إملاءات إيرانية قبل أستانة... والمعارضة تتمسك بحق اختيار وفدها

إملاءات إيرانية قبل أستانة... والمعارضة تتمسك بحق اختيار وفدها

06 يناير 2017
تبدو إيران منزعجة من التقارب الروسي التركي (ميخائيل سفتلوف/Getty)
+ الخط -
تزداد التباينات حيال الملف السوري مع اقتراب موعد محادثات أستانة المرتقبة في 23 يناير/كانون الثاني الحالي وسط سعي إيراني واضح لفرض إملاءات تسبق انطلاق المشاورات، إن في ما يتعلق بالمدعوين إلى المفاوضات سواء من المعارضة السورية أو من الدول المعنية بهذا الملف، أو في ما يتعلق بجدول الأعمال، وهو ما ترجم في الرسائل التي حرص رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، على إيصالها أمس الخميس، خلال زيارته إلى دمشق. 
محاولة إيران فرض إملاءاتها ترافقت أيضاً مع تصاعد الخلاف التركي الإيراني حيال الملف السوري، وهو ما انعكس بمواجهة كلامية بين مسؤولي البلدين، مع تأكيد أنقرة استمرارها بالدفاع عن أمنها الذي "يبدأ من حلب وإدلب"، فيما كانت طهران تطالب بخروج كل القوات التي دخلت الأراضي السورية "من دون موافقة حكومتها".
في موازاة ذلك، كان لافتاً استقبال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أمس، مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض، موفداً من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالتزامن مع فتح بغداد لمعركة جديدة ومفاجئة في الأنبار في أعالي الفرات. وأفادت وكالة "سانا" التابعة للنظام أن الفياض نقل للأسد رسالة من العبادي أكد فيها "أهمية التعاون والتنسيق القائم بين سورية والعراق في حربهما ضد التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها وضرورة تعزيز هذا التعاون".
يأتي ذلك فيما يواصل النظام والمليشيات الإيرانية الموالية له، محاولة تقويض اتفاق وقف إطلاق النار، عبر استمرار حملتهما العسكرية في وادي بردى. ومنع عناصر من "حزب الله" أمس وفداً مؤلفاً من أربعة ضباط روس وقائد الفرقة 133 في قوات النظام مع عدد من وجهاء منطقة وادي بردى من الدخول إلى الوادي. إضافة إلى ذلك، يسعى النظام لتهجير بلدات جنوب دمشق، إذ يعمل على فرض "تسوية" على أهالي المناطق هي أقرب إلى الاستسلام، مع توقعات بأن ترفض الفصائل العرض المقدّم. وفي السياق، قالت "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) إن وقف إطلاق النار "مذل"، وإن أولئك الذين وافقوا عليها قاموا بـ"خطأ كبير". وقال المتحدث باسم "فتح الشام" حسام الشافعي في مقابلة مع موقع شبكة "الجزيرة" إن الهدنة الحالية تحمي بشار الأسد والمليشيات الحليفة المدعومة من إيران.
هذه المعطيات جميعها تسبق المفاوضات المرتقبة في أستانة أواخر الشهر الحالي، والتي أكد المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أن هدفها يجب أن يكون تعزيز وقف إطلاق النار والتمهيد لمفاوضات أوسع تدعمها الأمم المتحدة في فبراير/شباط. وأعرب دي ميستورا، في مؤتمر صحافي أمس، عن دعم الأمم المتحدة لهذه المفاوضات. فيما قال يان إيغلاند، مستشار دي ميستورا للشؤون الإنسانية إن تركيا وروسيا توسطتا في اتفاق وقف القتال في 30 ديسمبر/كانون الأول وتعهدتا بالعمل من أجل فتح المجال أمام منظمات الإغاثة لتوصيل الإمدادات في أنحاء سورية. لكن إيغلاند عبر عن خيبة أمله من أنه على الرغم من أن وقف إطلاق النار "متماسك إلى حد بعيد" فقد مُنعت قوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة من الوصول إلى خمسة من 21 موقعاً هذا الشهر منها مواقع في ريف دمشق وحمص وحماة.


