"دول الشمال" قلقة من كورونا: خطر المتطرفين والقوى الأجنبية

"دول الشمال" قلقة من تداعيات كورونا: خطر المتطرفين والقوى الأجنبية

02 ابريل 2020
تخشى السويد من استغلال مجموعات متطرفة لكورونا(جوناثان ناكستراند/فرانس برس)
+ الخط -
يذهب خبراء وساسة وأجهزة أمنية في مجموعة "دولة الشمال"، النرويج وفنلندا والسويد والدنمارك وإيسلندا، إلى التحذير من مخاطر محدقة تترصدهم. فإلى جانب فقدان الأرواح بسبب وباء كورونا والخوف من كارثة اقتصادية، يرى هؤلاء أن "تطرفاً يمينياً عنفياً وسلطات أجنبية" يستهدفان دول أوروبا الغربية. وهو أيضا ما دفع وزيرة الدفاع الدنماركية ترين برامسن للتحذير من خطورة ما يجري، بعد تلقيها تقارير أمنية من ثلاث دول إسكندينافية. وإذا كان الرسميون لا يسمون "السلطات الأجنبية" فإن خبراء يقولونها صراحة: روسيا تستهدف دول الاتحاد الأوروبي في ظل الأزمة الحالية. ويرى أمنيون وخبراء في إسكندينافيا، أن تصاعد أزمة تفشي الوباء تشكل "فرصة ذهبية لسلطات أجنبية ومجموعات التطرف لخلق ظروف فوضوية لاستهداف أوروبا".

في السياق، طالبت الأجهزة الاستخباراتية في السويد والدنمارك والنرويج في تقارير مرفوعة للجهات السياسية، بالانتباه من استغلال الوباء من "جماعات متطرفة تريد نشره أكثر وتجنيد أعضاء جدد، إلى جانب تأهب سلطات أجنبية للاستحواذ على شركات متعثرة في أوروبا"، وهو ما أشار إليه تقرير لـ"العربي الجديد" قبل أيام.

وأفادت تقارير إعلامية بأن أهداف تلك القوى ظهرت من خلال "حملات التأثير السلبي بالأخبار الزائفة للإضرار بالتجارة والاقتصاد والسياحة، فضلاً عن تنفيذ عمليات تجسس وهجمات إلكترونية وجمع معلومات استخباراتية حول خطط الطوارئ وإدارة الأزمات في الدول الغربية". ونقلت صحيفة "يولاندس بوستن" في كوبنهاغن، يوم الاثنين الماضي، عن برامسن قولها إن "الدول الأوروبية تواجه تحدياً وتهديدات تخلقها محاولات تلك المجموعات والقوى الأجنبية استهداف السياسات الأمنية في دولنا، وهو ما سيضرّ بقسوة بأوضاعنا الاقتصادية". وأضافت أن "المخاطر تزداد كلما نصل إلى نقطة الذروة في أزمتنا الحالية (كورونا)، لدرجة أن تلك القوى تسعى بكل قوة لنشر اليأس، وهي أمور مقلقة لنا، تحديداً محاولة سلطات وقوى أجنبية استغلال الأزمة". مع العلم أن دول الشمال تعتبر أن نشر الأخبار الكاذبة والشائعات جزء أساسي من استهداف المجتمعات الأوروبية. وتربط معظم التقارير الأمنية بين "سلطات أجنبية" وعمل المجموعات العنفية المتطرفة "حيث لدينا أمثلة عملية على ذلك"، بحسب برامسن، من دون أن تخوض في تفاصيل.

وكشف الصحيفة عن تفاصيل ما سمته "حرب الشائعات ضد أوروبا"، مشيرة إلى أن "مصادر مطلعة في الصين ذكرت ليولاندس بوستن، أن حملة أكاذيب وشائعات نصية ومرئية بدأت أطراف صينية بنشرها على موقع ويبو، ومنها فيديو يدّعي أن أطفال مدرسة دنماركية يغنون أغاني معادية للصين". وعلقت برامسن على نشر هذه الشائعات الصينية بأنها "دعاية مقيتة، وهي حملات منظمة نراها في أكثر من مكان هذه الأيام، وتلك البروباغندا سيئة في وقت نواجه فيه جميعنا وباء، وبالطبع لا توجد مدارس دنماركية تغني ضد الصين".

