التحريض على حركة المقاطعة سياسياً وشعبياً وإعلامياً: بريطانيا نموذجاً

التحريض على حركة المقاطعة سياسياً وشعبياً وإعلامياً: بريطانيا نموذجاً

07 اغسطس 2016
حصار الحركة يتمدد إلى الأوساط العربية (ميشللي رال/Getty)
+ الخط -
عادت الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، والتي تُعرف اختصاراً بـ"بي دي أس" (BDS) إلى الواجهة من جديد، مع تكثيف الحملات الإسرائيلية ضدها عبر جهات رسمية وغير رسمية في الغرب، وبلغت ذروة التحريض، أخيراً، بالتشكيك وتشويه أي جهة حكومية أو مؤسساتية تقف إلى جانبها أو تدعمها. الهجمة الشرسة تتصل تارة بتلفيق تهم "معاداة السامية" أو اتهام جهات تدعمها بأنها على "ارتباط بحركات إرهابية".

هذه البروباغاندا المضلّلة تعكس بالمقابل حجم التأثير الكبير لحركة المقاطعة، والمخاوف من انتشارها في صفوف القوى اليسارية والديمقراطية في المجتمعات الغربية، وتحديداً عبر الجامعات، والخوف من قدرتها على تغيير الوعي الجمعي بشأن خطر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1967، بما في ذلك التمييز العنصري في فلسطين 1948، وتسليط الضوء على خطر التوسع الاستيطاني على حساب الفلسطينيين، وسياسات "الأبرتهايد" (الفصل العنصري) التي تمارسها تل أبيب عموماً؛ وهو الأمر الذي يعكس بالضرورة حجم الانتباه الإسرائيلي لهذه الحركة.

فعلى الرغم من تصريحات رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في الأيام الأخيرة، عن أن نشطاء الـ"BDS" يتلقون الضربات في ساحات كثيرة ويُهزمون، يشكك الباحث في مركز أبحاث "الأمن القومي الإسرائيلي"، سفير إسرائيل السابق في الأردن ولدى الاتحاد الأوروبي، عوديد عيران، وهو المطّلع بدقة على تطورات الساحة السياسية في أوروبا، بدوافع تصريحات نتنياهو، معتبراً أنها دعاية سياسية. ويشدد هذا الباحث على أن "المنظمات المرتبطة بحركة المقاطعة لا تزال عاملة ونشطة في الساحات الثقافية والأكاديمية وفي الشارع الأوروبي على الرغم من العمل الدؤوب على الحد من انتشارها الكبير بين المواطنين الأوروبيين".

وتواجه حركة المقاطعة عوائق قانونية في الغرب على مستوَيي التعامل مع القضايا الاقتصادية والأكاديمية، فضلاً عن تحايل تل أبيب الدائم على معايير المقاطعة التي تقرها القوانين الأوروبية برفض استقبال بضائع منشأها المستوطنات. وبالعودة إلى الماضي القريب، فإن الحركة العالمية للمقاطعة هي تجمع ديمقراطي مدني نشأ في فلسطين في 9 يوليو/تموز 2005، وهي تنسق مع اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة وفضح ومعاقبة إسرائيل. وترتكز الحركة على ثلاثة عناصر في نضالها السلمي ضد (إسرائيل) وهي:

المقاطعة: تستهدف الحركة مقاطعة منتجات شركات إسرائيلية ودولية داعمة لها تحقق أرباحها على حساب حقوق الفلسطينيين الأساسية. ولا يقتصر مبدأ المقاطعة على المجال الاقتصادي، بل تركز أيضاً على مقاطعة الأنشطة الرياضية والأكاديمية والفنية مع المحتل الإسرائيلي.
سحب الاستثمارات: تدعو الحركة إلى سحب التمويل من الشركات الإسرائيلية والشركات الدولية الداعمة للاحتلال عبر بيع أسهمها والامتناع عن الاستثمار فيها. كما تشجع جميع المؤسسات الاقتصادية والأكاديمية على استغلال مكانتها الاقتصادية للضغط على إسرائيل لإنهاء تجاهلها لحقوق الفلسطينيين. 
العقوبات: تعمل الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل على تنظيم حملات لنشر الوعي بأهمية فرض عقوبات على إسرائيل لإجبارها على احترام حقوق الفلسطينيين، سواء كانوا لاجئين أم في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر، أم في أراضي 1948.