شروط إيران
وحرص رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، خلال وجوده في دمشق على إيصال مجموعة من الرسائل السياسية والعسكرية.
وفي ما بدا كشروط إيرانية تستبق مفاوضات أستانة، قال بروجردي إن "السعودية ستكون مدعوة لجلسة الافتتاح في اجتماع أستانة ضمن البروتوكول، ولن يكون لها حضور في باقي الجلسات"، وفق ما نقلت عنه قناة "العالم". وأضاف: "ليس لدينا تصور واضح حول مؤتمر أستانة ومن المبكر الحديث عن وجود خلافات بين المشاركين"، معتبراً أنه "سيكون هناك حضور ودور رقابي من إيران وروسيا وتركيا لتكون الضامن للحوار السوري في أستانة". كما قال بروجردي إن "أي وقف ثابت ومستمر للأعمال القتالية في سورية يتطلب القضاء على تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين على كل الأراضي السورية"، لافتاً إلى أن" الدور الروسي والإيراني ودور حزب الله وكل القوى التي تعمل في محور المقاومة دور رئيسي في مسار الحرب على الإرهاب"، على حد وصفه.
وفي ما يتعلق بتركيا أيضاً، اعتبر بروجردي الوجود التركي في سورية "احتلالاً". وقال بروجردي بعد لقائه الأسد أمس في دمشق، إن "العالم كله يعلم أن قيام أي دولة بالدخول إلى أراضي دولة أخرى خارج إطار القانون الدولي يُعتبر احتلالاً". ورأى أن "الأشخاص الذين ينبغي عليهم ترك سورية هم الذين دخلوها من دون إذن أو تنسيق مع الدولة السورية لأنهم هم من تدخلوا في الأراضي السورية".
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، رد على تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ودعوته طهران للضغط على المليشيات المسلحة الموالية للنظام لوقف خرق وقف إطلاق النار، بالقول "إنها تصريحات غير بناءة ولا تتطابق والوقائع ولا تصب لصالح المفاوضات".


وفي سياق متصل، تصاعدت نبرة الخلاف التركي الإيراني حول سورية، إذ قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كلمة له أمس الخميس، إن على بلاده ملاحقة المنظمات الإرهابية التي تهدد أمنها وسلامتها، وضربها في منابعها. وأضاف: "علينا إنهاء كافة التهديدات الموجهة نحو بلادنا في منابعها، وألا ننسى أبداً أن أمن تركيا لا يبدأ من غازي عنتاب إنما من حلب، ولا يبدأ من هطاي إنما من إدلب". من جهته، أعرب نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان كورتولموش، عن قناعته بأن السياسة التركية في سورية "ارتكبت أخطاء كبيرة"، مشدداً على أن تركيا لن تقبل بقاء الأسد في السلطة، قائلاً: "نحن نرى أن بقاء مجرم أو مسؤولين في النظام في أماكنهم سيكون أمراً لا إنسانياً، ولكن هذا القرار سيتم اتخاذه من قبل من سيجلس على الطاولة للتفاوض، وستكون تركيا ضامناً لأي اتفاق يحصل في هذا الإطار، ولن يكون من المناسب لنا فرض أي قرار".
وفي السياق، رأى المحلل السياسي التركي محمد زاهد غول، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن التصعيد التركي تجاه إيران "يتناغم مع تصعيد روسي ودولي حيال ما تفعله مليشيات طائفية مدعومة من طهران من أجل تعطيل اتفاق وقف إطلاق النار في سورية والمدعوم من قرار صادر من مجلس الأمن الدولي". وأشار زاهد غول إلى أن أنقرة "مستاءة" من السلوك الإيراني في سورية، معرباً عن قناعته بأنه إذا لم تلتزم إيران بقرار وقف إطلاق النار، وبالتفاهمات السياسية الناتجة عنه "ستتجرع كأس السم مرة أخرى".


