خطة تشيكرز تثير الفوضى في الحكومة البريطانية

خطة تشيكرز تثير الفوضى في الحكومة البريطانية

لندن

إياد حميد

إياد حميد
11 يوليو 2018
+ الخط -



شهدت الأيام القليلة الماضية مواجهة كانت محتمة بين رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والجناح المؤيد للبريكست المشدد في حكومتها، ما أسفر عن استقالة اثنين من كبار وزرائها وزير بريكست ديفيد ديفس، ووزير الخارجية بوريس جونسون، اعتراضاً على خطة رئيسة الوزراء التي اقترحتها خلال الاجتماع الحكومي في قصر تشيكرز. وكانت ماي دعت حكومتها إلى الاجتماع في القصر الريفي يوم الجمعة الماضي، لطرح مسار ثالث للبريكست أملت في جمع جناحي حكومتها، والخروج بموقف موحد لتقديمه إلى الاتحاد الأوروبي للمضي قدماً في مفاوضات بريكست.

إلا أن الموافقة الأولية التي أعلن عنها مساء الجمعة الماضي، ما لبثت أن تبددت مساء الأحد الماضي، مع استقالة وزير بريكست ديفيد ديفيس. وقال ديفيس في تبريره استقالته، إنه "لن يستطيع الدفاع عن بريكست الذي ترسمه خطة تشيكرز، لأنه يرى أن سياسة رئيسة الوزراء تقوّض الموقف التفاوضي البريطاني، وخطتها لن تستعيد للبرلمان البريطاني سلطته من الاتحاد الأوروبي". وسرعان ما تبعت استقالة ديفيس استقالة ستيف بيكر، الوزير في وزارة شؤون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، متذرعاً بالأسباب ذاتها.

وعلى الرغم من تدارك رئيسة الوزراء الموقف بسرعة وتعيينها دومينيك راب، وزير الإسكان، مكان ديفيس، إلا أنه برزت أنباء عن غياب بوريس جونسون عن اجتماع لخلية كوبرا، لمناقشة تبعات حادثة أمزبيري، وأيضاً عن اجتماع لدول غرب البلقان استضافته بريطانيا. ولم يطل الانتظار حتى أعلن جونسون عن استقالته أيضاً متهماً ماي بأنها "أضاعت حلم بريكست وأن خطتها للبريكست لا تمنح بريطانيا استقلالاً حقيقياً في قرارها وتجعل منها مستعمرة للاتحاد الأوروبي". وتكمن المفارقة في أن اجتماع دول غرب البلقان كان يهدف إلى توجيه النصح لهذه الدول حول تطوير أنظمة الحكم فيها كي تصبح مؤهلة لدخول الاتحاد الأوروبي.

وسرعان ما بدأت التكهنات بقرب انهيار حكومة تيريزا ماي، خصوصاً أنها تجنبت إقالة جونسون في العديد من المناسبات السابقة، حتى وصفته الصحافة البريطانية بأنه "لا يمكن طرده من الحكومة". ويمكن تبرير ذلك لثقل جونسون في المعسكر المعارض للاتحاد الأوروبي، وهو ما اضطر ماي للإبقاء عليه في منصبه كي لا تثير ضدها تمرداً من معسكر بريكست المشدد، ما كان سيعقد سير المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وأيضاً استقرار حكومتها ذاتها.

ولكن حكومة ماي قطعت شوطاً طويلاً منذ الانتخابات العامة قبل عام. فقد تمكنت منذ تلك الحين من تجاوز المرحلة الأولى من مفاوضات بريكست مع نهاية عام 2017، وبنجاح. كما تفادت أزمات عدة أدت إلى استقالة خمسة وزراء إضافة إلى ديفيس وجونسون. وتمكنت من تمرير قانون بريكست في البرلمان البريطاني بعد أشهر من المد والجزر والمناقشات البرلمانية في مجلس العموم ومجلس اللوردات. وتمكنت أيضاً عبر الغموض حول القضايا الحساسة، مثل التسوية الحدودية والجمركية مع الاتحاد الأوروبي وتأجيل نقاشها إلى آخر لحظة، من تفادي المواجهة المبكرة بين جناحي حزبها وانهيار حكومتها مبكراً. وبالتالي، وعلى الرغم من الصورة الضعيفة التي ظهرت بها ماي، إلا أنها أثبتت قدرتها على الصمود في وجه العواصف التي ضربت سفينتها.



ولذلك، فإنها كانت على ثقة من بقائها في منصبها عندما أطلعت البرلمان البريطاني بعد استقالة جونسون على خطة تشيكرز، بل أيضاً لدى توجهها إلى اجتماع لجنة 1922 البرلمانية المحافظة والتي يحقّ لأعضائها المطالبة بالتصويت على سحب الثقة منها. ويمكن لأعضاء البرلمان عن حزب المحافظين المطالبة بسحب الثقة من ماي إذا وقّع 15 في المائة منهم، أي نحو 48 نائباً في البرلمان الحالي، على هذا المطلب. إلا أنه وليتم سحب الثقة من ماي يجب أن تصوت غالبية نواب الحزب البالغ عددهم 315 نائباً ضدها. ويبدو أن إدراك معارضيها عدم تحقيقهم النصاب، أدى إلى عدولهم عن ذلك. وتخرج ماي من هذه الأزمة بموقف حكومي موحد حول نوع بريكست الذي تريد، وبوزراء أكثر تجانساً خلف قيادتها، وهو ما يمنح بريطانيا القوة التفاوضية أمام الاتحاد الأوروبي، والذي دائماً ما ينتقد عدم قدرة الحكومة البريطانية على الخروج بموقف واحد عن بريكست الذي تريد.

