البشير مرشحاً لرئاسيات 2020: تحديات حزبية وسياسية واقتصادية

البشير مرشحاً لرئاسيات 2020: تحديات حزبية وسياسية واقتصادية

12 اغسطس 2018
دعا البشير السودانيين إلى المزيد من الصبر(محمود حجاج/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من حالة الإجماع التي حظي بها الرئيس السوداني، عمر البشير، داخل حزبه، بتجديد الثقة فيه مرة أخرى، كمرشح لحزب المؤتمر الوطني الحاكم لمنصب رئيس الجمهورية في انتخابات 2020، إلا أن الطريق لن يكون مفروشاً بالورود أمامه للفوز بسهولة في الانتخابات كما حدث في مرات سابقة، إذ إنه يواجه تحديات داخل حزبه، ومع المعارضة، بالإضافة إلى تحفظ قوى إقليمية ودولية على ترشحه مجدداً، هذا عدا عن تدهور الوضع الاقتصادي، وتراجع الجنيه السوداني إلى أدنى مستوى له في تاريخه، مقابل العملات الأجنبية.


ويواجه البشير تحديات سياسية، في مقدمتها، وحدة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي يقوده بنفسه، إذ إن هناك مجموعات داخل الحزب غير راضية عن قرار التجديد له لدورة رئاسية جديدة، ولا يمكن الجزم باستسلام تلك المجموعة بعد تمرير القرار عبر مجلس الشورى في الحزب، إذ يمكنها أن تنشط في مراحل لاحقة، سواء داخل المؤتمر العام للحزب، أو في البرلمان للحيلولة دون تعديل الدستور، الذي يمنع في الوقت الراهن ترشح البشير لولاية جديدة. وفي هذا الإطار، لا يستبعد البعض حدوث انقسام، ولو محدودا، في صفوف الحزب، على غرار ما حدث في مرات سابقة. لكن الأمين السياسي للحزب الحاكم، عمر باسان، ينفي حدوث انقسام داخل الحزب، أو وجود مؤشرات على تململ. وأوضح أن "المؤتمر الوطني حزب نخبوي، عماده جموع الإسلاميين، وليس حزباً طائفياً يكون فيه أتباع القائد بلا رؤية"، معتبراً أن "ظاهرة الخلاف في الحزب صحية، إذ سيسود بعدها رأي الأغلبية، والذين كان لهم رأي مخالف ستجدهم أكثر التزاماً بالقرار لأنه أصبح موقف الجماعة".

وبعيداً عن الوحدة الداخلية للحزب، فإن العلاقة بين الحكومة والمعارضة، بشقيها المدني والمسلح، ستكون محل اختبار جديد أمام البشير، الذي وعد بخطوات في هذا الصدد، خصوصاً ما يتعلق بتعهده توقيع اتفاقيات سلام مع الحركات المسلحة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، واللتين تشهدان هدنة منذ عامين. وقال رئيس قطاع الإعلام في الحزب الحاكم، إبراهيم الصديق، لـ"العربي الجديد"، إن "إعادة ترشيح البشير ستفتح أفاقاً جديدة أمام السلام والحوار، لأن خطوة التجديد نفسها وجدت ترحيباً من أحزاب سياسية عديدة ترى في شخص البشير ضامناً لاستكمال أهداف الوفاق الوطني ووقف الحرب وتحقيق السلام". هذا الأمر يؤكده باسان، الذي "بشر بقرب التوقيع على اتفاق سلام مع حملة السلاح، مع تواصل الحوار مع أكثر من 20 حزباً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من أجل تهيئة البلاد لانتخابات 2020، ليكون الصندوق الانتخابي هو الفيصل". وقال "حتى الحركات المسلحة، مثل الحركة الشعبية بزعامة مالك عقار وياسر عرمان، أعلنت رغبتها بالتخلي عن العمل العسكري والعودة للعمل المدني السلمي".



ورهن القيادي السابق في الحركة الشعبية لتحرير السودان، الواثق كمير، "استعداد البشير للتقارب مع المعارضة بتقبل بعض مطالب المعارضة، خصوصاً المتمثلة بتهيئة المناخ أمام الحريات وضمان مشاركة المعارضة في صياغة قانون الانتخابات وتشكيل المفوضية التي تشرف عليها". وقال كمير، لـ"العربي الجديد"، "يجب على القوى المنضوية تحت عباءة النظام والمؤيدة لترشيح البشير أن توضح موقفها من مطالب المعارضة، وهل هي داعمة لها أم ترغب باحتكار السلطة؟"، مضيفاً "في الحالتين يظل الأمر مرهوناً بقدرة البشير على إبرام سلام مع حاملي السلاح". 


من جهته، قال محمد ضياء الدين، رئيس لجنة الإعلام بتحالف قوى الإجماع الوطني، وهو تحالف لأحزاب معارضة، في حديث مع "العربي الجديد" إن البشير ظل يحكم البلاد لنحو 30 عاماً، فشل فيها مع حزبه سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، وأن استمراره لدورة جديدة يعبر عن عجز الحزب الحاكم والسلطة، ويؤكد أن الحزب لا يضع أي اعتبار للإشكالات التي أضحت أزمة وطنية شاملة. كما أشار إلى أن "إجراءات ترشيح البشير يوجد فيها خرق أخلاقي قبل أن يكون خرق للدستور والقانون".
وبرأي ضياء الدين، فإنه خلال الفترة المقبلة لن يحقق البشير نجاحاً في كافة المجالات بعد فشله فيها خلال السنوات الماضية. وأشار إلى أنه لو قُدر للبشير الاستمرار بترشحه حتى 2020 فإن المعارضة ستقاطع الانتخابات، وستقود حملة واسعة لإسقاط النظام عبر الانتفاضة الشعبية.
واستبعد ضياء الدين فكرة تحسن علاقة المعارضة بالحكومة، أو مبادرة البشير بتحقيق انفتاح سياسي، وإتاحة الحريات العامة ووقف التضيق على العمل السياسي. كما استبعد مشاركة تحالف المعارضة في أي عملية حوار مع حزب المؤتمر الوطني لا قبل ولا بعد الانتخابات. وشدد على أن خيار إسقاط النظام هو الخيار الوحيد المتاح أمامهم.



