مسرحية سجن طرة: الشيف من سميراميس والسيناريو من "البريء"

مسرحية سجن طرة: الشيف من سميراميس والسيناريو من "البريء"

13 نوفمبر 2019
تمت الاستعانة بطاهٍ من "سميراميس" (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
بينما توثق التقارير الحقوقية وشهادات ذوي المعتقلين، والمسجونين السابقين، حجم الانتهاكات في السجون المصرية التي تطاول المعتقلين السياسيين، والأوضاع المزرية التي يعانون منها وحرمانهم من أبسط حقوقهم، بما في ذلك الرعاية الطبية في حدها الأدنى، اختارت وزارة الداخلية، أول من أمس الاثنين، السماح للهيئة العامة للاستعلامات بتنظيم زيارة للمراسلين الأجانب، في حضور عدد كبير من الإعلاميين والصحافيين المصريين، وذلك قبل يومين فقط من المراجعة الدورية الشاملة لملف مصر في الأمم المتحدة. الزيارة التي لا يمكن وصفها بأقل من مسرحية بعد الصور التي انتشرت عن مدى الاهتمام بالسجناء، وحتى أنها أثارت سخرية المصريين الذين طالبوا الدولة بنقلهم إلى السجن، أعادت التذكير بمشاهد فيلم البريء، الذي تضمن مشاهد تكاد تكون متطابقة مع الصور المتداولة من داخل سجن طرة. وما لم تكشفه الصور عن الجانب الخفي للزيارة، تحدثت عنه مصادر مطلعة على تفاصيل ترتيبات الزيارة، بما في ذلك استعانة وزارة الداخلية المصرية بأحد الطهاة (شيف) من فندق "سميراميس" المطل على النيل في القاهرة، للإشراف على عملية تحضير الطعام في منطقة سجون طرة.

وكشف مصدر مقرب من رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان علاء عابد أن "الشيف" حضر معه في سيارته الخاصة إلى منطقة سجون طرة، بوصفه المسؤول عن عملية انتدابه من إدارة الفندق، الذي يقع على بعد أمتار قليلة من مجلس النواب بالقرب من ميدان التحرير، ويرتاده أغلب أعضاء المجلس الذين ينتمون إلى محافظات بعيدة عن القاهرة على نفقة البرلمان. وقال المصدر، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن قيادات وزارة الداخلية وافقت على اقتراح عابد بإحضار أحد الطهاة المتخصصين لتحضير وجبة الغداء للوفد الإعلامي الذي يزور سجن طرة، مشيراً إلى أن رئيس لجنة حقوق الإنسان تلقى الاقتراح بدوره من أحد أعضاء اللجنة المقيمين بصفة شبه دائمة في الفندق، والذي اتفق مع إدارته على انتداب "الشيف" طوال يوم الزيارة.

وحسب صحف محلية، فإن الوفد الإعلامي تفقد مطعم سجون منطقة طرة، والذي يشرف عليه متخصصون في الطهي من نزلاء السجون، بدعوى تقديم وجبات صحية للمساجين وفقاً للشروط الصحية، وتعليمات المعهد القومي للأغذية، وكذلك معرض الأثاث لمنتجات نزلاء السجون، ومعرض السلع الغذائية القائم عليه مجموعة من السجناء. وأشارت الصحف إلى متابعة الوفد الإعلامي لمباراة في كرة القدم بين المساجين، من بينهم سجين برازيلي، وآخر أجنبي، ولاعب في نادٍ مصري، زاعمة إشادة السجناء بالمستوى العالي للرعاية المقدمة، سواء الصحية أو الاجتماعية أو الرياضية، في حضور عدد من مساعدي وزير الداخلية، وأعضاء في مجلس النواب، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات الصحافي ضياء رشوان.


وقال عابد، خلال الزيارة، إن "التقارير الحقوقية الصادرة عن مصر من الخارج غير حقيقية، وتستهدف زعزعة الاستقرار وفق حملة ممنهجة وممولة من دول بعينها"، مدعياً أن "المسجونين أجمعوا على حسن الرعاية الصحية والاجتماعية، ونجاح وزارة الداخلية في تحويلهم إلى نماذج للتعايش مع المجتمع بعد انقضاء فترة السجن، وانخراطهم في المجتمع". بدوره، قال النائب، الموالي للنظام، مصطفى بكري: "قمت مع وفد من النواب والصحافيين والإعلاميين بالمشاركة في المنتدى الثالث للسجون المصرية، وزيارة سجن مزرعة طرة. وقد هالني هذا التطوير الذي شهده السجن، والذي تتوافر فيه العيادات المتخصصة، والأطعمة، والأسرّة، والحدائق، والملاعب". وأضاف، في تغريدة، "التقينا المساجين، وهذه هي الصورة الحقيقية، لأن هناك من لا يريد أن يعرف أو يرى"، معتبراً أن "الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في السجون هي اتهامات ظالمة، وأكاذيب لا تنتهي، والهدف منها هو الوطن. إنهم يتحدثون باسم جماعات الارهاب التي تقتل في ظل حماية من بعض المنظمات والهيئات الحقوقية"، حسب زعمه.

