ترامب واللعب بالنار مع المحاكم والقانون

ترامب واللعب بالنار مع المحاكم والقانون

21 فبراير 2019
معارك جديدة في انتظار ترامب (Getty)
+ الخط -
قبل يومين، رفعت 16 ولاية أميركية مجتمعة، دعوى قضائية لوقف تنفيذ قرار إعلان حالة الطوارئ، الذي لجأ إليه الرئيس دونالد ترامب كوسيلة تمكنه من تمويل جزء من الجدار الحدودي مع المكسيك من دون موافقة الكونغرس. بينما تنوي الأكثرية الديمقراطية في مجلس النواب إقامة دعوى مماثلة الأسبوع المقبل. في حين يريد بعض أصحاب العقارات في منطقة الجدار اللجوء إلى القضاء لمنع استملاك أراضيهم لبناء الحائط. وفي الوقت ذاته، أقيمت أو يُجرى الإعداد لإقامة دعاوى فردية في هذا الخصوص.

وتستند هذه الجهات في مقاضاتها إلى ثلاث نقاط قانونية ــ دستورية قوية: الأولى أن الرئيس سبق وطلب التمويل من الكونغرس (5.7 مليارات دولار كدفعة أولى)، وهو ما رفضه هذا الأخير. وبالتالي، فإن توسل الرئيس بخيار الطوارئ ليس سوى التفافٍ غير مشروع على الكونغرس.

أما النقطة الثانية، فهي أن حالة الطوارئ التي يتذرع بها ترامب غير متوفرة. هناك أزمة إنسانية وفوضى في بعض مناطق الحدود، لكنها لا ترقى إلى مستوى الحالة التي تقتضي إعلان الطوارئ. والثالثة، أن خطوة الرئيس خرق لمبدأ فصل السلطات الذي كرسه الدستور، إذ قرر التصرف بالمال العام من دون موافقة الكونغرس باعتباره أمين الخزينة وصاحب الصلاحية الحصرية في الشؤون المالية، بموجب الدستور.

وردّت الإدارة بأن هناك حالة أمنية خطيرة على الحدود يتسبب فيها "زحف" المهاجرين واللاجئين من بعض بلدان أميركا الجنوبية، مع ما يرافق ذلك من دخول مخدرات وعنف ومشكلات تشكل عبئاً وتهديداً للسلم الأهلي، وبالتالي هناك حاجة ماسة لبناء جدار أو حاجز مادي لوقف تدفق هذه الموجات والحيلولة دون دخولها غير القانوني إلى الولايات المتحدة. وبما أن الكونغرس رفض تمويل هذا المانع، فقد اضطر ترامب إلى البحث عن مخرج للتمويل وجده في قانون 1975 الذي يخوّل البيت الأبيض نقل بنود من مخصصات مالية سبق ووافق عليها الكونغرس واستخدامها لأغراض أخرى طارئة، شرط أن يشرح ويبرر ذلك "بالتفصيل".

الجدل في ما إذا كان قانون 1975 يسري في حالة الجدار أم لا، أحيل إلى المحاكم الآن. ورقتان قويتان بيد فريق الاعتراض: الدستور وعدم جواز القفز من فوق الكونغرس. البيت الأبيض يملك هو الآخر ورقة لا يستهان بها وهي أن الشأن الأمني متروك أمره للسلطة التنفيذية، وعادة تميل المحاكم إلى النأي عن المنازعة مع الإدارة حول هذه الصلاحية.

التوقعات ترجح كفة الاعتراض لامتلاكه الحجة الدستورية التي تتقدم على القانون، لكن بلا ضمانة، خاصة أن القرار الحاسم سيكون بالنهاية للمحكمة العليا المتوقع أن تنتهي هذه الدعاوى على قوسها بعد فترة ستة أشهر إلى سنة، وأنها بحكم تركيبتها قد تفصل لصالح الرئيس كما سبق وفعلت في قضية منع سفر مواطني ست دول إسلامية إلى أميركا.

لكن مهما كان قرار المحاكم في هذه الدعاوى، فإنها تبقى أقل كلفة ووطأة على ترامب مقارنة بحزمة متاعبه القانونية الأخرى التي تقترب استحقاقاتها، خاصة قرار المحقق روبرت مولر الذي صار جاهزاً لإعلانه مطلع الأسبوع المقبل، بحسب تسريب صدر، أمس الأربعاء، عن وزارة العدل. وعدم تكذيبه حتى الآن، يعني أن الخبر صحيح وأن الوزارة تعمدت تمريره المسبق لتهيئة الأجواء. وتزامن ذلك مع تسريبات أخرى وإفادات تعزز الاعتقاد بأن التقرير سيكون من الوزن الثقيل.

وحصلت "نيويورك تايمز" على معلومات عشية صدور التقرير، تفيد بأن الرئيس "حاول التدخل" في الدعوى التي تنظر فيها محكمة منطقة جنوب نيويورك ضد مايكل كوهين المحامي والصديق القديم للرئيس ترامب، إذ طلب ترامب، أخيراً، من وزير العدل بالوكالة مايكل ويتيكر، "استبدال المدعي العام هناك بآخر مقرب منه" بحسب "نيويورك تايمز". وهذه مخالفة صارخة للقانون إذا ثبتت وقائعه، لأنه يعتبر بمثابة محاولة "لعرقلة سير العدالة".

وما يفاقم المشكلة هو أن نائب مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، أندرو ماكاب، أفاد في مقابلاته المتعددة في اليومين الماضيين بمناسبة صدور كتابه، بأنه "من الممكن" أن يكون ترامب قد تصرف "كعميل" لروسيا. ويضيف أن الشك في هذا الأمر والمبني "على أفعال وأقوال الرئيس" هو ما حمل الـ"أف بي آي" على "فتح تحقيق في هذا الخصوص". لكن الرئيس يقول مع فريقه إن ماكاب والـ"أف بي آي" حاولا تنظيم "انقلاب" ضده.

ليس من المتوقع أن ينقشع غبار هذا الاشتباك قبل صدور تقرير مولر. لكن صدوره قد يثير مشكلات أخرى سياسية وقانونية لو اختار وزير العدل استخدام صلاحياته وقرر عدم الإفصاح عن كامل مضمونه، مكتفياً برفع خلاصة استنسابية عما توصل إليه مولر. الأمر الذي لا بد أن يؤدي إلى فتح معارك جديدة، وبما يكفل استمرار تناسل المشكلات التي أطلقتها مجازفات ترامب ولعبه بالنار مع القانون والمحاكم.

المساهمون