محرقة نابلس: إرهاب المستوطنين يحصد علي في مهده

محرقة نابلس: إرهاب المستوطنين يحصد علي في مهده

01 اغسطس 2015
أثناء تشييع الطفل الرضيع علي (أورن زيف/getty)
+ الخط -
لم تنم قرية دوما جنوب نابلس، ولعلها لن تعرف النوم لأيام طويلة آتية؛ فصدى أصوات استغاثة عائلة سعد دوابشة، وهي تحاول الفرار من النار ما يزال يصدح في القرية، بعدما أقدم مستوطنون على التسلل إلى القرية تحت جنح الظلام وإحراق المنزل بالزجاجات الحارقة، ليقتلوا طفل العائلة الرضيع علي (عام ونصف العام) ويصيبوا والده وأمه وشقيقه بحروق حرجة. 
حرائق تجيد إشعالها عصابات المستوطنين في جريمة استدعت إلى أذهان الفلسطينيين جريمة حرق الفتى محمد أبو خضير حياً مطلع يوليو/تموز من العام الماضي. ومثلما كان التنديد اللفظي والتهديدات التي لا تُنفَّذ، هما الموقف الوحيد للسلطة في جريمة أبو خضير، تكرر المشهد أمس الجمعة، ولم يجد الرئيس محمود عباس إلا الاستغاثة بالمحكمة الجنائية الدولية.
وشيع آلاف الفلسطينيين جثمان علي بمشاركة عدد من المسؤولين، وبينهم رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله.

اقرأ أيضاً: عباس يتوعد حكومة الاحتلال رداً على قتل رضيع فلسطيني

وحول تفاصيل الجريمة، قال مدير مستشفى رفيديا الحكومي في نابلس، عبد الرحمن سويسة، لـ "العربي الجديد" "استلمنا في مستشفى رفيديا فجر هذا اليوم طفلا فلسطينيا رضيعا متفحما، نتيجة حروق بسبب قنبلة حارقة، ألقيت عليه وهو في سريره وفي غرفة نومه". وأضاف أنّ الحالة الثانية كانت شقيقه وهو طفل يبلغ من العمر 4 سنوات، مصاب بحروق من الدرجة الثانية بنسبة 60 في المائة في الوجه والرقبة ومناطق حساسة من جسده، وهو في وضع خطير. كما أُصيبت الأم بحروق خطيرة بلغت نسبتها ما بين 70 و 75 في المائة، إضافة إلى حروق داخلية في المجاري التنفسية. فيما أُصيب الأب بحروق وصلت إلى 60 في المائة من جسده، وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعي.
يقول والد الأم رهام؛ ويدعى حسين دوابشة لـ "العربي الجديد": "ابنتي وضعها حرج وكذلك زوجها، النيران أكلت جسديهما".
بصعوبة يتحدث الأب المكلوم عن ابنته التي تبلغ من العمر 27 عاماً، وزوجها سعد 30 عاماً اللذين تزوجا قبل خمس سنوات وأنجبا أحمد (4 سنوات) وعلي (عام ونصف العام) وعاشا في دوما، ويعني اسمها الكنعاني السكون أو الراحة.
ويحيط بدوما خمس بؤر استيطانية، تنفصل عنها بشارع التفافي مقام لصالح المستوطنين. خمس دقائق مشياً على الأقدام، وتمكن المستوطنون من القدوم عبر هذا الشارع والهرب منه بعد تنفيذ جريمتهم، إذ شاهد أحد سكان القرية اثنين من المستوطنين وتبعهم غير أنهم حاولوا مهاجمته ففر منهم، بحسب ما يؤكد رئيس مجلس قروي دوما، عبد السلام علان لـ "العربي الجديد".
وإلى جانب منزل سعد دوابشة، أحرق المستوطنون بيت مأمون دوابشة، وأتت النار على الطابق الأول بأكمله، لكن حسن الحظ كان حليف العائلة الثانية التي كانت تمضي عطلة نهاية الأسبوع خارج القرية.
ولم يتمالك زكريا السدة الذي يعمل في مؤسسة "حاخامات من أجل حقوق الإنسان"، نفسه عندما دخل إلى المنزل المحترق بعد أقل من ساعة على احتراقه، بحيث صُدم بملابس علي ورضاعته، ورداء صغير طرزت عليه الأم كلمات "صباح الخير يا ماما"، متناثرة في أرجاء المنزل.

