شرق الفرات: ضغوط لمحاصرة العملية التركية

شرق الفرات: ضغوط لمحاصرة العملية التركية

16 أكتوبر 2019
"الجيش الوطني" في رأس العين (حسين ناصر/الأناضول)
+ الخط -
مع مرور أسبوع على العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، اتجهت الأوضاع إلى مزيد من التعقيد، ففي ظل تقدّم القوات التركية و"الجيش الوطني" السوري وإعلان الولايات المتحدة سحب جنودها من المنطقة، اتجهت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) إلى تفاهم مع النظام السوري، سمح لقوات الأخير بالسيطرة على منبج ومنطقة تزيد على ألف كيلومتر مربع حول هذه المدينة، وفق إعلان وزارة الدفاع الروسية أمس الثلاثاء، في وقت تصاعدت فيه الضغوط الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية على أنقرة لمحاصرة عمليتها بعدما بدا عند انطلاقتها أن هناك ضوءاً أخضر أميركياً وروسياً للتوغّل التركي شرقي الفرات. أما ميدانياً، فكانت "قسد" تشنّ هجوماً مضاداً في رأس العين حيث تحاول استعادة المدينة التي دخلتها القوات المهاجمة.

وبرز أمس أن الضغوط لتطويق العملية التركية تتخذ أكثر من مسار، أولها دبلوماسي عبر مطالبات بوقفها والتحذير من مخاطرها، والثاني عسكري عبر إعلان دول غربية وقف تصدير السلاح إلى أنقرة، وثالثها اقتصادي وتجلّى في إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات على مسؤولين أتراك. في هذا السياق، أعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أمس تعليق صادرات الأسلحة إلى تركيا "التي يمكن أن تُستخدم" في الهجوم شمال سورية، في وقت تجري بريطانيا مراجعة لمبيعات الأسلحة لحليفتها في حلف الأطلسي. وقال راب أمام مجلس العموم أن لندن "ستراقب عن كثب وبشكل مستمرّ" صادرات الأسلحة إلى تركيا. وأوضح راب أنه عبّر لنظيره التركي عن "مخاوفه الجدية" حيال العملية التركية. واعتبر أن الهجوم التركي "عرّض أمن واستقرار المنطقة للخطر، وهو أمر كنّا نخشاه". وكان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر ذكر في بيان أنّ واشنطن ستطلب من حلف شمال الأطلسي اتّخاذ "إجراءات" ضدّ تركيا بسبب "تقويضها" المهمّة الدوليّة لمكافحة "داعش".

كما قال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن الأخير والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبرا عن مخاوف عميقة إزاء التوغل التركي في شمال سورية واتفقا على استمرار التواصل بينهما عن كثب وذلك خلال اتصال هاتفي بينهما أمس. من جهته، اعتبر الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ بعد لقائه جونسون في داونينغ ستريت، أن قرار لندن يُثبت أن "عدداً كبيراً من الحلفاء في حلف الأطلسي ينتقدون بشدة ويدينون العملية العسكرية في شمال سورية". وأضاف: "أنا قلق للغاية حيال تداعيات (الهجوم) في ما يتعلق بالحرب ضد داعش والمعاناة الإنسانية واستقرار المنطقة".

في السياق، أعلن نائب المستشارة الألمانية أولاف شولتس أن ألمانيا لن تجيز أي صادرات سلاح لتركيا في الوقت الراهن، منتقداً الرئيس الأميركي لعدم التنسيق قبل قراره فرض عقوبات على تركيا، وقال شولتس لوكالة "رويترز": "من المهم أن ننسق إجراءاتنا على المستوى الدولي، هذا هو أهم شيء في هذا الموقف. وهذا ينطبق كذلك على الاتحاد الأوروبي".
من جهته، أكد وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو أمس، أن بلاده ستحظر صادرات السلاح لتركيا. وقال أمام البرلمان "حل أزمة سورية يجب أن يكون دبلوماسياً لا عسكرياً". كما دعت الصين أمس تركيا إلى وقف عمليتها العسكرية و"العودة إلى الطريق الصحيح المتمثل بالحل السياسي".