وستحاول ماي، خلال الأسبوع المقبل، إقناع دول الاتحاد الأوروبي بالورقة البيضاء المُوافق عليها في اجتماع تشيكرز، والتي تعد حلاً وسطاً بين الخروج التام من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والبقاء كلياً في مؤسساته. وكان المسؤولون الأوروبيون قد عارضوا فكرة الانتقائية البريطانية منذ بداية المفاوضات، إلا أن نهاية الأسبوع الماضي شهدت تصريحات من رئاسة الاتحاد عكست ليونة في الموقف الأوروبي.

وتقوم خطة تشيكرز على تشكيل "كتيب قواعد مشتركة لتجارة البضائع" بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بما فيها المنتجات الزراعية بعد بريكست. وتقترح بريطانيا أن تلتزم "بالتجانس القانوني" مع قوانين الاتحاد الأوروبي في الاتفاقية الموقعة، وهو ما يهدف إلى تسيير عمل البضائع على الحدود مع الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً في إيرلندا الشمالية. وسيكون لبرلمان ويستمنستر أن يشرف على السياسات التجارية البريطانية واختيار "الافتراق عن قواعد الاتحاد الأوروبي، مدركاً أن ذلك سيكون له تبعاته". أما في ما يتعلق بقطاع الخدمات، فستلتزم بريطانيا بترتيب ذي مرونة تنظيمية مختلفة عن قوانين الاتحاد الأوروبي، نظراً لعالمية هذه التجارة.

أما من الناحية القضائية، فتقترح الخطة إنشاء "هيكل مؤسساتي مشترك" يقوم على تفسير الاتفاقيات الأوروبية البريطانية. وسيمنح هذا الترتيب المحاكم البريطانية سلطة تفسير القوانين في بريطانيا، والمحاكم الأوروبية سلطة تفسيرها في الاتحاد. ولكن المحاكم البريطانية تلتزم أيضاً بأخذ القانون الأوروبي في الاعتبار في القضايا التي تتعلق "بكتيب القواعد المشتركة". وسيكون لمحكمة العدل الأوروبية دور استشاري في هذه النزاعات.
أما التسوية الجمركية فتقترح أن تكون الحدود البريطانية - الأوروبية "منطقة جمركية مشتركة" فتفرض بريطانيا السياسة التجارية والتعرفة المحلية على البضائع المخصصة لبريطانيا، ولكنها تلتزم بتعرفة الاتحاد الأوروبي وسياساته على البضائع المتجهة إلى الاتحاد. وهو ما يسمح لبريطانيا بالتحكم بسياساتها التجارية ويمنحها القدرة على الدخول في اتفاقيات تجارية مع أطراف ثالثة، من دون الحاجة إلى رفع الحدود الصلبة في الجزيرة الإيرلندية، أو عرقلة الحركة التجارية مع الاتحاد الأوروبي.

وفي ما يتعلق بحرية حركة الأفراد، تقترح الورقة تشكيل إطار معين لحركة الأفراد بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يسمح لمواطنيهما بالسفر والدراسة والعمل فيهما ولكنه يسمح أيضاً لبريطانيا بالتحكم أعداد الوافدين إليها. ولا تعد خطة تشيكرز موقفاً نهائياً للحكومة البريطانية، بل هي موقف أولي، وتعكس تصور بريطانيا حول المسار الذي ستتجه إليه المفاوضات.



ذات صلة

الصورة

سياسة

أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الخميس، بأن بريطانيا اشترطت على إسرائيل السماح بزيارة دبلوماسيين أو ممثلين عن منظمة الصليب الأحمر عناصر النخبة من حماس المعتقلين.
الصورة
ناشطة بريطانية تتلف لوحة بورتريه للورد بلفور بسبب فلسطين (إكس)

منوعات

أعلنت منظّمة بريطانية مؤيدة لفلسطين، الجمعة، أن ناشطة فيها أتلفت لوحة بورتريه معروضة لآرثر بلفور السياسي البريطاني الذي ساهم إعلانه في إنشاء إسرائيل.
الصورة

سياسة

أغلق محتجون مؤيّدون للفلسطينيين اليوم السبت طرقاً خارج البرلمان البريطاني في لندن، مطالبين بوقف فوري للحرب على غزة.
الصورة

منوعات

يواصل نجوم وفنانون من أنحاء العالم توقيع الالتماسات والدعوات، ويدلون بالتصريحات، ويدوّنون عبر مواقع التواصل، لوقف إطلاق النار

المساهمون