قبل بضع سنوات فقط، كان لا يجرؤ أي مستوطن أن يهاجم قرية فلسطينية، وكانت حافلة المستوطنين تتنقل بين المستوطنات على الطرق الخارجية؛ وهي محاطة بحراسة مشدّدة من قبل جيش الاحتلال خوفاً على حياتهم من هجوم فلسطيني مرتقب. لكن بعد انتهاء الانتفاضة الثانية، أصبحت رؤية مستوطن وحده ينتظر سيارة أم حافلة مستوطنين على شارع رئيس أمراً عادياً.
تهشمت منظومة الردع الفلسطينية، فأصبح المستوطنون يستبيحون القرى الفلسطينية، عبر الهجوم على البيوت ليلاً وإحراقها، وإحراق سيارات الفلسطينيين، وكتابة شعارات عنصرية تتوعد الفلسطينيين بالموت. لكن المفارقة المحزنة أن الأمن الفلسطيني يعتقل أي فلسطيني يقاوم المستوطنين، عبر توجيه تهم الإضرار بالمصالح العليا للسلطة الوطنية الفلسطينية، وخرق التدابير المتخذة من قبل السلطة، فضلاً عن توجيه تهمة الشروع بالقتل لأي فلسطيني يطلق الرصاص باتجاه مستوطن إسرائيلي ولم يصبه، تماماً كما حصل مع المعتقل السياسي الذي أفرج عنه أخيراً إسلام حامد، الذي أمضى خمس سنوات في سجون السلطة، بعدما أطلق الرصاص باتجاه المستوطنين عام 2010. ووجهت له السلطة التهم المذكورة أعلاه، وغيره من المقاومين في سجون السلطة الفلسطينية.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن قوات الأمن الفلسطيني تؤمن الطريق لأي مستوطن ضل طريقه في الضفة الغربية، وتسلمه آمناً مطمئناً لقوات الأمن الإسرائيلي. ويعلل الكاتب والمحلل أحمد رفيق عوض على ذلك، قائلاً إن "الفلسطيني شعر أنه انكسر بعد الانتفاضة الثانية، ليس على الصعيد العسكري فقط، وانما على صعيد المشروع الوطني والقيادة، والبنية النضالية، هناك تراجع شديد".
يذكر أهالي قرية قصرة التي تتشابك أراضيها مع دوما، كيف أوسعوا بعض المستوطنين ضرباً قبل عامين، عندما أقدموا على مهاجمة القرية. في حينها أقدم الأهالي على ضرب المستوطنين واحتجازهم في حظيرة للأغنام، وما هي إلا دقائق حتى حضر الارتباط الفلسطيني، وقام بأخذ المستوطنين وتسليمهم للارتباط الإسرائيلي. لا يستطيع السدة الذي يرصد هذه الانتهاكات بشكل يومي، أن يجد إحصائية دقيقة لعددها، قائلاً "كل يوم يعتدي المستوطنون على الفلسطينيين".
لا تختلف تصريحات مدير البحث الميداني لمؤسسة "بيتسلم" الإسرائيلية، كريم جبران، عما سبق، إذ يؤكد أن "اعتداءات المستوطنين في تزايد مستمر، بسبب غياب الردع من حكومة الاحتلال". ويقول لـ "العربي الجديد" إن "اعتداءات المستوطنين ستتصاعد أكثر في المستقبل، بسبب وجود تمثيل كبير لهم في الحكومة الإسرائيلية".
التراخي الإسرائيلي فلسطينياً تقابله موجة من بيانات وتصريحات الشجب والاستنكار من القيادة الفلسطينية والفصائل الوطنية، وتوعد الرئيس محمود عباس أنه بصدد "ردّ عملي في القريب العاجل على جريمة المستوطنين بحق عائلة دوابشة".

ووصف الجريمة بأنها جريمة حرب، متوعداً بأنه يعد ملفاً سيرفع الى المحكمة الجنائية الدولية على الفور. فيما أكد كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات البدء في إعداد ملف لإرساله الى المحكمة الجنائية الدولية.
وتقلل أوساط سياسية من الردّ الفلسطيني الذي توعد به عباس، مؤكدة أن "عباس لن يفعل سوى مناشدة العالم، وكان الأجدى به تنفيذ قرارات المجلس المركزي، وأهمها وقف التنسيق الأمني الذي يحمي المستوطنين في الضفة الغربية". وتلفت مصادر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى أن "عباس أوعز بتجميد أي حراك على مستوى المحكمة الجنائية الدولية، في انتظار وعود الإدارة الأميركية بتحريك عملية السلام بعد سبتمبر/أيلول".