عودة الخلافات الداخلية الإيرانية بعناوين قديمة وحديثة

عودة الخلافات الداخلية الإيرانية بعناوين قديمة وحديثة

28 يناير 2020
دعا روحاني إلى إجراء انتخابات تنافسية (الأناضول)
+ الخط -


من تداعيات اغتيال قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني، في غارة أميركية في 3 يناير/ كانون الثاني الحالي في بغداد، أن الحادث حقق انسجاماً داخلياً في إيران، ظهر في المشاركة المليونية في تشييع جثمانه. إلا أن هذا المشهد لم يدم كثيراً، إذ عادت الخلافات والانقسام السياسي الداخلي من جديد، حول عناوين داخلية وخارجية، أهمها في الوقت الحاضر، موضوع الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 21 فبراير/ شباط المقبل، والتفاوض مع واشنطن بعد اغتيال سليماني، بعد إعلان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، استعداد بلاده لإجراء مفاوضات معها بشرط رفعها العقوبات.

وتعود الخلافات الداخلية في إيران إلى الواجهة "في ظروف مختلفة وحساسة للغاية" تمر بها البلاد، كما وصفها الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس الإثنين، قائلاً إن هذه المرحلة "ليست أياماً سهلة لإيران، ومنذ العامين الأخيرين نتعرض لأقسى وأشد الضغوط الاقتصادية والسياسية والإعلامية". وأضاف أن دول العالم "لم تكن تتخيل أن نصمد أكثر من أشهر"، إلا أنه في مواجهة هذه التحديات، قدّم وصفة "الوحدة والانسجام في الداخل" لمنع "أميركا من الانتصار" في المعركة الراهنة. هذه الوصفة، رغم التوافق على عنوانها العريض بين القوى السياسية، لكنها بعيدة عنها، لوجود فجوة شاسعة في الرؤى حيال السياستين الداخلية والخارجية، اللتين تندرج تحتهما عناوين الخلافات المستجدة.

وفي السياسة الداخلية، فإن العنوان الخلافي المحتدم هذه الأيام بين الإصلاحيين والمحافظين، والمؤسسات الخاضعة لسيطرتهما أو المدعومة منهما، يرتبط بالانتخابات التشريعية، بعد اقتراب موعدها. وكان مجلس صيانة الدستور، المقرب من المحافظين، قد رفض أهلية معظم المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي، الذين ترشحوا أساساً في ظل عزوف كبار الشخصيات الإصلاحية عن الترشح. كما رفض مرشحين محافظين معتدلين، من بينهم 90 نائباً إيرانياً بالبرلمان الحالي لأسباب متعددة، منها قضايا مالية وعدم الالتزام العملي بالإسلام.

وفي السياق، يتهم الإصلاحيون وأنصار حكومة روحاني خصومهم السياسيين بالسعي، عبر مجلس صيانة الدستور، لتوحيد السلطات في البلاد تحت العنوان المحافظ، وإخضاعها بالكامل لهذا اللون السياسي، من خلال إقصاء التيارات المنافسة من البرلمان، تحضيراً لانتزاع الرئاسة منهم خلال انتخابات 2021، بحسب قولهم، وهو أمر محتمل على ضوء تراجع دور الإصلاحيين ومشروعهم لأسباب عدة. إلى ذلك، جدّد روحاني، أمس الإثنين، انتقاداته لرفض أهلية المرشحين، داعياً إلى إجراء انتخابات تنافسية، والفوز فيها عبر التنافس، وفي الوقت نفسه، عدم مقاطعة الانتخابات، مع كشفه أيضاً عن توجيه "رسائل لازمة" لإعادة النظر في رفض الترشيحات، من دون تسمية الجهات التي خاطبها. وحذر روحاني، في تغريدة نشرها على حسابه بـ"تويتر"، مساء الإثنين، من تحول الانتخابات إلى "أمر شرفي، بحيث يقومون بالتعيينات من مكان آخر والناس يذهبون إلى صناديق الاقتراع لأداء شرف الانتخابات فقط"، قائلاً إن ذلك "يشكل أكبر خطر على السيادة الوطنية".