من جهته، ادعى مساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان اللواء هشام يحيى أن حقوق الإنسان أصبحت قضية عالمية يُقاس عليها تقدم المجتمعات، ومن ثم جاء قرار إنشاء وحدة لحقوق الإنسان في الوزارة لنشر الوعي، والتفاعل مع الجماهير، مضيفاً "الوزارة استجابت لطلبات بعض الأهالي بنقل السجناء إلى أماكن بالقرب من محل إقامتهم لراحة ذويهم، وسمحنا لمنظمات المجتمع المدني بزيارة السجون، للوقوف على كيفية التعامل مع النزلاء". وتابع "بالرغم من مواجهتنا للإرهاب والجريمة، إلا أننا نُعظم حقوق الإنسان في وزارة الداخلية، والسجون المصرية شهدت أخيراً حالة من التطور الكبير، سواء في المباني أو أماكن التريض والمستشفيات، أو في أماكن التأهيل للنزلاء، في ضوء حرص الوزارة على توفير الرعاية الطبية والغذائية والأسرية للمسجونين، طبقاً لأحدث المعايير الدولية"، على حد زعمه.

وقال مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون اللواء أشرف عز العرب إن "قرارات العفو الرئاسية شملت 19 ألفاً و482 نزيلاً خلال العام الحالي، وهو ما ساهم في تهيئة السعة الاستيعابية داخل السجون، وتوفير الرعاية الصحية للسجناء"، موجهاً التحية إلى وزير الداخلية اللواء محمود توفيق، "لدعمه قطاع السجون، واهتمامه بحقوق الإنسان داخلها". وزعم عز العرب أنه تم إجراء 708 عمليات جراحية للمسجونين خلال 2019، ونقل 10 آلاف و730 نزيلاً منهم إلى المستشفيات الخارجية، إلى جانب الاهتمام بمحو الأمية لنحو 8215 نزيلاً، وإنشاء 3 مدارس ثانوية صناعية في سجون المنيا والقناطر وجمصة، فضلاً عن تقديم مساعدات قيمتها 63 مليون جنيه لأسر النزلاء المودعين في السجون.

وكانت الهيئة العامة للاستعلامات، وهي مؤسسة حكومية مهمتها إصدار تصاريح العمل للمراسلين الأجانب في مصر، قد نشرت فيلماً مدته 16 دقيقة على موقع "يوتيوب" حول زيارة أعضاء نيابة أمن الدولة العليا لمنطقة سجون طرة، بدعوى متابعة حالة السجون، ومعرفة ما يشكون منه، وهو الفيديو الذي قوبل بحالة واسعة من الاستهجان عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتضمن فيديو الهيئة مشاهد لمطبخ السجن، والكافتيريا، والصيدلية، وعيادة الأسنان، وظهوراً للمعتقل السياسي حازم عبد العظيم، الذي أُلقي القبض عليه في مايو/أيار 2018، وكذلك القيادي السابق في الجماعة الإسلامية صفوت عبد الغني، والذي ادعى أن "المرحاض نظيف والسرير والملايات نظيفة"، وأنه "يتناول طعاماً مخصوصاً من الزبادي والعسل".

وشكك ناشطون سياسيون وحقوقيون في مصر بما جاء في الفيديو المصور، كما أنكروا فيديوهات "مُعدّة سلفًا" لزيارات وفد حقوق الإنسان المصري للسجون من قبل، وربطوا بين كل هذه الاجتهادات الحكومية، بما سوف تواجهه الحكومة المصرية في المراجعة الدورية الشاملة بالأمم المتحدة، اليوم الأربعاء. وقالت الأكاديمية البارزة ليلى سويف، والدة المعتقل السياسي علاء عبد الفتاح، "الحقيقة مش مهم المعتقلين السياسيين قالوا إيه في الفيديو، الأهم من ده أن أعضاء نيابة أمن الدولة العليا كان المفروض إنهم يطلبوا يقابلوا الناس اللي مقدمة لهم شكاوى بالفعل زي علاء، ومحمد الباقر، ويشوفوا ظروف الاحتجاز بأعينهم، ومدى تدهور الحالة الصحية لمعتقل مثل جهاد الحداد".

