السبسي والولاية الرئاسية الثانية: ترشيح ضمني تواجهه اعتراضات

السبسي والولاية الرئاسية الثانية: ترشيح ضمني تواجهه اعتراضات

24 يناير 2019
يبقى السبسي رقماً مهماً وفق الاستطلاعات (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
تكثّفت في الأيام الأخيرة تصريحات لبعض قياديي حزب "نداء تونس"، تشير إلى اعتزام الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، الترشح لولاية رئاسية ثانية نهاية هذا العام. تصريحات أثارت استغراب كثيرين، بالنظر أولاً إلى سنّ الرئيس (92 عاماً) وخصوصاً بسبب التسريبات الكثيرة التي أكدت منذ أشهر عدم وجود رغبة حقيقية لدى السبسي في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة نهاية العام الحالي.

هذه التلميحات الجديدة جاءت على لسان قيادات من "نداء تونس" التقت الرئيس قبل أيام للإعداد لمؤتمر الحزب. واعتبر القيادي في "النداء"، عبد الرؤوف الخماسي، في حوار إذاعي، أن الحزب لا يرى مرشحاً للانتخابات الرئاسية في كامل أنحاء البلاد سوى السبسي. وأضاف الخماسي "ليس هناك مرشح سوى الباجي في الفترة الحالية... وليس لنا خطة بديلة"، قبل أن يستدرك "في النهاية القرار للباجي قائد السبسي".

ولكن عضو لجنة الإعداد للمؤتمر الانتخابي لـ"نداء تونس"، بوجمعة الرميلي، أشار في تصريح صحافي إلى أنّ اللقاء مع الرئيس تمحور حول آخر الاستعدادات لعقد المؤتمر الوطني للحزب، مضيفاً أنّ الرئيس التونسي شدد على أهمية إنجاح المؤتمر باعتبار أنّ "النداء ملك لجميع التونسيين، ونجاحه لتونس وليس لأشخاص". وقال الرميلي إنّ "رئيس الجمهورية عرّج على مسألة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، معتبراً أنه غير معني حالياً بالترشح". وفي السياق نفسه، قال الرميلي إنّ "رئيس الجمهورية أفاد أنه ولقبول الترشح أو الترشيح للانتخابات المقبلة، فإنّ لديه شرطين أساسيين: أولاً ضرورة نجاح مؤتمر نداء تونس في اتجاه إيجاد حلول للمشاكل الآنية والعاجلة في البلاد، وثانياً أن يتمّ ترشيحه من قبل المؤتمر الوطني للنداء". من جهة أخرى، قال الرميلي إنّ اللقاء سجّل حضور ممثلين عن الحزب وهم المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي، وكلّ من أنس الحطاب وسفيان طوبال ورؤوف الخماسي، بالإضافة إلى وفد ممثل عن لجنة الإعداد للمؤتمر يضمّه ورضا شرف الدين.

وبحسب متابعين، فإن هذه التصريحات لا ترقى إلى تأكيدات حقيقية لنوايا السبسي الترشح بالفعل للانتخابات المقبلة، فقد شددت كلها على "عدم وجود رغبة حالية لديه"، ولكنها أثارت في الوقت نفسه ردوداً من سياسيين تونسيين حول هذا المعطى المفاجئ. وعبّر القيادي في حزب "التيار الديمقراطي"، محمد عبو، عن معارضته لترشح السبسي للانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب عامل السنّ. وقال عبّو في حديث إذاعي، إنّه كان يعارض ترشح السبسي في 2014 للسبب نفسه، ولا يمكن أن يغيّر موقفه الآن، معتبراً أنّ التقدّم في السنّ قد يكون عائقاً أمام قيامه بمهامه كرئيس للجمهورية.