كما لا يخفى أن سقوط طائرة الركاب الأوكرانية، في الثامن من الشهر الحالي، "عن طريق خطأ" من قبل الدفاع الجوي للحرس الثوري، خلال شنه هجمات صاروخية على قاعدتين أميركيتين في العراق، رداً على اغتيال سليماني، كان له مفعول في تصعيد الخلافات الداخلية. فمن جهة، أدى التأخر في الكشف عن السبب الحقيقي لسقوط الطائرة بصاروخ لثلاثة أيام إلى امتعاض الإيرانيين واحتجاجات في بعض المدن، ومن جهة أخرى، زاد الشرخ بين روحاني والمحافظين، بعدما أخفي عنه موضوع إسقاط الطائرة بصاروخ لعدة أيام، حيث علم بذلك بعد يومين من سقوطها، بحسب قوله.


أما العنوان الثاني للخلافات الدائرة هذه الأيام بين الرئاسة الإيرانية والقوى الداعمة لها، والمحافظين والمؤسسات الخاضعة لسيطرتهم، فيرتبط بأمرين، الأول، موضوع التفاوض مع الإدارة الأميركية، خصوصاً بعد اغتيالها سليماني. وأشعلت تصريحات ظريف لمجلة "دير شبيغل" الألمانية، السبت الماضي، موجة انتقادات حادة من التيار المحافظ، وصل إلى تنظيم تجمع احتجاجي، أمس الإثنين، أمام وزارة الخارجية، بعد تأكيد ظريف وجود إمكانية للتفاوض مع واشنطن شرط رفعها العقوبات عن طهران، في معرض رده على سؤال للمجلة عما إذا كانت الإمكانية ما زالت متوفرة للتفاوض بعد اغتيال سليماني. ويشير حجم الانتقادات لظريف إلى أن حادث الاغتيال أعاد الوضع إلى ما قبل 2010، عندما كان هناك حظر على مبدأ التفاوض، وكان الحديث عنه بمثابة جريمة أو خيانة كبرى.

والأمر الثاني هو الخلاف المتصاعد بشأن الانضمام إلى مجموعة العمل المالي، "فاتف"، بعد اقتراب نهاية المهلة الممنوحة لإيران في فبراير/ شباط المقبل. وتعتبر الحكومة الانضمام إلى "فاتف" ضرورياً لمنع جلب حظر دولي على التعاملات المالية والمصرفية الإيرانية على ضوء العقوبات الأميركية. إلا أن خصومها المحافظين يرون أن هذا الانضمام يضيق الخناق أكثر على الاقتصاد الإيراني، ويكشف طرق التفاف طهران على العقوبات. كما أنه يستهدف الدعم الإيراني لحلفائها في المنطقة، بحسب قولهم.

وفي السياق، انتقد روحاني عدم موافقة مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني على اتفاقية "باليرمو" (لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود)، واتفاقية "سي إف تي" لمكافحة تمويل الإرهاب لتمكين إيران من الانخراط في "فاتف"، وهما اتفاقيتان أقرتهما الحكومة والبرلمان سابقاً. لكن بعد رفضهما من قبل مجلس صيانة الدستور، تمت إحالتهما إلى مجمع التشخيص، الذي لم يصدر قراره التحكيمي بشأنهما، بينما انتهى، بحسب اللوائح الداخلية للمجمع، وقت مناقشتهما. ويعني هذا الأمر أن المعركة القانونية بشأن الاتفاقيتين انتهت لصالح المحافظين، الأمر الذي أكده أيضاً أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، أمس الإثنين، بقوله إنه بعد استيفاء المدة القانونية "فإن قرار مجلس صيانة الدستور سيسري"، أي رفض إقرار " باليرمو" و"سي إف تي" وعدم الانخراط في "فاتف".

أما بالنسبة لتداعيات الخلافات الجارية، فإنه يمكن النظر إليها في سياقين، الأول خارجي، أي المواجهة مع واشنطن، إذ من شأنها أن تضعف موقف طهران في هذه المواجهة وتشجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تشديد الضغوط عليها. ويأتي الثاني في سياق المعادلات الداخلية، حيث إنه وعلى ضوء رجحان كفة موازين القوة لصالح التيار المحافظ، فإنه يمكن للأخير أن يربح المعركة في نهاية المطاف بعناوينها الخلافية في ظل تراجع حظوظ الإصلاحيين في المشهد السياسي.