 




الالتفاف الشعبي

استمدّت حركة المقاطعة العالمية زخماً شعبياً في السنوات الأخيرة نتيجة عوامل سياسية عدة فرضت نفسها على فلسطين المحتلة محلياً وإقليمياً ودولياً، ويمكن تلخيص ذلك في محاور سبعة: أولاً، فشل الرهان على التسوية السياسية مع إسرائيل، وتوقف هذا المسار كلياً في العام 2014، وما رافقه مع مزيد من التوسع الاستيطاني وتهويد القدس، وغياب أي مشروع وطني فلسطيني تحرري بديل عن هذا المسار.

ثانياً، وصول مسار عضوية الدولة الفلسطينية في عامي 2011 و2012 بالمنظمات الدولية إلى ذروته من دون إحداث تغيير في المعادلة السياسية على الأرض. ثالثاً، الجمود السياسي الفلسطيني في ظل بقاء الانقسام بين حركتَي فتح والمقاومة الإسلامية (حماس)، واستمرار حصار قطاع غزة، وعدم وجود أي أفق لحل قضية الأسرى. رابعاً، اندلاع الثورات العربية في نهاية العام 2010 بدءًا من تونس، وارتفاع الثقة بحجم ودور القوى الشبابية والديمقراطية في الأخذ بزمام المبادرة في ما يتصل بالقضية الفلسطينية.

خامساً، التطورات الناجمة عن الثورات العربية وما رافقها من ثورات مضادة أدخلت المنطقة العربية في موجة من الاضطرابات الأهلية والطائفية وعودة الإرهاب، الذي عزز مقولات "تنقية القضية الفلسطينية" من شوائب هذه المرحلة بالتوجه بخطاب سلمي مدني ديمقراطي مركّز في الغرب على وجه الخصوص للتذكير بالجرائم والتجاوزات الإسرائيلية. سادساً، الاستفادة من تحول المزاج اليساري الديمقراطي في أوروبا خصوصاً والرافض لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، والأكثر تعاطفاً مع نضال مدني فلسطيني منه إلى المقاومة، والتي بدورها تواجه صعوبات كبيرة نتيجة حالة الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني والتنافس الإقليمي الحاد في المنطقة العربية.

سابعاً، تحقيق الحركة إنجازات على الأرض تتمثل في تكبيد إسرائيل خسائر اقتصادية تجاوزت الـ6 مليارات دولار في الأعوام الأخيرة، ونجاحها في وقف العديد من البنوك وصناديق الاستثمار الأوروبية والأميركية لتعاملاتها مع الشركات والبنوك الإسرائيلية العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. فقد قرر ثاني أكبر صندوق تقاعد هولندي سحب استثماراته من أكبر خمسة بنوك إسرائيلية بسبب تورطها في الاحتلال، وأعلن أكبر بنك في الدنمارك مقاطعة بنك "هابوعاليم"، على خلفية نشاطه في الضفة الغربية المحتلة.

العقدة البريطانية
تحتل حركة المقاطعة العالمية حيزاً كبيراً من النقاش في الأوساط البريطانية الرسمية والفعاليات السياسية الشعبية، على وجه أكثر دقة من نظيراتها في أوروبا والولايات المتحدة، نظراً للعلاقة التاريخية المركّبة بين لندن وفلسطين ونشأة الكيان الصهيوني. تاريخياً، كان المزاج العام اليساري، بما فيه الأقطاب الرئيسيون في حزب العمال البريطاني، يميلون إلى جانب دعم إسرائيل، على عكس الجهاز البيروقراطي (الخدمة المدنية) "Civil Servent"، والذين كانوا يظهرون موقفاً محايداً بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية المطالبة بتحرير فلسطين.







