مَن انزعج من الدور الدبلوماسي لراشد الغنوشي حول ليبيا؟

مَن انزعج من الدور الدبلوماسي لراشد الغنوشي حول ليبيا؟

13 فبراير 2017
أكد الغنوشي أنه ينسق مع السبسي (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -

شهد الأسبوع الماضي في تونس سلسلة من الانتقادات لزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، بسبب تحركاته الدبلوماسية، خصوصاً في الملف الليبي. وانتقد معارضو الغنوشي ما يسميه بـ"الدبلوماسية الشعبية"، بسبب ما يرون أنه تداخل مع دور الدولة والحلول مكانه، برغم تأكيدات الغنوشي المتلاحقة أنها تتم بعلم الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، المسؤول الأول عن السياسة الخارجية، وتشكل دعماً لمبادراته، وتتم كلها في صالح القضايا التونسية. لكن تصريح الغنوشي، لصحيفة "ميدل ايست آي" أول من أمس، بدا غريباً نوعاً ما، اذ أشار إلى "أنه سيتوقّف عن القيام بدور دبلوماسي على علاقة بالملف الليبي إذا أعلمه الرئيس الباجي قائد السبسي أنها تسبب مشاكل"، مضيفاً "أنا على تنسيق وتواصل متواصل معه، ولا يمكن أن نكون إلاّ عنصر نجاح لسياساته".

وجاء رد الغنوشي على ما يبدو على الحملة الكبيرة التي تعرض لها أخيراً، ما فهم منه ربما أنه قد يعكس وجود انزعاج حقيقي من السبسي شخصياً، ما دفعه للتلويح بالابتعاد عن الملف. غير أن المعلومات، التي تحصلت عليها "العربي الجديد"، تؤكد أن مصدر هذا الانزعاج قد يكون اللقاء الذي جمع الغنوشي بمدير ديوان الرئيس الجزائري، أحمد أويحيى، والمعارض الليبي علي الصلابي، في بيته. وكانت "العربي الجديد" أشارت إلى أن محور اللقاء كان محاولة إقناع الصلابي بالمبادرة الثلاثية، خصوصاً بضرورة الوجود المصري، وهو ما حصل بالفعل. ويؤكد الغنوشي، في تصريحه إلى "ميدل ايست آي"، أنه "كان هناك لقاء هام في مكتبه، الأربعاء الماضي، بين مدير ديوان الرئيس الجزائري، أحمد أويحيى، وعلي الصلابي، وأنه اقتنع بالمبادرة الثلاثية التونسية-الجزائرية-المصرية لحل الملف الليبي"، مشيراً إلى أن "الصلابي لم يكن مقتنعاً في البداية".

غير أن حقيقة الانزعاج الذي تحدثت عنه شخصيات سياسية تونسية كثيرة ليس جديداً في الواقع، ولم يبدأ مع هذه التحركات الليبية، إنما ترافق مع كل حضور وتحرك هام للغنوشي في قضايا كثيرة، مثلما حدث أثناء زيارته إلى الجزائر واستقباله بشكل رسمي، وبكثير من الاحتفاء من طرف المسؤولين الجزائريين، خصوصاً من الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، وتخصيص الطائرة الرئاسية الجزائرية لسفره، أو أثناء مشاركته في منتدى "دافوس"، أو زيارته إيطاليا، ومن قبلها فرنسا، وكذلك بسبب استقبالاته المتواصلة لسفراء غربيين وعرب. وبرغم أن هذه التحركات، تتم بعلم الرئيس التونسي، مثلما يؤكد الغنوشي، فإنها تعكس في الوقت ذاته نوعاً من التنافس بين الرجلين، عند منتقديه، وربما تشكل تزايداً كبيراً في رصيد الغنوشي الدبلوماسي، وتنامي أدواره الدولية، ما قد يجعله شخصية محورية لا يمكن الاستغناء عنها في بعض الملفات الإقليمية، خصوصاً في الملفين الليبي و"الإخواني".

ويسبب هذا التنامي في رصيد الغنوشي تخوفاً لدى البعض من استخدام هذا الرصيد في الترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما يبدو مستبعداً في الوقت الراهن، ومصدر رفض لدى عدد كبير من قيادات حركة النهضة نفسها، التي يرأسها الغنوشي. وبرغم أن بعض الجهات الدولية تعمل على استغلال التحولات الكبيرة التي تشهدها حركة النهضة، والغنوشي نفسه، في ترويج النموذج التونسي وتصديره إلى الدول التي "توجد فيها مشاكل إخوانية" من ناحية، واستغلال تأثيره الكبير في إسلاميي ليبيا بالذات من ناحية أخرى، فإن كثافة هذه التحركات في الأسابيع الأخيرة شكلت مصدر هذا الانزعاج، بما قد ينعكس خطراً على علاقة التوافق أو التحالف التي تجمع بينه وبين السبسي. ولأن الغنوشي يحرص على استمرارها، لأسباب تونسية ونهضوية، فإنه عبّر عن استعداده للانسحاب من الملف الليبي، إذا طلب السبسي ذلك.

وتعرف جهات إقليمية ومحلية أن حل الملف الليبي، الذي يشكل مصدر ازعاج، اجتماعي واقتصادي وأمني، لتونس وأوروبا، يستوجب توزيع الأدوار وحشد كل الماسكين بأي خيط في ليبيا، لإقناع الجميع بالجلوس حول طاولة واحدة، بمن فيهم الغنوشي الذي يملك علاقات واسعة وتاريخية في ليبيا، ليس مع الإسلاميين وحدهم، وإنما كذلك مع جهات كثيرة، بينها قيادات القذافي السابقة، وعلى رأسها سيف الإسلام القذافي. وكانت "العربي الجديد" كشفت عن مكالمات بين الرجلين، وكذلك عن لقاءات بين الغنوشي وقيادات "قذافية" أخرى في تونس، وسعي نهضوي لفتح قنوات حوار حتى مع اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر. وبحسب معطيات توفرت لـ"العربي الجديد" فإن النهضة كانت ستوفد مبعوثاً هاماً لها إلى شرق ليبيا، بهدف لقاء حفتر وكسر حالة اللاحوار بين الشرق الليبي وغربه. وأكد الغنوشي، في حواره مع "ميدل ايست"، أن له "اتصالات بقائد عملية الكرامة في ليبيا، خليفة حفتر وأنه مستعدّ للقائه... وأن الصلابي له علاقات جيدة جداً بخليفة حفتر". لكن يبدو أن حالة التنافس الداخلية في تونس، ومناخ انعدام الثقة بين كل الأحزاب، خصوصاً على أبواب منافسة انتخابية، تسيطر على تقييم هذه التحركات وتشكل مصدر هذا الانزعاج والتخوفات.