مباحثات عراقية-أوروبية لحسم مصير عناصر "داعش" الأجانب

مباحثات عراقية-أوروبية لحسم مصير عناصر "داعش" الأجانب

19 اغسطس 2019
يحتجز عناصر "داعش" في معسكرات تابعة "قسد"(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
كشف مسؤول رفيع في الحكومة العراقية، أمس الأحد، لـ"العربي الجديد"، عن استئناف بلاده مباحثاتها مع دول أوروبية عدة، أبرزها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، لحسم موضوع معتقلي تنظيم "داعش" من الجنسيات الأجنبية، المحتجزين حالياً في معسكرات على مقربة من الحدود العراقية بعهدة "قوات سورية الديموقراطية" (قسد). وكشف المسؤول عن تزايد قلق العراق من بقاء هؤلاء العناصر على حدوده بدون محاكمة أو سجون محصنة، بالإضافة إلى مخاوف من أن يدخل الملف ضمن مشاريع ومساومات في الشمال السوري.

ويأتي ذلك بعد أيام من تصريحات للمبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، قال فيها إنّ حوالي 10 آلاف من مسلحي "داعش"، يقبعون حالياً في معسكرات اعتقال تابعة لـ"قسد".

وبحسب ما أوضح المسؤول الحكومي الذي تحدّث مع "العربي الجديد"، فإنّ دولاً أوروبية عدة عاودت مباحثاتها مع العراق بشأن مواطنيها المحتجزين لدى "قوات سورية الديموقراطية"، بهدف قبول العراق استلامهم ومحاكمتهم لديه، وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب النافذ في العراق. وأكّد أنّ "المباحثات تجري مع كل جهة على حدة في بغداد، وبإشراف جهاز المخابرات العراقي ومستشارية الأمن الوطني برئاسة فالح الفياض، لكنها في المحصلة تهدف إلى أن تغلق كل دولة ملف مواطنيها المنتمين لداعش الموجودين في سورية، من خلال استلام العراق لهم ومحاكمتهم، وهناك تعهدات بأنها لن تتدخل أو تعترض على أي نوع حكم كان".

وأضاف المسؤول أنّ "المباحثات تتركّز الآن على ما مجموعه نحو 800 عنصر من مقاتلي داعش من جنسيات أوروبية، أبرزها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا والسويد، لكن غالبيتهم من أصول عربية". وأشار إلى أنّ العراق "لديه قلق في الوقت نفسه من بقاء هؤلاء العناصر على مقربة من حدوده بلا سجون محصنة، فهم موزعون على تسعة معسكرات، بعضها كان عبارة عن مدارس أو مركز طلائع ومقرات سابقة للجيش السوري، وكلها غير صالحة لأن تكون سجونا، ومن فيها خطرون جداً". وتابع "كما أنّ العراق يخشى أن يكون هؤلاء رقماً في أي صفقة أو مساومات تجري في المستقبل، في ظل مدّ وجزر مستمرين في العلاقات التركية ــ الأميركية حول التفاهمات على مناطق سيطرة قسد وما يعرف بالمنطقة الآمنة، أو في أي خلاف آخر بين أطرف فاعلة في سورية، محلية وخارجية".

ولفت المسؤول نفسه إلى أنّ "العراق أكثر قناعة بأهمية حسم الملف سريعاً، وهناك عروض قديمة طرحت قبل أشهر بشأن مساعدات من تلك الدول لتأهيل البنى التحتية لسجونه، ومنح مالية لقبول استلام الإرهابيين ومحاكمتهم لديه، تم تقديمها مجدداً". وكشف أنّ العراق "أبلغ دولتين أوربيتين، قبل عطلة عيد الأضحى، بأنه يوافق بشكل مبدئي على استلام ومحاكمة من ثبت دخوله العراق وقيامه بنشاطات إرهابية ضدّ مواطنيه أو مصالحه أو قواته الأمنية، تماشياً مع المادة الرابعة في قانون مكافحة الإرهاب، غير أنّ تلك الدول تتباحث الآن بشكل عام، بشأن استلام هؤلاء من قسد ومحاكمتهم لدى العراق، سواء تورّطوا في القتال داخل أراضيه أم انحصر نشاطهم في سورية".