الدعاية التي كانت غالبة إثر حرب 1973 وقطع إمدادات النفط عن الغرب، صبّت حينها لصالح إسرائيل من قبل حزب العمال والقوى الاشتراكية والشيوعية الثانوية، والتي كانت تواجه النضال الفلسطيني بوسمه أنه مرتبط بدول الخليج العربي الغنية بالنفط وغير الديمقراطية والمحافظة، وتحديداً بعلاقتها مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، التي لا تزال تمثل تياراً سائداً في الشعب الفلسطيني.

لكن هذا المزاج السياسي تغيّر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وميل القوى اليسارية في غالبيتها نحو معسكر اليسار الديمقراطي أو الاشتراكيين الديمقراطيين، والذين تبنوا خطاباً شبيهاً بمسار اتفاق "أوسلو"، ويقضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتبنّي حلّ الدوليتين. وبدا المزاج السياسي في أوساط حزب العمال وخصوصاً في قواعده الشعبية يميل باتجاه دعم القضية الفلسطينية، وزاد هذا الميول مع وصول زعيمهم، رئيس الوزراء الأسبق توني بلير إلى الحكم في العام 1997، على الرغم من أنه كان ولا يزال أقرب إلى الطرف الإسرائيلي.

المفارقة الحاصلة أن بلير، وفي سبيل تنفيذ سياسة ليبرالية منضبطة لسياسات التحرير الاقتصادي التي بدأت وضع أسسها زعيمة المحافظين، رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت ثاتشر، قام بمواصلة تفكيك النقابات وجهاز الخدمة المدنية، معتمداً على سياسات أكثر انفتاحاً في توظيف المهاجرين القدامى والجدد، بما في ذلك الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي. هذا التحول الداخلي في قواعد الاجتماع السياسي البريطاني، حرّر قواعد القوى الحزبية العمالية واليسارية والشعبية من السيطرة الحزبية وزاد الميل نحو تأييد القضية الفلسطينية، والذي بلغ ذروته في التظاهرات الشعبية الأضخم أوروبياً، والتي شهدتها لندن قبيل انضمام بلير إلى الرئيس الأميركي جورج بوش في الحرب على العراق عام 2003.

وتباعاً، تصاعدت موجات التأييد للفلسطينيين حتى بلغت ذروتها في التصويت الرمزي الذي أجراه مجلس العموم البريطاني في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، والذي أيد فيه الاعتراف بدولة فلسطينية بغالبية 274 صوتاً مقابل 12 صوتاً. التصويت جاء بناءً على اقتراح النائب عن حزب العمال المعارض غراهام موريس، وأيد التصويت قادة "العمال"، وفي مقدمتهم زعيمهم السابق إيد ميليباند، في حين تغيب رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون عن الجلسة. والمفارقة، أن أعضاء حزبه لم يشاركوا في التصويت لكنهم لم يرفضوه، في حين تركت الأحزاب الباقية لأعضائها حرية التصويت.

يعتبر هذا التصويت نقطة مركزية وفاصلة في نشاط حركة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل، وجاء بعد أشهر قليلة من العدوان الإسرائيلي على غزة في صيف العام نفسه، إلا أنه دق ناقوس الخطر الإسرائيلي واللوبيات الصهيونية في لندن، حول قدرة تأثير حركة المقاطعة والمنظمات المدنية الفلسطينية والاشتراكية في المزاج العام.





الهجوم المضاد

بدأت حركة المقاطعة في بريطانيا تواجه العراقيل مع فوز المحافظين في انتخابات 2015 بغالبية مطلقة في انتخابات مجلس العموم البريطاني، بحصوله على 331 مقعداً من أصل 650، في حين حصل حزب العمال على 232 مقعداً. المفارقة، أن خسارة العمال لم تغير من مزاج قيادته تجاه القضية الفلسطينية، إذ تم استبدال إيد ميليباند المعروف بمناصرته لفلسطين بالزعيم الأكثر اشتراكية جيرمي كوربين. إلا أن التطورات اللاحقة، وضعت حركة المقاطعة العالمية على المحك في أكثر من مناسبة متمثلة باستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في يونيو/حزيران الماضي، في ذروة المزاج الشعبوي المرتاب من الأجانب، في مفارقة تاريخية، كون استفتاء الخروج من الاتحاد تحت شعار الخوف من الأجانب، سبقه قبل شهر واحد، انتخاب العمالي صادق خان عمدة للندن، ضد منافسه المحافظ زاك غولدسميث، المعروف بمواقفه الصهيونية.