من جانبه ذهب رئيس جهاز الاستخبارات السويدي "سابو"، كلاس فربيرغ، يوم الخميس الماضي، إلى حدّ اعتبار أن السويد عرضة لمساعي تلك القوى الأجنبية "وديمقراطيتنا يجري تهديدها من أطراف عدة، وذلك يستدعي تفكيراً جاداً في الجوانب الأمنية لحماية أسرار السويد ومواجهة مجموعات التطرف التي تنتهج العنف، وفيروس كورونا من أدواتها الآن، هذا إلى جانب تهديد حقيقي من سلطات أجنبية".

واتفق جهاز الاستخبارات النرويجي "بي أس تي" مع نظيره السويدي، وفقاً لقناة "أن أر كي" الرسمية، بتوقعه "استغلال سلطات أجنبية كل فرصة للتجسس على كيفية تصرف الطوارئ في بلدنا، وأيضاً على الأمور الدفاعية". ورأت كبيرة مستشاري جهاز الاستخبارات في أوسلو، أنيتا أوموت، أنه "يجب أن نتوقع أن تستغل سلطات دول أجنبية الفرص الحالية من خلال أعمال مخابراتية ضد دولنا".

وعلى الرغم من حذر السياسيين في الشمال الأوروبي من تسمية "سلطات حاكمة أجنبية" بالاسم، إلا أن بعض الخبراء لم يترددوا بتوجيه أصابعهم نحو موسكو. وأبدى مدير مركز الدراسات العسكرية بجامعة كوبنهاغن، هنريك برينتباوك، اعتقاده بأنه في أوقات الأزمات يجب "مراقبة ما يجري بشكل جدي ومن دون ذعر. ففي الوقت الذي تغلق فيه الدول الأوروبية حدودها، عليها تعزيز مؤسسات الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف الأطلسي، لأن الاستخبارات الروسية تستغل وبشكل دائم كل أزمة للنفاذ والتلاعب بالأوضاع".


وغير بعيد عن ذلك التقييم اعتبر نائب رئيس جهاز الاستخبارات الدنماركي في فترة الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، يورن برو، أنه "ما من شك في أن روسيا مهتمة بشدة بكيفية تصرف دولنا مع وباء كورونا، وهذا أمر معروف في عالم الاستخبارات، مع تزايد مهام التجسس على كيفية تأثير الأزمات على الحالة النفسية للشعوب". ورأى أنه "لا يوجد أي شك بأن روسيا ودولا أخرى يحاولون استغلال الوضع لخلق فوضى وشقاق ودفع الأمور نحو انعدام الأمن والثقة بالقادة في أوروبا. علينا أن نركز أنظارنا على ورش عمل (المدينة الروسية) سان بطرسبرغ التي تضم متصيدين على الإنترنت وبرعاية مخابراتية، لفعل ما يفعلونه منذ ما قبل اندلاع أزمة وباء كورونا، وقد رأينا أمثلة على ما يقومون به حالياً".

واستشهد برو بتصريحات للمنشق الأميركي، ادوارد سنودن، الذي يعيش في روسيا، ونقلها التلفزيون الرسمي الدنماركي "دي آر"، في 24 مارس/آذار الماضي، محذراً الدنماركيين من قبول "تشديدات الحكومة ومراقبتها المصابين والانتباه من التدخل في حرياتكم الشخصية"، كمثل على محاولة التأثير السلبي على الدول الغربية. وعلى الرغم من اعتبار برو أن تحذير سنودن محق لناحية الحفاظ على الحريات الشخصية "إلا أن نصيحته جوفاء، ومثال جيد على محاولة خلق أجواء مضطربة، ومهمته هي خلق انعدام الأمن والقلق في المجتمعات الأوروبية الغربية".