وفي تحليل لهذه التسريبات، اعتبر المرشح السابق للرئاسة (والحالي ربما) أحمد نجيب الشابي، أن السبسي يدور دائماً في الفلك البورقيبي الذي لا يرى في أحد القدرة على خلافته، ولا يرى بديلاً له قادراً على إدارة البلاد من بعده. ولكن يبدو أن الشابي يبالغ في هذا الرأي، على الرغم من التشابه الشديد بين شخصيتي السبسي والحبيب بورقيبة، إلا أنه تناسى أن خلافاً كبيراً نشأ بين الرجلين حول قضايا الديمقراطية دفع بالسبسي إلى الابتعاد لسنوات طويلة عن العمل السياسي بسبب معارضته لبورقيبة.

وأياً تكن التحليلات، فقد أثارت هذه التصريحات أسئلة حقيقية حول توقيتها وخلفياتها الحقيقية وإن كانت تعكس بالفعل نيّة الرئيس الترشح لولاية ثانية أم أنها عملية خلط للأوراق من جديد وقطع الطريق أمام منافسي اليوم، حلفاء الأمس، رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد. توقيت هذه التصريحات جاء مباشرة بعد تأكيد الغنوشي يوم ذكرى نجاح الثورة التونسية أن الترشح للرئاسة لا يغريه، وإن كان كثيرون من "النهضة" تحدثوا عن إمكانية ذلك قانونياً. بالإضافة إلى أن مصادر أكدت لـ"العربي الجديد" أن السبسي والغنوشي تحدثا في آخر لقاء بينهما عن الانتخابات، وتشبّث الرئيس التونسي بضرورة استكمال المحكمة الدستورية كشرط لا تنازل عنه لإجراء الانتخابات، مع صعوبة ذلك وما يعنيه من إمكانية تأجيلها.

من جهة أخرى، فإن الشاهد نفسه كان قد أكد في تصريح تلفزيوني أنه لن يكون منافساً للرئيس إذا كانت لديه نيّة الترشح. كان ذلك مع انطلاق الخلاف بينهما، أما اليوم فقد تغيّرت كل المعطيات، وأصبح الشاهد والغنوشي خصمين معلنين للسبسي، وعليه فإن كل المعطيات تغيّرت والانتخابات اقتربت، ما يعني إطلاق بالونات الاختبار وبعثرة أوراق المنافسين وتشتيت البوصلة لديهم، لأن السبسي، على الرغم من الحصيلة السلبية للسنوات الخمس (فشل رئيسا الحكومتين اللذان اختارهما في إدارة المسألة الاقتصادية والاجتماعية) يبقى رقماً مهماً في كل استطلاعات الرأي ومنافساً حقيقياً للمرشحين الممكنين.

ولكن الشاهد، الذي كان يمثّل مشروع السبسي الشخصي الذي نمّاه شيئاً فشيئاً وكان يعدّه لخلافته، انقلب عليه وتحوّل إلى خصم عنيد، وقلب المعطيات لدى السبسي وغيّر بوصلته وربما نظرته للواقع السياسي. ويبدو هذا الموضوع سابقاً لأوانه كثيراً، فالسبسي لا يزال يعمل على تغيير الوضع السياسي الحالي، ومتشبث باستبعاد الشاهد أولاً من الحكومة، وربما الذهاب في مرحلة ثانية إلى البحث عن مرشح توافقي أو مرشحين اثنين للرئاسة والحكومة، ولكنه اتفاق استراتيجي يفترض وجود حليف قوي، هو الآن في الجهة الأخرى. ولكن الأمور قد تتغير بسرعة في تونس، لأن السبسي يعلم جيداً أن ترشحه مرة ثانية في هذه السنّ سيسقط كل خطاباته حول الديمقراطية والشباب والتداول على السلطة، وربما يمسّ بشكل كبير بصورة الرجل التاريخي الذي أدى دوراً مهماً في الانتقال الديمقراطي، خصوصاً أنها صورة اهتزت أصلاً مع كل اتهامات التوريث وتشظّي الحزب الذي أسسه، "نداء تونس"، إلى أحزاب كثيرة عصفت بها رياح الخلافات والتنازع على السلطة.

المساهمون