وتزامن انتخاب عمدة لندن مع موجة ترهيب من معاداة السامية، وربط هذه الأخيرة بإسرائيل وليس فقط باليهود كمكوّن ديني في بريطانيا، وهي الحملة التي لم يستطع كوربين مواجهتها، وأضعفت موقفه بعد ميل نواب الحزب إلى تعليق عضوية الأشخاص الذين حيكت حولهم تهم معاداة السامية، وأبرزهم النائبة ناز شاه وعمدة لندن الأسبق كين ليفينغستون. كما سبقت موجة التحريض ضد حركة المقاطعة صدور قرار اتخذته حكومة كاميرون نشرته "العربي الجديد" في 18 فبراير/ شباط 2016، يقضي بمنع المؤسسات الممولة حكومياً، مثل الجامعات والبلديات، من مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، بزعم أن المقاطعة "تسمم النقاشات وتضعف الاندماج وتغذي معاداة السامية".

انقسام إعلامي
دخلت الصحافة البريطانية من الباب العريض في نقاشات المقاطعة وتهمة "معاداة السامية"؛ ففي حين وقفت صحيفة "الفايننشال تايمز" في الوسط معتبرة أن حكومة كاميرون زجّت نفسها في خضم صراع مدني بين أنصار فلسطين وأنصار إسرائيل، رأى الصحافي بن وايت في صحيفة "الإندبندنت" أن قرار الحكومة البريطانية يصب في خانة حماية إسرائيل من العقاب. ودافع عن المقاطعة بوصفها حركة سلمية ديمقراطية مدنية، نافياً أن يكون لها أي صلة بمعادة السامية.

أما صحيفة "ديلي تلغراف"، الموصوفة بمواقفها اليمينية، فلم تحد عن موقفها الدائم من مناصرة إسرائيل، والتحريض على كل الجهات والمنظمات المدنية المطالبة بإنهاء الاحتلال، وآخر وسائل التحريض كانت عبر مقال للمحرر في الشؤون السياسية الدولية، كون كوغلين، الذي لم يجد وسيلة للمس بحركة المقاطعة و"التشفي" بالضعف الذي سيعتريها نتيجة ما يواجه زعيم العمال جيرمي كوربين من انقسامات داخل حزبه من جراء الفشل في البقاء بالاتحاد الأوروبي، بادعاء أن حركة المقاطعة مموّلة ومدعومة من دولة قطر.

دأب كوغلين وصحيفة "ديلي تلغراف" عموماً، في السنوات الثلاث الأخيرة، على التهجم على حركة المقاطعة، وكذلك على دولة قطر ووصفها بأنها تدعم الإرهاب في مقال لروبرت مندي في أكتوبر/ تشرين الأول 2014. يتحدث التقرير الصحافي المذكور إلى خالد محمد تركي السبيعي، بوصفه موظفاً في البنك المركزي القطري، والذي ورد اسمه في وثائق لوزارة الخزانة الأميركية بأنه متورط في تمويل جبهة النصرة التي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام أخيراً.






وينقل التقرير ذاته تصريحات رئيس لجنة الأمن والاستخبارات في البرلمان البريطاني حينها، مالكولم ريفكيند، حول "معلومات عن 20 شخصية قطرية تمول جماعات إرهابية". لم يصدر بطبيعة الحال أي وثيقة تثبت ما ورد في "ديلي تلغراف"، وهو الأمر الذي يتكرر الآن مع مقال غوكلين، مع الفارق أن دعم قطر لحركة المقاطعة، لو كان صحيحاً، فهو يُحسب لصالحها، كما أن ذلك لا يقلل بأي حال من الأحوال بمشروعية حركة المقاطعة العالمية ونضالها ضد الاحتلال الإسرائيلي، كحركة مقاومة سلمية لأطول احتلال مستمر عرفه التاريخ الحديث.

