حيرة الناخبين التونسيين: ثقة مفقودة بتطبيق الوعود الانتخابية

حيرة الناخبين التونسيين: ثقة مفقودة بتطبيق الوعود الانتخابية

30 سبتمبر 2019
تجرى الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر(ناصر تليل/ الأناضول)
+ الخط -


تعزّزت حيرة التونسيين أمام طفرة القوائم الانتخابية وكثرة المرشحين للانتخابات التشريعية المقررة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، مقابل تشابه البرامج وتناثر الوعود التي أطلقها نحو 15 ألف مرشح، يبشرون بتونس جديدة وبإنجازات كثيرة وحياة أفضل وأسعار أقل وفرص عمل أكثر للشباب. وترتكز كل البرامج حول المشاكل الاجتماعية والتنموية والاقتصادية للمواطن في مختلف المناطق، التي لا تختلف كثيراً من منطقة إلى أخرى، على الرغم من التفاوت بين شمال البلاد وجنوبه وشرق البلاد وغربها. كذلك تركز معظم البرامج الانتخابية على المشاكل المتعلقة بالبنية التحتية والنظافة وتشترك في تركيزها على الفئات والقطاعات والشرائح المستهدفة باقتراحها حلولاً تهم الشباب والطفولة والمرأة والمسنين، كما تعتني بالتجار والفلاحين والشبان وفق رؤية متشابهة لحلول قريبة ومتوسطة المدى لمشاكل المناطق.

وتقدّم القوائم المرشحة في الدوائر الانتخابية الـ27 داخل البلاد التي تغطي 24 محافظة وعوداً بحل مشكلة البطالة المتفشية في البلاد والتي تبلغ نسبتها حسب آخر مسح للسلطات 15.3 في المائة، من خلال خلق فرص عمل والقضاء على الفقر المنتشر الذي تجاوزت نسبته الـ25 في المائة، وتحسين القدرة المعيشية للمواطن بعد أن تجاوز مؤشر غلاء الأسعار 7 في المائة بحسب نسب التضخم، إلى جانب تطوير البنى التحتية عبر بناء الجسور وتعبيد الطرقات وبناء المستشفيات والمدارس والمصانع وتحسين وضع صغار الفلاحين والعمال والتجار بمراجعة ديونهم. ويتقاسم المرشحون في دوائر الخارج الست الهواجس نفسها، ويقدّمون الوعود نفسها للتونسيين المقيمين في الخارج الذي تبلغ نسبهم 10 في المائة من الشعب، أي أكثر من 1.2 مليون تونسي، وتركز كل البرامج حول حلّ المشاكل الجمركية وإشكالية تجديد الإقامة وحل إشكاليات العودة إلى أرض الوطن وغلاء أسعار التذاكر وتربية الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين وتأصيلهم في الثقافة التونسية وتعليمهم اللغة العربية حتى لا يكبروا بعيدين عن موطنهم الأم تونس.

وقال المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الملاحظة الأفقية لمختلف البرامج الانتخابية، سواء للأحزاب أو المستقلين، تكشف تشابهاً لجهة الوعود والبرامج، وهو يمكن تفسيره بتشابه المشاكل وتشعبها أمام ضعف الدراسة والتخطيط، مشيراً إلى أن الاختلاف بين المرشحين يكمن في الآليات المطروحة وليس في جوهر الوعود، بين من ينظّر لخلق ثروات جديدة وبين دعاة إعادة توزيع الثروات.

ولاحظ المؤدب أن الأحزاب الحاكمة أكثر قرباً في البرامج لواقع التنفيذ باعتبار فهمها لميكانيزمات الحكم وتراكم التجربة ومعرفتها بصلاحيات السلطة التشريعية وإمكانيات البرلمان، ولكن وعودها لا تخلو من مبالغة في حل المشاكل التي ستصطدم بموازنة الدولة المحدودة وضعف إمكانيات التمويل الحكومي إلى جانب عدم قدرة البرلمان على فرض مقترحات إصلاح على الحكومة التي تعد اللاعب الرئيسي في المشهد. وأضاف أن القوائم المستقلة بالغت في طرح وعود انتخابية ستصطدم بالصلاحيات المحددة للبرلمان وبالواقع الدستوري والممارسة السياسية، التي تجعل من البرلمان في وضع تبعية للحكومة وغرفة للمصادقة على القوانين ومشاريع الحكومة في غياب استقلالية للسلطة التشريعية.

