هوس إسرائيلي بفقدان يهودية دولة الاحتلال

هوس إسرائيلي بفقدان يهودية دولة الاحتلال

26 سبتمبر 2015
ديسكين: سيناريو اندلاع انتفاضة القدس سينتشر (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية، حالة خاصة من "استيقاظ" ضمير المسؤولين الأمنيين بعد انتهاء عملهم في مناصبهم الرسمية، وهي حالة حاول كثيرون تفسيرها ولكن من دون نجاح حقيقي لغاية الآن، وإن كان التقدير السائد هو أن هؤلاء، كموظفين مهنيين، ممنوعون عادة من إظهار ميولهم السياسية والحزبية، ويضطرون إلى البوح بما يدور في تفكيرهم فقط بعد تحررهم من قيود منصبهم الرسمي.

وفي هذا السياق، سجّلت السنوات الأخيرة، وتحديداً في عهد رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، عدة حالات أعرب فيها رؤساء المؤسسات الأمنية الإسرائيلية (الشاباك والموساد خصوصاً) عن قلقهم من تداعيات استمرار سياسة الاحتلال، وعزوف القيادة السياسية عن التوجّه نحو حل على أساس قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

وفي هذا المضمار، وعلى الرغم من السيناريوهات المتشائمة التي أطلقها مسؤولون كثر، مثل داني ياتوم، ومئير داغان ويعقوب بيري، وكرمي جيلون، من مخاطر استمرار سياسة الاحتلال والاستيطان، إلا أن الناخب الإسرائيلي، الذي يعتمد عادة على هؤلاء في عملهم الأمني، يرفض كل مرة مواقفهم الحزبية والسياسية، ويعيد انتخاب نتنياهو. وكان آخر هذه الحالات هو الخطاب الذي ألقاه رئيس "الموساد" الأسبق، مئير داغان، الذي يُعتبر من أكثر الذين حققوا نجاحات لـ"الموساد"، في فترته (بين 2002 و2010). فقد ركّز داغان في خطاب ألقاه في السابع من مارس/آذار، خلال المعركة الانتخابية الأخيرة، على مخاطر سياسة نتنياهو وفقدان حكومته لأي رؤيا سياسية.

وإذا كان داغان ومن سبقه، سواء في "الشاباك" مثل كارمي جيلون، أو في "الموساد" مثل داني ياتوم، وحتى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" السابق الجنرال عاموس يادلين، قد حذروا في تصريحاتهم وخطاباتهم العامة من مخاطر الانزلاق إلى حالة فقدان الأغلبية والطابع اليهوديين لإسرائيل، فقد خرج رئيس جهاز "الشاباك" السابق يوفال ديسكين، أمس بتحذير قد يكون أشد وطأة على الإسرائيليين، معلناً أن إسرائيل قد تجاوزت نقطة العودة إلى إحياء مسار الدولتين، ووصلت إلى نقطة اللاعودة عن مسار الوصول إلى دولة ثنائية القومية.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يعدّل أوامر إطلاق النار: قتل القاصرين مباح

وخلافاً لسابقيه ممن تحدثوا بلغة الديموغرافيا العنصرية، فإن ديسكين بنى تحذيره على ما لمسه، وشاهده بحسب ادعائه، من "تهنئة تكررت هذا العام، واتسع نطاقها بشكل غير مسبوق، وجّهها فلسطينيون لمعارفهم من الإسرائيليين بمناسبة الأعياد اليهودية هذا الأسبوع". وأكثر ما استوقفه في هذا السياق هو التهنئة القائلة: "إن شاء الله نكون نحن وأنتم بدولة واحدة ديمقراطية".

واعتبر ديسكين في منشور له على صفحته على "الفايسبوك"، هذه العبارة، أكبر مؤشر خطر ودليل على أن إسرائيل تسير نحو دولة ثنائية القومية، إذ كتب قائلاً: "أستطيع أن أقرر هنا أن هذا الاتجاه هو اتجاه متجذر عند الفلسطينيين، وهو آخذ بالسيطرة والانتشار في السنوات الأخيرة عند كبار رجال السلطة الفلسطينية، والجمهور الفلسطيني".

ولم يخفِ ديسكين خوفه من هذا السيناريو إذ قال: "مع أنني أعتقد شخصياً أن هذا سيناريو متفائل وغير واقعي كلياً أن تقوم هنا دولة واحدة ديمقراطية للشعبين، ولكن إذا كنت قبل عامين وأكثر قليلاً اعتقدت أننا نقترب جداً من نقطة "اللاعودة" فقد بت اليوم أكثر اقتناعاً بأننا اجتزنا نقطة اللاعودة ومعها حل الدولتين، وأن الدولة الثنائية القومية باتت هنا". وأضاف: "اقترح في نهاية هذا الأسبوع على كل من لا يريد دفن رأسه في الرمال، أن يفكر بأن الدولة الثنائية القومية باتت هنا ولكن بأسوأ أشكالها".

وأوضح ديسكين ما يقصده بعبارة "أسوأ أشكالها"، إذ قال "إنه في غياب تسوية ما، فإن سيناريو اندلاع انتفاضة القدس على نار صغيرة ومتوسطة سينتشر ليطاول في السنوات المقبلة من حياتنا مناطق أخرى".

كما لفت ديسكين إلى خطوات الكابينت الإسرائيلي الأخيرة، بتغيير أوامر إطلاق النار، وفرض عقوبة السجن الفعلي على راشقي الحجارة، للقول بأنها تعني عملياً، تحويل القاصرين الذين سيتم سجنهم لفترات طويلة بتهم رشق الحجارة إلى "مخربين متخرجين من السجون قادرين على تنفيذ عمليات قاسية ومركبة"، وهو رأى أنه حتى عندما تكون هناك حاجة لخطوات متطرفة، بحسب تعريفه أيضاً، فيجب أن يتم ذلك فقط بعد استنفاذ باقي الأدوات، وهو ليس ما قامت به الحكومة الإسرائيلية الحالية. وخلص ديسكين في منشوره إلى القول، إن الوضع الراهن، واستمراره سيجعل في السنوات المقبلة أعتى رجال اليمين يتمنون العودة إلى حل الدولتين.

المساهمون