شبكة متكاملة
ترتبط أقلام صحافية بريطانية بشبكة من الحكومات والمنظمات التي تناصر إسرائيل أو في أقل الأحوال التي تعادي السياسات العربية المستقلة أو المؤيدة لفلسطين، وكوغلين معروف بارتباطه بإسرائيل منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو كان مراسل "ديلي تيليغراف" في القدس المحتلة، ومنها انتقل إلى بيروت ليكون مراسلها طوال أغلب فترات الحرب الأهلية اللبنانية. لكوغلين كتابات عدة تحرّض على الفلسطينيين واللبنانيين، ومنها تناولت قضايا مخطوفي الحروب، بما فيها ادعاؤه لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قبل سنوات أنه كان عرضة للاختطاف من قبل مسلحين محسوبين على حزب الله. بالمناسبة، كان كوغلين من القلائل الذي أيدوا بلير في حربه على العراق وعلى أداء حكومة الأخير في مواجهة ظاهرة الإرهاب.

وعُرف عن كوغلين التلفيق بعدما خسر قضية أمام محاكم لندن اضطرته إلى كتابة اعتذار لرئيس الوزراء التركي حينها رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية التركي عن اتهامات بأن الأخير يتلقى تمويلاً من إيران والقضية تعود إلى العقد الأول من القرن الحالي.
اللافت في التحريض ضد حركة المقاطعة العالمية وعلى قطر، أنه ليس فقط من قبل جهات إسرائيلية حكومية وإعلامية مباشرة وغير مباشرة، بل تأتي أيضاً مع موجة تطبيع علنية تخوض غمارها شخصيات سعودية ودول كالإمارات، فضلاً عن "سلام دافئ" دشّنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع تل أبيب، أخيراً.

وكانت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية قد كشفت، أوائل العام الحالي، عن تعاقد دولة الإمارات مع شركة "كويلر الاستشارية" للعلاقات العامة، بهدف حثّ الصحافيين البريطانيين على إنتاج مواد صحافية وإعلامية تستهدف الهجوم على قطر. وبحسب الصحيفة، فإن أبوظبي تدفع للشركة 93 ألف دولار شهرياً لعقد يمتد لـ6 سنوات، وتقدم الشركة تقارير عن قطر لخلق تأثير إماراتي بالداخل البريطاني. ويتضمن فريق "كويلر" مسؤولين بريطانيين سابقين وصحافيين سابقين بعضهم من شديدي الولاء لإسرائيل، واعتبر الصحافي في "صنداي تايمز"، ديفيد روز، أن "كويلر" استهدفت "بنجاح أكبر الصحف البريطانية"، مشيراً إلى أن الوثائق التي حصل عليها "كشفت حرص الإمارات على إبقائها سرية".

حصار حركة المقاطعة العالمية، الحالي، بات يتعدى جهات دولية معروفة بتأييدها لإسرائيل، إذ صار له صدى في بعض الأوساط الرسمية العربية. كما أن قوى مرتبطة بما كان يُعرف بتيار الممانعة والقوى اليسارية المؤيدة لإيران ولنظام بشار الأسد في سورية، لم تتوان هي الأخرى عن التحريض ضد حركة المقاطعة ومن يقف معها، وآخرها كان أثناء المؤتمر الذي رعاه المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية في تونس، إذ قامت جهات مؤيدة لنظام الأسد والعقيد معمّر القذافي بمحاولة تعطيله.

يمكن الخروج بخلاصة مفادها بأن قوى اليسار الأوروبي الحالية التي تترنح على وقع صعود اليمين والقوى الانفصالية في أوروبا وشيوع الخطاب الشعبوي المنغلق لمواجهة الإرهاب، استطاعت أن تتمايز نسبياً بموقفها من القضية الفلسطينية وحركة المقاطعة، على الرغم من تورط بعضها في تأييد نظام الأسد بزعم مبادئ أيديولوجية ضد الرأسمالية الغربية ولموقفها الملتبس من الديمقراطية. أمّا عربياً، فقد بات هناك ما هو أشبه بشيفرة تحالف غير مرئية بين قوى محافظة ويسارية، يشتركان في عدائهما للثورات الشعبية، وهما يشتركان بنفس المواقف التحريضية ضد حركة المقاطعة العالمية ولكل من يدعمها، ما يفضح حقيقة موقف كثيرين من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالحرية.