تمديد ولاية البعثة الأممية للصحراء: تحوّل أميركي لصالح المغرب؟

تمديد ولاية البعثة الأممية للصحراء: تحوّل أميركي لصالح المغرب؟

01 نوفمبر 2019
هددت البوليساريو بإعادة النظر بمشاركتها بعملية السلام ((Getty
+ الخط -

قبل يوم واحد من نهاية مدة ولايتها، جّدد مجلس الأمن الدولي مساء أول من أمس الأربعاء، ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو) لمدة عام كامل، أي لغاية نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020. وأعاد القرار الجديد حول النزاع الدائر بين المغرب وجبهة البوليساريو، العمل بقاعدة التمديد لسنة كاملة بدل 6 أشهر، التي اقتصرت عليها القرارات الثلاثة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء. وصوّتت لصالح القرار 13 دولة عضواً في مجلس الأمن الدولي، مقابل امتناع كل من روسيا وجنوب أفريقيا عن التصويت، وهو ما اعتبره أستاذ العلوم السياسية محمد الزهراوي "غير مفاجئ، وكان متوقعاً، بالنظر إلى مضامين القرار التي تصب في مجملها في اتجاه الحفاظ على الوضع الراهن الذي لا يخدم أطروحة الانفصال".

وباستثناء مدة الولاية، لم يُدخل قرار مجلس الأمن أي تعديلات حول مهام واختصاصات هذه البعثة الأممية، إذ يحاول خصوم المغرب، منذ بضع سنوات، توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان داخل الإقليم المتنازع عليه، والخاضع للإدارة المغربية. وأثارت الخطوة رد فعل مرحباً من جانب المغرب، في مقابل تنديد شديد من جانب جبهة البوليساريو. وقال الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، في تصريحات أعقبت اجتماع مجلس الأمن للتصويت على القرار، إن الدعم المتزايد لموقف المغرب حول الصحراء "هو ثمرة إجماع وطني ودبلوماسية نشطة، وكذلك ترحيب السكان المعنيين بمقترح الحكم الذاتي، وللدينامية التنموية على أرض الواقع". وأضاف هلال، في مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة، أن "هناك أولاً، قناعة راسخة بعدالة القضية الوطنية تم الحفاظ عليها وإلهامها وتوجيهها من خلال الالتزام الشخصي للملك محمد السادس".

في مقابل ذلك، أصدرت قيادة جبهة البوليساريو، بياناً فور صدور قرار مجلس الأمن الدولي، قالت فيه إن الخطوة تعتبر "رجوعاً مؤسفاً وغير مقبول إلى سياسة ترك الأمور على حالها في ما يخص الصحراء، ونكسة خطيرة للزخم السياسي الذي خلقه المجلس وحافظ عليه على مدى 18 شهراً الماضية". والإشارة هنا إلى القرارات الثلاثة الماضية لمجلس الأمن، التي كانت تمدد ولاية بعثة "المينورسو" لستة أشهر فقط، وهو ما كان سببه ضغط مارسه مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، الذي استقال من منصبه في سبتمبر/أيلول الماضي. وذهب بيان البوليساريو إلى أنه "وأمام التقاعس المتكرر للأمانة العامة للأمم المتحدة ولمجلس الأمن عن منع المغرب من إملاء شروط عملية السلام، ودور الأمم المتحدة في الصحراء، فإنه لم يعد أمام جبهة البوليساريو أي خيار سوى إعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام برمتها".



وقال هلال، في مؤتمره الصحافي، إنه يتفهّم الإحباط والتذمر الذي أصاب ممثل جبهة البوليساريو الذي كان قد عقد مؤتمراً مماثلاً، موضحاً أن مردّ ذلك يعود إلى كون قرار مجلس الأمن لم يتكلم نهائياً عن تنظيم استفتاء، و"البوليساريو يكذبون على الناس في المخيمات"، في إشارة منه إلى المخيمات التي تقيمها الجبهة في منطقة تندوف الجزائرية، وتأوي فيها جزءا من سكان الإقليم المتنازع عليه. وفيما كان المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، الألماني هورست كوهلر، قد استقال من منصبه، في مايو/أيار الماضي، قال القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي إن الأخير "يعرب عن دعمه الكامل للجهود المستمرة التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي المقبل، لمواصلة عملية المفاوضات المتجددة من أجل التوصل إلى حل لمسألة الصحراء الغربية". وجدد المجلس دعمه لمنهجية الطاولة المستديرة التي أحدثها كوهلر، والتي تجمع كلاً من المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا، من خلال ترحيبهم بالتزامهم جميعاً بمواصلة المشاركة في هذه اللقاءات.

ويدعو القرار الجديد جميع الأطراف المعنية بهذا النزاع، إلى المساهمة في الوصول إلى حل سياسي وواقعي ومتوافق عليه. ويعتبر هذا الخطاب أيضاً في مصلحة المغرب، الذي يشدد على ضرورة البحث عن حل سياسي، مقدماً مقترحه الخاص بمنح الإقليم حكماً ذاتياً، كأرضية لمثل هذا الحل. وأكد قرار مجلس الأمن أهمية "إيجاد حل سياسي لهذا النزاع الذي طال أمده، وأن تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي من شأنه أن يسهم في الاستقرار والأمن، الذي سيؤدي بدوره إلى خلق أعمال والنمو والفرص لكافة شعوب منطقة الساحل". وقال أستاذ العلوم السياسية المغربي محمد الزهراوي، في تعليق له حول القرار نشره عبر حسابه في "فيسبوك"، إن الخطوة جاءت "في ظل غياب أو ذهاب أبرز المدافعين عن أطروحة خصوم المغرب من داخل الإدارة الأميركية، وبالتحديد جون بولتون". وسجّل الزهراوي حدوث تحول في الموقف الأميركي، "الذي بدا جلياً من خلال تعامل إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب بمرونة مع الموقف المغربي، مقارنة بمواقفها السابقة التي كانت تتسم بالصرامة والصلابة والغموض".

وفي تفسيره لتصويت بلاده لصالح القرار، علماً أنها كانت وراء تحضير مسودته، قال المستشار في بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مايكل باركين إنه يشعر بخيبة الأمل "لأن بعض أعضاء هذا المجلس اختاروا الامتناع عن التصويت مرة أخرى. لكننا نعرف أن المجلس موحد في قناعته بأن العملية السياسية يجب أن تستمر". وعبّر الدبلوماسي الأميركي، خلال جلسة التصويت، عن أمل واشنطن في تعيين الأمين العام أنطونيو غوتيريس لمبعوث شخصي جديد في أقرب الآجال، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى "تقدم العملية السياسية وضمان عدم فقدان الزخم الذي ولّده كوهلر".

من جانبه، قال نائب الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فلاديمير سافرونكوف، خلال الجلسة نفسها، إن بلاده تؤيد سياسة متوازنة وغير متحيزة لتسوية قضية الصحراء، مجدداً دعم موسكو للمفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، مؤكداً، في الوقت نفسه، أن روسيا تعمل إلى جانب كل من المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا. وشدد على أنه "لا حل مستداماً وقابلاً للتطبيق سوى حل مقبول من الطرفين، يستند إلى قرارات الأمم المتحدة، ويتوافق مع الإجراءات المتعلقة بأحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة". أما سفير فرنسا في مجلس الأمن الدولي نيكولاس دي ريفيير فأكد موقف بلاده التي تعتبر الحليف الأكبر للمغرب في هذا الملف. وقال إن بلاده ترحب بالعودة إلى ولاية مدتها سنة كاملة بالنسبة لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء، و"التي يجب أن تظل هي القاعدة في مجال حفظ السلام"، مضيفاً أن من شأن ذلك أن "يضمن الاستمرارية ووضوحاً أكبر في الرؤية". وفي دعم واضح للموقف المغربي، قال السفير الفرنسي إن اقتراح المغرب للحكم الذاتي يعد "أساساً جدياً وذا مصداقية" لاستئناف الحوار من أجل إيجاد تسوية نهائية لقضية الصحراء.