لماذا احتوت "حماس" وإسرائيل التصعيد في غزة بسرعة؟

لماذا احتوت "حماس" وإسرائيل التصعيد في غزة بسرعة؟

22 يوليو 2018
من القصف الإسرائيلي على غزة الجمعة (بشار طالب/فرانس برس)
+ الخط -
للوهلة الأولى بدت موافقة حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي السريعة على العودة للتهدئة في أعقاب التصعيد الخطير الذي حدث الجمعة في قطاع غزة، مفاجئة إلى حد كبير. فقد أعطت التهديدات التي صدرت عن المؤسستين السياسية والأمنية في تل أبيب في أعقاب الإعلان عن قيام "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، بقتل أحد جنود الاحتلال الذين يتمركزون على الحدود، الانطباع بأن ردة الفعل الإسرائيلية ستكون كبيرة لدرجة أن تفضي ردود "حماس" عليها إلى الانجرار لمواجهة شاملة، على غرار تلك التي وقعت في صيف 2014.

لكن حسابات الطرفين دفعتهما إلى تجاوز هذا التصعيد والاستجابة بشكل سريع للوسطاء الإقليميين والدوليين الذين تدخّلوا لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه. فحركة "حماس" معنية بإنهاء التصعيد الأخير، لأنها نجحت خلاله، مرة أخرى، في تثبيت قواعد الاشتباك التي أعلنت أنها بصدد فرضها، والمتمثلة في الرد على كل عدوان إسرائيلي يسفر عن سقوط شهداء للمقاومة. فالحركة ردت على استشهاد ثلاثة من عناصرها الخميس بقنص وقتل أحد جنود الاحتلال. لكن "حماس"، في الوقت ذاته، تعاطت بواقعية، ولم ترد على القصف الإسرائيلي الذي طاول ليلة الجمعة بعض معسكراتها، وذلك لتمكين القيادة الإسرائيلية من "النزول عن الشجرة" في أعقاب قتل الجندي.

من جهة ثانية، فإن "حماس" معنية بتطويق التصعيد من أجل توفير بيئة تسمح بنجاح الجهود المصرية الهادفة إلى إنجاز المصالحة الوطنية، على اعتبار أن تطبيق المصالحة يفترض أن يفضي إلى إحداث تحوّل على البيئة الاقتصادية والإنسانية في غزة، مما يعني تقليص الأعباء السياسية والعسكرية على الحركة جراء مواصلتها إدارة حكم القطاع. إلى جانب إدراك الحركة أن مواجهة شاملة ستفضي إلى المس بقدراتها العسكرية، على الرغم من أنها أثبتت أنها قادرة على مفاجأة إسرائيل.

في الوقت ذاته، فإن القيادة الإسرائيلية كانت معنية أيضاً بتطويق التصعيد لأنها تعي أن قدرتها على مواصلة تكتيك السير على حافة الهاوية في مواجهة "حماس" محدودة للغاية، على اعتبار أن تصعيد عملياتها الحربية سيفضي إلى مواجهة ليس فقط لن تحقق مصالح إسرائيل، بل إنها ستؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في الجنوب، إلى جانب المس بمكانتها الدولية.


وتدرك إسرائيل أن مواجهة شاملة مع "حماس" قد تجبرها على إعادة احتلال القطاع، مما يجعلها في مواجهة سيناريوهين، لا ثالث لهما. فإما أن تتورط بالبقاء لوقت طويل في القطاع، مما يعني تحمّلها التبعات الاقتصادية والأمنية السياسية الناجمة عن هذا الواقع. وإما أن تنسحب من القطاع لتعمّ الفوضى، على اعتبار أن غزة ستكون من دون عنوان سلطوي يمكن لتل أبيب جباية أثمان منه؛ وهو ما يعني أن الأوضاع الأمنية في المستوطنات في غلاف غزة وجنوب إسرائيل ستزداد سوءاً فقط.

إلى جانب ذلك، فعلى الرغم من تكثيف الاتصالات بين تل أبيب وموسكو بشأن الأوضاع في سورية، إلا أن إسرائيل تخشى أن يفضي حرصها على تطبيق استراتيجيتها القاضية بعدم السماح لإيران بالتمركز في سورية، لا سيما في منطقة الجولان، إلى إشعال الجبهة الشمالية، مما يعني أنه لن يكون من الحكمة الدفع نحو مواجهة مع "حماس" في الوقت الحالي. وبسبب مصلحتها الواضحة في عدم الانجرار إلى مواجهة شاملة مع القطاع، فقد تبين أن إسرائيل، وفي تطور دراماتيكي، باتت معنية لأول مرة بتحقيق المصالحة الفلسطينية، كما قالت أمس النسخة العبرية لموقع "المونتور".

لكن الجدل الإسرائيلي الداخلي وميل الفرقاء الأكثر تطرفاً داخل الائتلاف اليميني الحاكم لمحاولة الحصول على مكاسب سياسية على الصعيد الداخلي من خلال استغلال المواجهة مع غزة، قد يقلص في النهاية هامش المناورة أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ويدفعه مجدداً لإعاقة التحركات الدولية والإقليمية الهادفة إلى إحداث تحوّل على الواقع الاقتصادي والإنساني في القطاع.

فعلى سبيل المثال، في حال أصر نتنياهو تحت تأثير الضغوط التي يمارسها بعض وزرائه على ربط موافقة إسرائيل عل مشاريع إعادة تأهيل غزة اقتصادياً بملف الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس"، فإن هذا الأمر سيقلص من فرص تطبيق هذه المشاريع، مما يعني توتير الأوضاع مجدداً ويعزز فرص اندلاع مواجهة شاملة. مع العلم أن حركة "حماس" لا تعارض معالجة موضوع الأسرى، لكنها تشترط أن يتم ذلك في إطار صفقة تبادل يقوم الاحتلال من خلالها بالإفراج عن عدد كبير من الأسرى الذين تقول إسرائيل إن "إياديهم ملطخة بدماء" جنودها.

المساهمون