التعاون المغربي الإسباني: أمن مدريد يمرّ عبر الرباط

التعاون المغربي الإسباني: أمن مدريد يمرّ عبر الرباط

10 مايو 2020
التعاون الحدودي بين البلدين مستمرّ رغم الخلافات السياسية (Getty)
+ الخط -
ألقى إعلان الحرس المدني الإسباني، أول من أمس الجمعة، القبض في برشلونة على شخص يحمل الجنسية المغربية يشتبه في انتمائه إلى تنظيم "داعش"، الضوء على الدور المتنامي للرباط، في السنوات الأخيرة، في مساعدة مدريد في حربها على المتشددين والخلايا التي تنشط في تجنيد وإرسال مقاتلين أجانب إلى بؤر التوتر. وكشفت العملية الأمنية الجديدة أن الملفات الخلافية بين البلدين الجارين، في ظلّ ما يسميه البعض "الجوار الحذر"، تتراجع أمام التعاون الأمني والاستخباري، بعد كشف الحرس الإسباني عن تنفيذ العملية بشكل مشترك مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب ومكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من عدم رضى إسبانيا عن القرارات الثلاثة التي اتخذها المغرب منذ الأول من أغسطس/ آب 2018، المتمثلة بإغلاق المعبر البري الجمركي بني أنصار على حدود مليلية، وإغلاق معبر باب سبتة الثاني (تارخال 2 بالمصطلح الإسباني)، وترسيم حدوده البحرية وتحديدها قبالة جزر الكناري، إلا أن حاجة مدريد إلى الرباط في مجالي محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية، تفرض عليها تجاوز النقاط الخلافية، والتركيز على توحيد الجهود لمواجهات التحديات الأمنية التي تواجه البلدين في سياق إقليمي متقلب ومتحول. وعلى امتداد السنوات الماضية، تمكن المغرب وإسبانيا من تفكيك عدد من الخلايا الناشطة في البلدين بطريقة منسقة ومتزامنة، بسبب تعاونهما المكثف وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية، ولا سيما في مجال محاربة شبكات استقطاب مقاتلين لمصلحة المجموعات المتشددة. وفي الوقت الذي تصف فيه الرباط ومدريد تعاونهما بـ"المستوى العالي والنموذجي"، وتقولان إن شراكتهما الأمنية "مبنية على المسؤولية المشتركة والثقة المتبادلة"، تكشف الأرقام أن التعاون الأمني والاستخباري مكّن البلدين من تنفيذ أكثر من 21 عملية مشتركة في مجال مكافحة الإرهاب منذ عام 2014.

في السياق، يرى الخبير في الدراسات الجيواستراتيجية والأمنية، الشرقاوي الروداني، أن "أمن مدريد يمرّ عبر الرباط، وأن أمن الرباط يمرّ عبر مدريد"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن نجاح التعاون بين البلدين مرده وجود آليات عملياتية عدة بين البلدين وعلى مستويات مختلفة في التدبير الأمني. كذلك إن التطور المؤسساتي الأمني في المغرب من خلال وجود المكتب الوطني للأبحاث القضائية ويقظة الأمن الخارجي المغربي، دفع جهات دولية عدة إلى الإشادة بالرباط في ما يتعلق بالسياسة الاستباقية الأمنية.

ويعتبر الروداني أن العلاقات المغربية الإسبانية نموذجية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، لافتاً إلى أنه على المستوى الأمني هناك اتفاقيات وعلاقات استثنائية بين الدولتين، وتحكمهما شراكة نموذجية على مستوى علاقات الأجهزة الأمنية المختصة أو التنسيق المحكم والسلس بين مختلف مؤسساتهما. وعن السياسة الاستباقية والنموذجية المغربية على مستوى محاربة الإرهاب، يقول الروداني إنها جعلت الرباط تتموضع داخل المعادلات الأمنية على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما كرّسته رئاسة المغرب للمنتدى الدولي لمحاربة الإرهاب لولايتين متتاليتين، وكذلك إشادة الولايات المتحدة في تقاريرها عن الإرهاب باستراتيجيته في هذا المجال، ووصفته بـ"الحليف الرئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي والعضو المهم في أجل مكافحة الإرهاب في إطار المبادرة الأميركية لمكافحة الإرهاب عبر الصحراء". ووفق الخبير المغربي، فإن التعاون بين البلدين يشمل مجالات حساسة مثل التدبير المشترك للهجرة غير النظامية ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، لافتاً إلى أن هذا التعاون "أثمر تفكيك مجموعة من الخلايا المتشددة واعتقال أفراد بمثابة ذئاب منفردة كانت تنشط في مدن عدة داخل التراب الإسباني".

أما بالنسبة إلى الباحث المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي، إدريس الكنبوري، فيكشف أن التعاون بين الرباط ومدريد في مجال محاربة الإرهاب فوق التراب الإسباني يعود إلى بداية التسعينيات من القرن الماضي، بعد تفجيرات مراكش عام 1994، ولكنه شهد تطوراً ملحوظاً بعد تفجيرات الدار البيضاء عام 2003 التي كان من بين أهدافها "دار إسبانيا"، وقُتل فيها مواطنون إسبان. ويوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هذا التعاون شهد دفعة أقوى بعد تفجيرات مدريد عام 2004 التي تورط فيها بعض المغاربة المقيمين في إسبانيا.

ويلفت الكنبوري إلى أن "هناك نحو عقدين من الزمن من التعاون الأمني والاستخباري، بحكم القرب الجغرافي وتداخل الملفات بين البلدين، مثل نزاع الصحراء وسبتة ومليلية، وكون الجالية المغربية في إسبانيا هي الأكبر عددياً، فضلاً عن ملف الهجرة الذي ارتبط في الأعوام الأخيرة بملف الإرهاب"، وهو الأمر الذي يجعل مراهنة إسبانيا على التنسيق مع المغرب مهمة لأمنها الداخلي، ومفتاحاً أساسياً في محيطها الدولي والإقليمي. وبحسب الكنبوري، فإن المغرب وفرنسا يشكّلان حزامين أمنيين مهمين لإسبانيا، ذلك أن باريس كانت دائماً مهمة بالنسبة إلى مدريد في محاربة حركة "إيتا" في إقليم الباسك، التي كانت تتحرك قريباً من فرنسا، وكان أفرادها ينشطون في تراب البلدين قبل أن تحلّ نفسها في عام 2018. أما المغرب، فيُشكّل موقعاً مهماً على مشارف الجنوب الإسباني في مواجهة التطرف.