تحديات خارجية

ولا تبدو علاقات السودان الخارجية أقل أهمية من الأوضاع الاقتصادية والتحديات السياسية الداخلية التي سيواجهها البشير بعد تجديد حزبه الثقة فيه مرشحاً لدورة رئاسية جديدة، ذلك لأن عملية التمديد نفسها، كانت محل تحفظ من جانب قوى إقليمية ودولية، مثل أميركا التي رفعت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عقوبات اقتصادية كانت قد فرضتها على الخرطوم منذ العام 1997، لكن وخلال زيارة قام بها نائب وزير الخارجية الاميركي للسودان، في الشهر التالي، أعلنت الإدارة الأميركية عن رغبتها في إقصاء البشير من المشهد السياسي وعدم رؤيته في منصبه بعد 2020، ما أعاد التطور الإيجابي الحاصل في العلاقات بينهما إلى نقطة الصفر.

لكن رئيس قطاع الإعلام في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، إبراهيم الصديق، اعتبر أن المكانة الإقليمية والدولية للبشير قد تعززت، خلال الأيام الماضية، بعد نجاحه في تحقيق السلام في جنوب السودان، مشيراً إلى أن ذلك سيمكن البشير من لعب أدوار في حلحلة نزاعات أخرى في دول عربية وأفريقية. وأكد أنه لن يكون هناك جديد في العلاقات الخارجية للخرطوم، وأن السودان لن يعدل من مواقفه الإقليمية والدولية، وسيبقى متمسكاً بتحالفاته، بما فيها التحالف في اليمن لإعادة الشرعية، حيث يشارك بقوات هناك

تحديات الأزمة الاقتصادية

والأزمة الاقتصادية التي تتفاقم في البلاد، منذ بداية العام الحالي، ووصول الجنيه السوداني إلى أدنى مستوى له في تاريخه، مقابل العملات الأجنبية الأخرى، والارتفاع الجنوني في كافة أسعار السلع، والتي وصل بعضها في بعض الأحيان إلى 300 في المائة، وتوالي أزمات الدواء وشح الوقود والخبز، كلها عوامل ستصعب المهمة على البشير. ولعل الرئيس بدأ يدرك تماماً حقيقة هذا الوضع الاقتصادي المتأزم. فبعد أن كان، حتى يناير/كانون الثاني الماضي، يرفض ويستنكر حتى القول بوجود أزمة اقتصادية، كما قال في خطاب الاستقلال، عاد وردد، في خطابه أمام مجلس شورى الحزب الحاكم، الخميس الماضي، مصطلح الأزمة الاقتصادية، معتبراً أن البلد سيخرج منها كما خرج من أزمات مماثلة من قبل، داعياً المواطن السوداني إلى المزيد من الصبر. ولم يشأ البشير تذكير المواطن بنعمة الأمن في السودان مقابل دول أخرى مضطربة، كتحذير مبطن من أن تغيير نظام الحكم سيؤدي إلى نتائج كارثية، وهي الفزاعة التي بات يستخدمها قادة الحزب الحاكم في السودان للرد على أي تململ داخلي. وأكد البشير أن الأيام المقبلة ستشهد جهداً مضاعفاً لتنفيذ برنامج إسعافي للتعاطي مع الأزمة الاقتصادية، مؤكداً أن نتائجه مضمونة وستظهر خلال أيام.

لكن رئيس تحرير صحيفة "إيلاف" الاقتصادية، خالد التجاني، أشار إلى أن البشير تحدث بصورة مطلقة، ولم يوضح في خطابه تفاصيل البرنامج الإسعافي المراد تطبيقه "ما يجعل الخطاب مثل الوعود السابقة". وقال التجاني، لـ"العربي الجديد"، إن الأزمة في السودان لا تعود إلى شح الموارد الاقتصادية، بل هي في إدارة الموارد وترتيب أولويات الصرف، و"هذا ما عجزت عنه الحكومة طوال السنوات الماضية"، مستشهداً بالبنك المركزي السوداني الذي ذكر في أحدث تقاريره أن 95 في المائة من المصاريف تذهب لبند التسيير، ولا يذهب شيء منها للتنمية وزيادة الإنتاج والإنتاجية. وأكد التجاني أن تلك المعادلة لا يمكن تعديل وضعها إلا بقرارات جريئة من البشير بإعادة هيكلة الاقتصاد وتقليل الإنفاق الحكومي وترتيب الأولويات. غير أن باسان لا يتفق تماماً مع ما ذهب إليه التجاني. وأشار باسان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن البرنامج الإسعافي الذي وعد به البشير سيعتمد بشكل أساسي على الاستفادة من إعادة ضخ نفط جنوب السودان، عبر الموانئ السودانية، والاستفادة القصوى من إنتاج المعادن، وفي مقدمتها الذهب، وكذلك تطوير الإنتاج الزراعي، وكلها موارد متوفرة.

المساهمون