إنهاء عملية "سانغاريس"... تمهيد فرنسي لتدخل محتمل في ليبيا؟

إنهاء عملية "سانغاريس"... تمهيد فرنسي لتدخل محتمل في ليبيا؟

17 مايو 2016
انقسام فرنسي حول احتمال فتح جبهة إضافية(باسكال غويو/فرانس برس)
+ الخط -
لم يتأخر الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قبل أيام، في تأكيد الانسحاب العسكري الفرنسي من أفريقيا الوسطى وإنهاء عملية "سانغاريس" لحفظ السلام في ظلّ تعدّد حروبه الخارجية في منطقة الساحل الأفريقي وفي العراق وسورية، وأيضاً المشاركة المتوقعة في أي تدخل عسكري غربي جديد ضد "داعش".

واعتبر هولاند، خلال زيارته أفريقيا الوسطى، أن "سانغاريس" نجحت في مهمتها المتمثلة في حفظ السلام في أفريقيا الوسطى، ومنع وقوع مجازر عرقية والحفاظ على مؤسسات الدولة وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية تنهي فترة الحكم الانتقالي. وهذا ما حدث بالفعل بعد انتخاب فوستان آرشانج تواديرا رئيساً للبلاد، قبل أشهر، وتسلمه مهامه رسمياً، أواخر مارس/آذار الماضي.
وكانت فرنسا أطلقت عملية "سانغاريس" على عجل في 5 ديسمبر/ كانون الأول من العام 2013 بعد أعمال العنف العرقية التي تلت الانقلاب الذي قامت به مليشيات "سيليكا" ذات الغالبية المسلمة ضد نظام الرئيس السابق، فرانسوا بوزيزي، في 18 أبريل/ نيسان 2013. وبلغ عدد القوات الفرنسية التي شاركت في "سانغاريس" آنذاك ألفي جندي لم يبقَ منهم حالياً سوى 650 جندياً سينسحب معظمهم في الأشهر المقبلة. وعلى الرغم من الإعلان عن نهاية "سانغاريس"، فقد أكد وزير الدفاع الفرنسي، جان ايف لودريان، أن فرنسا لن تتخلى بالمطلق عن دعمها العسكري سلطات بانغي وستُبقي على قاعدتها العسكرية قرب المطار الدولي وعلى عشرات الضباط المكلفين تأهيل الجيش والحرس الرئاسي.



ويأتي القرار الفرنسي بإنهاء عملية "سانغاريس" في محاولة لتخفيف الضغط عن الجيش الفرنسي المنخرط، منذ سنوات، في جبهات عدة متباعدة جغرافياً. فهناك 3500 جندي في منطقة الساحل في سياق عملية "برخان"، ضد التنظيمات الجهادية، ويخوضون حرب عصابات استنزافية. وهناك 900 جندي في جنوب لبنان، يمثلون الكتيبة الأكبر عدداً ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. و3800 جندي في منطقة الشرق الأوسط، يشاركون في العمليات العسكرية في العراق وسورية، ويتوزعون على القواعد العسكرية في الإمارات والأردن وإقليم كردستان العراق.