في السياق، رأى الخبير النرويجي المتخصص في عالم الاستخبارات، بيار آرنه، الذي سبق أن أصدر كتبا عدة عن عالم المخابرات وعملها، أن "أجهزة مخابرات الدول الأجنبية تهتم بالطبع بالتشويش عبر مواقع التواصل وبث أخبار مزيفة وبالتجسس على البنية التحتية للنرويج، وعلى مستويات، وكيفية اتخاذ القرار السياسي، ومواجهتها لتأثيرات كبيرة، وهذا يصب في مصالح مستقبلية حين تريد خلق أزمات لأوسلو وغيرها من الدول الأوروبية".

وكانت محاولات روسيا أخيراً الظهور بمظهر المساعد لإيطاليا وغيرها قد بدأت عبر إرسال طائرات عسكرية روسية محملة بمساعدات طبية، ما أثار انتباه مراقبين في الغرب، خصوصاً مع إصرار موسكو على طباعة أشكال قلوب على ملصقات كل شحنة بالإنكليزية والإيطالية "من روسيا مع الحب". واعتمدت روسيا عملياً الطريقة الصينية التي وُصفت في بلجيكا وغيرها بأنها "غير صالحة"، كقضية الكمامات الصينية التي قررت بروكسل إتلافها بعد إرسالها من بكين.

في السياق، رأت الصحافية المتخصصة بروسيا، مراسلة "دي آر" ماتيلدا كيمر، أن "السلطات الروسية أرادت إرسال إشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يملك ذات الإمكانات التي تملكها موسكو للمساعدة". وليس سراً أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يستثمر منذ سنوات في تقوية علاقات وروابط باتت معروفة مع جناح اليمين المتطرف في إيطاليا، سواء في حزب "الرابطة" (رابطة الشمال سابقاً) بزعامة ماتيو سالفيني أو في حركة "النجوم الخمس" بزعامة وزير الخارجية لويجي دي مايو، الذي شكر بحرارة المساعدات الروسية، أو غيرها من القوى في دول الاتحاد الأوروبي، كما هو الحال مع زعيمة "التجمع الوطني" في فرنسا، مارين لوبان، وقيادات عديدة في حزب "البديل لأجل ألمانيا"، وأحزاب متشددة في النمسا، كما كشفت فضيحة نائب المستشار هانز كريستيان شتراخه في العام الماضي. فالمساعدات الروسية جاءت بعد سجال حاد بين إيطاليا وساسة الاتحاد الذين كانوا منغلقين على أنفسهم ولم يستجيبوا فوراً لنداء روما بتقديم مساعدات فورية.

واعتبرت كيمر أن بوتين "يستثمر بالظهور على شكل مساعدة الأصدقاء الأوروبيين القريبين لموسكو من أجل مواقف مستقبلية تتعلق بالعقوبات الأوروبية بعد ضم الروس لشبه جزيرة القرم الأوكرانية". وأضافت "سعت موسكو على الفور لجعل خبر مساعدتها لروما تتصدر النشرات العالمية، ووفرت وزارة الدفاع الروسية مواد دعائية وصورا وأشرطة فيديو للمراسلين الأوروبيين في موسكو باعتبار ما أرسلته مجرد مساعدة".

وفي الوقت الذي كانت طائرات روسيا العسكرية تحط في إيطاليا الأسبوع الماضي، كان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يعقدون اجتماعاً عبر الفيديو ركز في بعض مناقشاته على سياسات روسيا التي تستغل الأزمة. ونقلت الصحافة ووسائل الإعلام في دول الشمال عن الوزراء وخبراء أعدوا دراسة في 23 مارس الماضي، أن روسيا "باشرت بالفعل بعملية تضليل كبيرة موجهة نحو الغرب، وتهدف من بين أمور أخرى، إلى خلق حالة ذعر وانعدام الثقة". ونفت موسكو ما جاء في الدراسة، التي ناقشها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، فرفضت المتحدثة باسم خارجية الكرملين، ماريا زاخاروفا، كل الاتهامات الأوروبية، معتبرة إياها "استمراراً لسياسة فوبيا روسيا المستمرة منذ 5 سنوات".