الأمم المتحدة تتبنّى الرؤية الروسية للحل السوري في جنيف

الأمم المتحدة تتبنّى الرؤية الروسية للحل السوري في جنيف

16 فبراير 2017
حذر دي ميستورا من تقسيم سورية (كيريل كودريافيتسيف/فرانس برس)
+ الخط -
لا تُبشر التطورات السورية قبل أسبوع من مفاوضات جنيف 4 المقررة في 23 فبراير/شباط الحالي، بإمكان خروجها بحل يلبي مطالب المعارضة السورية، في ظل ما بدأ يظهر من تبنٍ أممي للرؤية الروسية حول "الحل" في سورية، عبر وقف الحديث عن هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بل الإصرار على السير بالقرار 2254 بما يعني الدعوة لتشكيل حكومة مشتركة من النظام والمعارضة من دون استبعاد رئيس النظام بشار الأسد فوراً كما تطالب المعارضة. وسبقت ذلك محاولات روسية لتفخيخ اجتماعات أستانة التي تنطلق اليوم الخميس في العاصمة الكازاخية، عبر محاولات موسكو تمرير قضايا سياسية لفرضها لاحقاً في جنيف.
وقبل أسبوع من انطلاق مفاوضات جنيف 4، أعلن المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا أمس الأربعاء أن جدول أعمال المفاوضات سيلتزم بالقرار رقم 2254 الذي استند إلى ثلاث نقاط رئيسية، وهي وضع أسس الحكم والاتفاق على دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة. وقال للصحافيين بعد لقاءات في روما: "هذا هو جدول الأعمال ولن نغيره وإلا سنفتح أبواب الجحيم". وحذر من أن "تقسيم سورية المحتمل لمناطق نفوذ سيمثل الخيار الأسوأ، لأننا نعلم أن ذلك قد يؤدي إلى استمرار النزاعات الأهلية التي تمر بها البلاد منذ سنوات طويلة". وأشار المبعوث الأممي، إلى أن هذا لا يستبعد أن يشمل مشروع الدستور السوري الجديد مسألة تخفيف مركزية السلطة التي من الضروري مناقشتها.
ويتعارض كلام دي ميستورا مع إصرار المعارضة على عدم وجود الأسد وأركان حكمه في المرحلة الانتقالية، ومستقبل سورية، فيما يرفض النظام مسألة تنحي الأسد عارضاً تقاسماً للسلطة من خلال "حكومة وحدة وطنية" تشرف على كتابة دستور تتم بموجبه انتخابات للأسد الحق في خوضها. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط إنه لا يمكن أن يكون بشار الأسد على رأس السلطة لا في مرحلة انتقالية ولا في مستقبل سورية، مشيراً في تصريحات صحافية إلى أن "الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوري سيضيع لو بقي الأسد". وأكد المسلط أن الهيئة لم تتلق بعد جدول أعمال محادثات جنيف 4، مشيراً إلى أن المفاوضات يجب أن تبدأ بمناقشة الانتقال السياسي. وقال إن المعارضة تريد مفاوضات مباشرة مع النظام بخصوص الانتقال السياسي في المحادثات.
من جهته، أكد كبير مفاوضي وفد المعارضة محمد صبرا، لـ"العربي الجديد"، أن الوفد "يملك أوراق قوة"، مضيفاً: "قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية واضحة في تأييد مطالب السوريين، وحقوقهم".
في السياق، لم تُحسم بعد مسألة مشاركة منصتي القاهرة وموسكو في وفد المعارضة إلى جنيف، إذ لا يزال الأمر "محل تشاور" وفق مصدر رفيع المستوى في منصة القاهرة. ولا تبدو الهيئة العليا للمفاوضات في وارد إجراء تغييرات جوهرية في الوفد المفاوض تحت ضغط روسي، وضغط آخر يمكن أن يمارسه دي ميستورا "ليس من اختصاصه"، وفق مصدر في المعارضة. وأشار المصدر إلى أن دي ميستورا لم يمارس ضغوطاً على النظام على الرغم من يقينه بأن الأخير يؤدي دور المعطل للتوصل إلى حل سياسي.
من جهته، قال دبلوماسي سوري معارض لـ"العربي الجديد" إن الموفد الأممي "يحاول إرضاء الروس، من أجل البقاء في منصبه، ويحاول تحقيق ما تصر عليه موسكو". واعتبر الدبلوماسي مطالبَ منصتي القاهرة وموسكو بـ"تمثيل متساوٍ" تعسفيةً، وبعيدة عن الواقع السياسي السوري المعارض، مضيفاً: "هم أساساً أقرب للنظام، ولا يتفقون مع رؤى المعارضة وأهدافها".
وفي السياق، برزت مطالبة كردية بالمشاركة في جنيف، إذ قالت الرئيسة المشاركة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي في سورية آسيا عبدالله لوكالة "فرانس برس" إن محادثات جنيف ستفشل إذا استمر استبعاد الأكراد منها. وأضافت "من الواضح أنه من أجل حل الأزمة السورية، يجب أن يتمكن الجميع من المشاركة" في محادثات جنيف.