وشدد المسؤول على أنّ "المسلحين العرب من جنسيات سعودية ومصرية ولبنانية وأردنية وفلسطينية، ومن دول المغرب العربي، لن يتم استقبالهم بأي حال من الأحوال، كما أنّ دولهم لم تخاطب العراق بشأنهم"، مضيفاً "لكن هناك حديث عن أنّ وزير الدولة السعودي ثامر السبهان على تواصل مع قسد بشأن مواطنيه الإرهابيين المحتجزين في الشمال السوري، ولا نعلم مدى دقة هذه المعلومة، كما أنها لا تعنينا كثيراً".

وأعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق، في وقت سابق، أنه حاكم أكثر من 600 شخص أجنبي بتهمة الانضمام إلى تنظيم "داعش"، أغلبهم من جنسيات أجنبية، أوروبية وآسيوية، جرى اعتقال معظمهم خلال معركة الموصل. وقد لاقت بعض الأحكام بحق كثير منهم اعتراضات من دول أوروبية ومنظمات حقوقية قالت إنها افتقرت إلى شروط العدالة.

وفي إبريل/نيسان الماضي، أعلنت "قسد" التوصّل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية، لإعادة نحو 31 ألف عراقي من مخيمات شمال وشرق سورية إلى بلدهم، بينهم عدد من عائلات مقاتلي "داعش"، إلا أنّ الضغوطات استمرت على العراق.

في السياق، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عباس سروط، إلى أنّ "العراق يريد التخلّص من هذا الملف بأسرع وقت ممكن، لأنه يدرك حجم المخاطر التي تُهددهُ، والانفلات الأمني الذي يحصل على الحدود العراقية السورية". وأوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "مجلس النواب يعترض على أن يوافق العراق على استجلاب عناصر التنظيم الأجانب كافة الموجودين لدى قسد، لأسباب أبرزها أنه لا يريد أن يحوّل أراضيه إلى غوانتنامو جديد"، مقراً بأنّ "الضغوط على الحكومة العراقية عادت بهذا الشأن وهي ضغوطات دولية بالدرجة الأولى".

وبشأن التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، بأنّ عدد عناصر تنظيم "داعش" يصل إلى 10 آلاف لدى "قسد"، لفت سروط إلى أنّ "هذا العدد فيه مبالغة، لأن أميركا وبعد تزايد المطالبات السياسية والشعبية بإخراج قواتها من العراق، بدأت تضغط على (رئيس الحكومة) عادل عبد المهدي عبر هذا السبيل".

أمنياً، أكّد مقدّم في قيادة قوات حرس الحدود العراقية (المنطقة الثانية) المسؤولة عن تأمين الحدود مع سورية، أنه "في 25 يوليو/تموز الماضي، و13 أغسطس/آب الحالي، وصلت للقوات الحدودية برقيتان من استخبارات الجيش تطلب فيهما رفع حالة التأهب على الحدود بسبب وجود معلومات عن إفلات عدد من مسلحي داعش المعتقلين لدى قسد". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "على الرغم من عدم حصول شيء، لكن هناك حديثا عن تهريب عناصر من داعش، جراء فساد لدى قيادات بالمليشيا، بصفقات تصل إلى عشرات آلاف الدولارات على الرأس الواحد"، في إشارة إلى العنصر الواحد من "داعش".

إلى ذلك، أوضح الباحث في الشأن العراقي، أحمد الشريفي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أنّ "الحكومة العراقية تعلم جيداً أنها السبيل الوحيد للتخلّص من الإرهابيين لدى قسد، وأنّ الدول الأوروبية مجتمعة ترفض تسلّم مواطنيها. ولذلك فالعراق سيخضع في النهاية إلى استلامهم ومحاكمتهم، وقد تكون المحاكمة صورية، وهذا ما سيحدث على الأغلب، ولكن الخوف من تهريبهم وهم تحت سيطرة قسد، أكثر من الخوف من استلامهم". وأضاف الشريفي أنّ "قوات سورية الديمقراطية لا تملك غير العراق كي تسلّمه ما تبقى من التنظيم الإرهابي، لوجود مشاكل في العلاقات مع دولة تركيا والنظام السوري أيضاً".

المساهمون