتعلّق الخلاف الثالث بباب العضوية في الفصل السادس، حول تمكين المنتمين للمجلس الدستوري وأعضاء الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين، من الترشّح إلى المحكمة الدستورية. وتم أيضاً إرجاء النظر في هذه النقطة والاكتفاء ببقية الشروط العامة المتعلقة بالعمر والخبرة والاستقلالية وغيرها من النقاط المنصوص عليها ضمن الفصل المذكور والمصادقة عليها بأغلبية الحاضرين، ثم التطرق إلى الشروط الخاصة المتعلقة بالرتب المهنية للأعضاء والاختصاصات.

وتعكس هذه النقاشات حسابات سياسية مهمة وخلافات أيديولوجية واضحة، خصوصاً ما يتعلق بالفصل الأول والإشارة إلى مهمة المحكمة المتمثّلة في الحفاظ على النظام الجمهوري. وتخشى حركة "النهضة" وأحزاب ذات خلفية دينية، أن يتم إزعاجها، أو حتى تصفيتها بناءً على تأويل هذا الفصل واعتبارها أحزاباً تُهدد النظام الجمهوري. في المقابل، تُعبّر أحزاب أخرى عن تخوّفها من المطالبة بإزالة هذه الجملة، لأنها تعكس رغبة في تبني نظام آخر للدولة ووجود أحزاب تدعو إلى الخلافة.

وهو ما يدل على أن الأحزاب التونسية لم تتخلَ بالكامل عن خوفها الأيديولوجي، على الرغم من إقرارها للدستور، وترى في المحكمة الدستورية فضاء أخيراً لحسم هذه الخلافات.

وبالتوازي تبرز حرب المواقع جلية، من خلال قطع الطريق أمام عودة أعضاء المجلس الدستوري السابق قبل الثورة التونسية من عدمها، وكذلك أعضاء الهيئة المؤقتة التي يمنع قانون إنشائها من ترشح أعضائها إلى المحكمة الدستورية. غير أن هذا الإقصاء لأعضاء المجلس السابق يعكس نوعاً من التناقض، بحكم وجود بعض أعضائها في قلب الثورة، على غرار عياض بن عاشور الذي ترأس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي قادت البلاد إلى غاية انتخاب المجلس التأسيسي، وكان عضواً في هذا المجلس على الرغم من استقالته منه.

ويأتي الخلاف حول مدى إلزامية آراء وقرارات المحكمة لكل المؤسسات، ليعكس تخوّف المعارضة بالخصوص من تغيير بعض فصول الدستور، وعدم قدرة المحكمة الدستورية على منع ذلك، فيما يعتبر بقية النواب أن أي دستور مهما بلغ التوافق حوله في لحظة تاريخية معينة، لا يمكن أن يكون مقدساً وقد يحتاج مع الوقت إلى بعض التعديلات، ثم إن المحكمة الدستورية لا يمكن أن تكون فوق السلطة التشريعية، التي تبقى مصدر كل السلطات، وبالتالي لا يمكن أن تمنع المحكمة السلطة التشريعية من صميم عملها.

اقرأ أيضاً: استقلال القضاء التونسي واستمراريته مهددان

المساهمون