في المقابل، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤكد أمس أن العملية التي تخوضها قواته في شمال سورية لن تتوقف حتى "تتحقق أهدافنا". وقال في خطاب متلفز من باكو "إن شاء الله، سنسيطر سريعاً على المنطقة الممتدة من منبج إلى حدودنا مع العراق ونضمن في المرحلة الأولى عودة مليون ومن ثم مليوني لاجئ سوري وبكامل إرادتهم" إلى بلادهم. وأضاف أنه تم "تحرير" ألف كيلومتر من الأراضي السورية حتى الآن "من المنظمة الإرهابية الانفصالية". وأكد مواصلة "محاربة الإرهاب" في شمال سورية، لافتاً إلى أن العملية التركية لها هدفان رئيسيان، "أولهما إزالة التهديدات الإرهابية والتي مصدرها الوحدات الكرية شمال سورية، والثانية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدانهم بمحض إرادتهم". وأفاد بأن العملية "طهرت حتى صباح أمس، مساحة قدرها نحو ألف كيلومتر مربع من المنظمة الإرهابية الانفصالية".
وأعلن "إنشاء منطقة آمنة بطول 444 كيلومتراً من الغرب إلى الشرق وبعمق 32 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، سيعود إليها اللاجئون الذين في بلدنا".

بالتوازي مع ذلك، كان الموفد الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتيف، يعلن أمس أن روسيا لن تسمح بمواجهات بين الجيش التركي وقوات النظام السوري، في خضمّ العملية العسكرية. ونقلت وكالة "تاس" الروسية عنه قوله من أبوظبي حيث يرافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته، "أعتقد أن مثل هذه المواجهات ستكون غير مقبولة ولا تصبّ في مصلحة أحد. ولذلك، لن نسمح بأن تصل" الأمور إلى هذا الحد. ووصف لافرينتيف الهجوم التركي بأنه "غير مقبول"، نافياً أن تكون العملية التركية قد حصلت على الضوء الأخضر من موسكو مسبقا. وأضاف "يجب ضمان أمن الحدود التركية السورية بنشر القوات الحكومية السورية على امتدادها بالكامل"، متابعاً "لهذا السبب، فإننا لم نتحدث مطلقاً لصالح فكرة (نشر) الوحدات التركية (هناك) أو دعماً لها، ناهيكم عن المعارضة السورية المسلحة". واعتبر أن تصرفات تركيا تهدد بإثارة الحساسيات الدينية الدقيقة في شمال سورية. وأضاف أن هذه المنطقة على وجه الخصوص يعيش فيها أكراد وعرب وسنّة وأن هؤلاء لن يقبلوا بسهولة بتوطين آخرين لم يعيشوا فيها من قبل. كما قال لافرينتيف إن إقامة حوار بين الأكراد والنظام السوري ستكون بمثابة خطوة كبيرة نحو استعادة سيادة سورية وسلامتها الإقليمية واستقلالها.

تستبق هذه التطورات اجتماعاً متوقعاً لمجلس الأمن الدولي اليوم الأربعاء حول الهجوم العسكري التركي، طلبت عقده بلجيكا وألمانيا وفرنسا وبولندا وبريطانيا.

في هذا الوقت، كان التحالف الدولي يؤكد أمس مغادرة قواته منطقة منبج غداة دخول قوات النظام إليها بموجب اتفاق مع المقاتلين الأكراد. وبموازاة ذلك، أعلنت روسيا أمس أن قوات النظام سيطرت "بشكل كامل" على مدينة منبج ومحيطها. وأضافت أن القوات الروسية تواصل تسيير دوريات في مناطق حدودية على طول "خط التماس" بين قوات النظام والقوات التركية. وقالت "تم ترتيب التعاون مع الجانب التركي". كما ذكرت وكالة "إنترفاكس" نقلا عن وزارة الدفاع الروسية أن قوات النظام سيطرت على منطقة مساحتها تزيد على ألف كيلومتر مربع حول مدينة منبج. ونقلت الوكالة عن الوزارة القول إن هذه القوات السورية سيطرت على قاعدة الطبقة الجوية ومحطتين للطاقة الكهرومائية وعدة جسور على نهر الفرات. وفي موقف لافت، أظهر مقطع فيديو نشرته إحدى وكالات الأنباء، مركبات مدرعة للجيش الأميركي وسيارات لقوات النظام السوري، تسير على الطريق نفسه يربط منبج وعين العرب في اتجاهين معاكسين.