الشكوك والإنكار لما جاء في مضمون الفيديو، أكدته أيضاً قرارات منْع الزيارات تماماً عن السجون، كما حدث مع منع أهل المحامي الحقوقي محمد الباقر من زيارته في سجن طرة (شديد الحراسة 2)، وقد قيل لهم إن سبب المنع وجود زيارة رقابية على سجون طرة. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد "بعد أن شاهدت فيديو لقاء حازم عبد العظيم مع أعضاء نيابة أمن الدولة في سجن طرة، والذي أشاد فيه بالمعاملة التي يلقاها داخل السجن، والتي تجعله أفضل من الفندق، أطالب بأن تتوافر نفس المعاملة لأصدقائي حازم حسني، وحسن نافعة، والصحافي خالد داود". وأضاف "ما أعرفه عن ظروف احتجازهم يختلف تماماً عما ذكره عبد العظيم في هذا اللقاء التلفزيوني، وأتمنى طبعاً أن يحظى بهذه المعاملة كل من هو في السجن، ولم يخضع للمحاكمة حتى الآن، مثل يحيى حسين عبد الهادي، وشادي الغزالي حرب، وحسام مؤنس، وعبد المنعم عبد الرؤوف، وعلاء عبد الفتاح، وغيرهم كثيرون ممن لا أعرف أسماءهم". وتابع "كما أتمنى أن يحظى بنفس المعاملة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، الذي كانت حالته الصحية حرجة قبل دخوله السجن. بل ويدفعني خيالي إلى التمني أن تغلق الحكومة المصرية هذا الملف (تردي أوضاع السجناء) نهائياً، وأن تفرج عن كل من لم يتورط في أعمال إرهابية تسفك فيها دماء بريئة".

وكان مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب، وهو منظمة مجتمع مدني مصرية، قد حصر في سبتمبر/أيلول الماضي، أعداد حالات الوفاة داخل مقرات الاحتجاز المختلفة نتيجة التعذيب، منذ 2015 وحتى النصف الأول من 2019، موضحاً أنه في العام 2015 توفي 80 مواطناً داخل مقار الاحتجاز، وفي 2016 مات 123 مواطناً، من بينهم 24 بسبب التعذيب. وفي 2017 مات 118 مواطناً في مقار الاحتجاز المختلفة، من بينهم 20 ماتوا بسبب التعذيب، وفي 2018 مات 67 مواطناً، من بينهم 7 ماتوا إثر التعذيب، وخلال النصف الأول من 2019، مات 30 مواطناً، من بينهم 5 ماتوا إثر التعذيب. وفي 30 أغسطس/آب الماضي، أصدرت منظمة "كوميتي فور جستس" تقريرها نصف السنوي عن الستة أشهر الأولى من 2019، والذي رصدت خلاله "4820 انتهاكاً ممنهجاً داخل وخارج مراكز الاحتجاز الرسمية خلال النصف الأول من 2019، بشكل بات يشكل أزمة كبرى لا تؤدي لاستقرار حقيقي بدولة والإصرار على إلغاء حقوق الإنسان".

كما أن مركز عدالة للحقوق والحريات، وهو منظمة مجتمع مدني مصرية، وثّق في تقرير حديث 22 حالة وفاة نتيجة الإهمال الطبي داخل السجون المصرية منذ بداية 2019 وحتى أواخر يوليو/تموز الماضي، مؤكداً "ازدياد العدد بمرور الوقت، على اعتبار أن هناك المزيد من الحالات التي ما زالت تعاني من الإهمال الطبي، وتنتظر تلقي العلاج، كي لا يلحقوا بمصائر من سبقوهم". تجدر الإشارة إلى أنه تم بناء 23 سجناً جديداً بين عامي 2013 و2018، تماشياً مع منهجية التوسع في الاعتقالات، وغلق المجال العام، والمحاكمات غير العادلة، ليصل عدد السجون بمصر حالياً إلى ما يقرب من 68 سجناً مركزياً، بالإضافة إلى 320 مقرَ احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة. أما أماكن الاحتجاز غير المعروفة والسرية فإنه لا يُعرف عددها.