هذه التطورات تسبق لقاءً يجمع للمرة الأولى اليوم الخميس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأميركي الجديد ريكس تيلرسون بمناسبة انعقاد الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين في بون بألمانيا، كما أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أمس. وسبق لافروف اللقاء بالقول أمس خلال كلمة له إن "إصلاح الوضع يتطلب القيام بخطوات فعالة رامية إلى إنشاء جبهة واسعة لمكافحة الإرهاب، وهي بدأت تتشكل في سورية بفضل خطوات روسيا الثابتة".
في غضون ذلك، تشهد العاصمة الكازاخية أستانة، اليوم الخميس، اجتماعات حول سورية، أعلنت المعارضة السورية المسلحة أنها لن تبحث قضايا سياسية فيها. وأكد عضو وفد الفصائل يحيى العريضي لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماعات لها هدف واحد وهو تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن هذا الأمر "يخنق القاتل" في سورية، مضيفاً: "انتهاء القتل في سورية يُفقد بشار الأسد والإيرانيين مبرر وجودهم في البلاد، لذا يسعيان إلى إفشال هذا الاتفاق بكل الوسائل". وأشار العريضي إلى أن المعارضة السورية وافقت على الذهاب إلى اجتماعات أستانة السابقة من أجل التهدئة، وتنفيذ الشق الإنساني من القرار الدولي 2254، مضيفاً: "هذه ليست شروطاً مسبقة بل قرارات دولية واجبة التطبيق"، موضحاً أن أي نتائج إيجابية من الممكن أن تتحقق في اجتماعات أستانة الحالية ستؤدي إلى كسر جمود المسار السياسي، وتؤدي دوراً مهماً في تيسير مفاوضات جنيف 4.
من جهته، أكد رئيس وفد الفصائل إلى اجتماعات أستانة، محمد علوش، لـ"العربي الجديد" أن مفاوضات اليوم هي حول وثيقة آليات وقف إطلاق النار، وتعهدات الروس ووعودهم السابقة. فيما قال عضو الوفد الاستشاري لوفد المعارضة إلى جنيف النقيب سعيد نقرش لـ"العربي الجديد": "ليست لدينا ثقة بالروس"، مضيفاً: "الروس لم يلتزموا بشيء. هم أرادوا إيجاد مسار تفاوضي جديد، وفشلوا في ذلك".
بينما قال عضو وفد المعارضة إلى أستانة العميد أحمد بري لـ"العربي الجديد" إن وفد الفصائل كان قد قدّم للروس ورقة تتضمن مطالب من شأنها تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، موضحاً أنه من المفترض أن تتم مناقشتها في الاجتماعات. واكتفت المعارضة السورية المسلحة بإرسال وفد "تقني مصغّر" إلى اجتماعات أستانة في رسالة واضحة على استياء الفصائل من عدم التزام الروس بتعهداتهم حيال اتفاق وقف النار وتغاضيهم عن خروق جوهرية من قبل قوات النظام والمليشيات خصوصاً في منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق أدت إلى تهجير عدد كبير من أهلها، وفي الغوطة الشرقية حيث تحاول هذه المليشيات اقتحامها. وتتضمن الورقة التي قُدّمت إلى الطرف الروسي أثناء لقاءات أستانة السابقة أواخر الشهر الماضي، 27 بنداً، تدعو إلى وقف العمليات العدائية، وفك الحصار عن المناطق التي تحاصرها قوات النظام والمليشيات، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى عشرات آلاف المدنيين المحاصرين، ووقف أعمال القصف الجوي، والمدفعي، والصاروخي. كما تتضمن الورقة مطالب بإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، وفي مقدمتهم نحو 13 ألف امرأة.
ونقلت وسائل إعلام روسية الأربعاء عمّن قالت إنه "مصدر رفيع المستوى في وزارة الدفاع الروسية" توقعه أن تتناول مفاوضات أستانة موضوع دستور سورية، وتفاصيل آلية المراقبة على وقف إطلاق النار وتحديد الجهات التي ستقوم بالمراقبة على الأرض. ولكن مصادر في وفد المعارضة إلى أستانة أكدت لـ"العربي الجديد" أنه لا توجد جوانب سياسية في اجتماعات أستانة الحالية، موضحة أن التداول سيظل محصوراً في القضايا العسكرية المتعلقة بتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن أي طرح سياسي مكانه في جنيف وليس أستانة. وأشارت المصادر إلى أن تأجيل الاجتماعات يوماً واحداً جاء بسبب خلاف تركي روسي على جدول أعمالها، إذ أبدت أنقرة تحفظاً على محاولات موسكو تمرير قضايا سياسية لفرضها في ما بعد في مفاوضات جنيف وأبرزها مسألة الدستور.