كما أن الجيش الفرنسي منخرط في الدفاع عن الجبهة الداخلية ويستنفر حوالى 10 آلاف جندي في عملية "سونتينال"، المخصصة لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب داخل التراب الفرنسي وحماية المنشآت الحساسة والمواقع الاستراتيجية. وقد زاد الجيش من عديد هذه القوات، بعد اعتداءات 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وكان وزير الدفاع الفرنسي، قد أعلن، في مستهل العام الجاري، أن إنهاء "سانغاريس" سيساعد الجيش الفرنسي على التركيز على عملية "برخان" المتواصلة في منطقة الساحل، والتي تعتبر امتداداً لعملية أخرى، كان اسمها "سرفال"، أطلقتها باريس في العام 2012 بعد التمدد المفاجئ للتنظيمات الجهادية في شمال مالي والاستيلاء على مدينة باماكو.
ونجحت "سرفال" آنذاك في طرد المسلحين من شمال مالي، بمساعدة قوات الاتحاد الأفريقي. كما ساعدت الجيش المالي على العودة إلى مدن وقرى شمال البلاد. غير أن هذا النجاح بقي نسبياً كون التنظيمات الجهادية نقلت نشاطها إلى صحراء منطقة الساحل الأفريقي المترامية الأطراف، وتبنت تكتيك حرب العصابات ضد القوات الفرنسية ودول الساحل بشكل عام.
واضطرت فرنسا إلى إنهاء عملية "سرفال" والتكيف مع المعطيات الجديدة في الساحل بإطلاق عملية "برخان" التي باتت معنية بتعقب التنظيمات الجهادية في مجموع منطقة الساحل بتنسيق مع 8 دول في المنطقة من بينها النيجر والكاميرون وتشاد ومالي وبوركينا فاسو. وحتى الساعة لا تزال هذه العملية متواصلة، وتعتبرها باريس عملية طويلة الأمد، على الرغم من أنها نجحت في تصفية عشرات القيادات الجهادية في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم "المرابطون"، وحركة "أنصار الدين". وباتت هذه التنظيمات متحالفة ضد الجيش الفرنسي ودول المنطقة. وفي السياق ذاته، نقلت التنظيمات، في العامين الأخيرين، مسرح عملياتها من أحراش وصحراء منطقة الساحل إلى قلب المدن في مالي وبوركينا فاسو وساحل العاج، في اعتداءات تركز على استهداف المواقع السياحية والمدنيين والرعايا الأجانب، على غرار ما حدث في مارس/آذار الماضي في الهجوم على منتجع "بسام" في ساحل العاج الذي أسفر عن مقتل 18 شخصاً. وقبل ذلك، تبنى تنظيما "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي و"المرابطون" الاعتداء على فندق راديسون بلو في وسط العاصمة المالية باماكو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والذي أسفر عن مقتل22 شخصاً. كما هاجمت خلية من التنظيمين واغاداغو، عاصمة بوركينا فاسو، واستهدف فندقاً ومقهى ومطعماً في اعتداء أسفر عن مقتل 30 شخصاً من بينهم العديد من الأجانب.

والواقع أن إنهاء "سانغاريس" يمهد لمهمة أخرى للجيش الفرنسي، يرجح أن تكون ليبيا مسرحها، بذريعة وضع حد لوجود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مدينة سرت الساحلية بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا. وكانت وسائل إعلام فرنسية عدة قد كشفت عن تواجد قوات فرنسية خاصة في ليبيا بحجة التحضير لخطة عسكرية لاستعادة السيطرة على سرت واستئصال "داعش" من التراب الليبي. وحتى الساعة لم يُعلن رسمياً عن خطة التدخل العسكري الغربي المرجح في ليبيا في انتظار أن تقوم حكومة الوفاق الوطني اللبيبة برئاسة، فائز السرّاج، بطلب رسمي يوفر شرعية دولية للتدخل الخارجي في ليبيا.
غير أن الاستعداد الرسمي الفرنسي لفتح جبهة إضافية للجيش الفرنسي في ليبيا تواجهه انتقادات قوية في الداخل. وكان رئيس الأركان في الجيش الفرنسي، الجنرال بيار دوفيلييه، قد نشر، أخيراً، مقالاً في صحيفة "لوموند"، حذّر فيه من أن الجيش يعمل حالياً بأقصى طاقته، وأن أي توسيع لمسرح العمليات القتالية أو عملية جديدة، قد تُسنَد إليه سيفترض اقتطاع الإمكانيات من العمليات الأخرى الجارية أو زيادة في ميزانية الدفاع. غير أن باريس مصرّة، منذ وصول هولاند إلى الرئاسة على تعزيز الحضور العسكري في الجبهات الخارجية، وتعتبره حجر الأساس في استراتيجية الأمن القومي الفرنسي التي باتت مكافحة الإرهاب عنوانها الرئيسي.

المساهمون