ولفت المؤدب إلى أن التقييم لمحتوى البرامج المقدمة كشف تشابه الوعود الانتخابية لما تم طرحه خلال الانتخابات البرلمانية عام 2014 بما يؤكد مراوحة مشاكل المناطق مكانها من دون حلحلة منذ البرلمان المنتهية ولايته، مشيراً إلى غياب غرف للدراسة والتخطيط داخل الأحزاب لاقتراح حلول ووعود واقعية وقابلة للتنفيذ. واعتبر أن الوعود الانتخابية لا تخلو من مغازلة مشاعر الناخبين من خلال العزف على أوتار الفقر والبطالة والغلاء والسكن والنقل والصحة والتعليم والتي تعد الهم الأول للتونسيين. ويحق لأكثر من 7 ملايين تونسي المشاركة في انتخاب 217 عضواً في البرلمان الجديد في ثاني ولاية لمجلس النواب منذ اندلاع الثورة، لولاية برلمانية محددة بخمس سنوات تبدأ في ديسمبر/ كانون الأول 2019 وتنتهي مع العام 2024.



ويجد التونسيون أنفسهم أمام صعوبات الاختيار من بين أكثر من 15 ألف مرشح يتنافسون في 33 دائرة انتخابية داخل تونس وخارجها، موزعين في 1503 قوائم مرشحة بين 673 قائمة حزبية و312 ائتلافية و518 مستقلة. وستجرى الانتخابات يوم 6 أكتوبر في 27 دائرة انتخابية داخل البلاد، وأيام 4 و5 و6 أكتوبر في 6 دوائر في الخارج لانتخاب 18 برلمانياً يمثلون المهجر.

وتخشى المنظمات المختصة في مراقبة الانتخابات ومؤسسات سبر الآراء واستطلاعات الرأي من عزوف محتمل للناخبين عن المشاركة في الانتخابات التشريعية إلى نسب دون 40 في المائة من الأصوات، وهو ما يفسّره الخبراء بتراجع الثقة بالأحزاب والمؤسسات، بما فيها البرلمان الذي تُبيّن آخر المؤشرات أن حجم الثقة به لا يتجاوز 3 في المائة، مقارنة بثقة تفوق 60 في المائة بالمؤسسة العسكرية والجيش الوطني. ويُعزى تراجع الناخبين عن الذهاب إلى التصويت ومقاطعة الانتخابات أو التصويت بورقة بيضاء وملغاة في حالة ذهبوا إلى الاقتراع، إلى ضعف البرامج وعدم واقعيتها وعدم الوفاء بالوعود والتعهدات بعد الوصول إلى الحكم، بحسب مراقبين.

ويقول الشاب بدر الدين الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه لا يثق بالسياسيين وبوعودهم وبرامجهم التي تذهب جفاء مثل زبد البحر، مشيراً إلى أن المرشحين والنواب لا يراهم الناخب إلا كل خمس سنوات للحصول على الأصوات ثم يختفون للتمتع بالامتيازات والحصانة، في وقت يواصل فيه الشباب التخبط للبحث عن فرص عمل. وأضاف الهمامي أن التونسيين يبحثون اليوم عن بديل لتحقيق تطلعاتهم ولتحقيق الأهداف التي قامت عليها الثورة المتمثلة في الشغل والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مؤكداً أن الأحزاب والسياسيين تنكروا لمن صوّت لهم وركزوا على مصالحهم على حساب المصلحة العامة ومصلحة المواطنين. وتابع "سأذهب للتصويت لأنه يتم اقتطاع الضرائب من أجري ولأن تمويل الانتخابات يتم على حساب المجموعة العامة وسأنتخب قائمة الصادقين وهي قائمة غير موجودة على ورقة الاقتراع يوم الانتخابات".