محاولة تهميش المعارضة
في موازاة ذلك، تتمسك المعارضة السورية بالقرارات الدولية ذات الصلة بالملف السوري في أي مفاوضات تُجرى مع النظام، مشددة على حقها تشكيل وفدها المفاوض في مؤتمر أستانة المقرر عقده أواخر الشهر الحالي. وأكد الائتلاف الوطني السوري أن الجهود المبذولة لعقد لقاء في أستانة "يجب أن تنطلق من التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الخاصة بسورية، وتُبنى على ما تمَّ التوصل إليه في مفاوضات جنيف والالتزام بتوفير بيئة ملائمة لنجاح المفاوضات، ويضمن ذلك وقفاً كاملاً للأعمال العدائية وفك الحصار وإدخال المساعدات وإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين.
وأكد الائتلاف، في بيان أمس، على ما تضمنه قرار مجلس الأمن 2336 باستناد العملية السياسية في سورية إلى بيان جنيف والقرارات 2118 و2254 و2268، مشدداً على حق المعارضة في اختيار وفدها المفاوض من خلال الهيئة العليا للمفاوضات. وأشار إلى أنه "ينظر بقلق بالغ إلى محاولة الحكومة الروسية التلاعب بمسألة تمثيل الشعب السوري وقوى الثورة والمعارضة"، مؤكداً "أن الهيئة العليا هي المخولة بتشكيل الوفد المفاوض، ومتابعة العملية التفاوضية". ودعا مجلس الأمن الدولي والأطراف الضامنة لوقف إطلاق النار، إلى التدخل لوقف هجوم قوات النظام وحلفائه خصوصاً على منطقة وادي بردى بشكل "فوري".
وأعلن أحد أعضاء الهيئة السياسية في الائتلاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الائتلاف سيعقد خلال يومين اجتماعات مع قادة الفصائل العسكرية، مشدداً على أنه من غير المعقول تحويل الفصائل المسلحة إلى قوة سياسية، مشيراً إلى أن الروس يحاولون تهميش مؤسسات المعارضة السياسية من خلال ذلك. وكشف عضو الهيئة، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن الائتلاف طلب اجتماعاً مع الجانب التركي لمعرفة حيثيات وتفاصيل مؤتمر أستانة، مشيراً إلى أن لدى الائتلاف "تخوّفات" حيال المؤتمر في ظل عدم وضوح الرؤية حياله، مضيفاً: "لم نعرف من هي الأطراف المدعوة، وهل سيتم دعوة منصات أخرى تتقاطع إلى حد بعيد مع ما يطرحه النظام من حلول، خصوصاً لجهة رفضه لقرارات دولية تحض على انتقال سياسي قوامه تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات". وأشار إلى أن هناك تساؤلات أخرى لم تأت إجابات عنها، منها: أين موقع هذا المؤتمر من مفاوضات جنيف المزمع عقد جولة جديدة منها في فبراير/شباط المقبل، موضحاً أن هذه الأسباب وغيرها "تجعل من المبكر الحديث عن استعدادات وخيارات المعارضة السورية تجاه مؤتمر أستانة".
من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان آغا، أنه "لم توجه دعوة للهيئة لحضور المؤتمر"، مضيفاً في تصريحات إلى "العربي الجديد": "ما تزال اتفاقية وقف إطلاق النار على الورق، ولم تنفذ من قبل النظام". وأشار إلى أن الهيئة العليا "معنية بمفاوضات تحت مظلة الأمم المتحدة"، مشدداً على أن موقفها "حاسم" على هذا الصعيد، مضيفاً: "نحن متمسكون ببيان الرياض، وبيان جنيف 1، وبقرارات الأمم المتحدة".