العراق ممر استراتيجي لجيرانه: طرق دولية بأهداف سياسية وأمنية

العراق ممر استراتيجي لجيرانه: طرق دولية بأهداف سياسية وأمنية

28 يوليو 2019
أُعيد افتتاح معبر طريبيل مطلع العام الحالي (صلاح ملكاوي/Getty)
+ الخط -

جاءت تصريحات الوزير العراقي السابق، النائب الحالي محمد شياع السوداني، بشأن وجود نيّة تركية لإنشاء طريق يربط محافظة البصرة جنوبي العراق بالأراضي التركية مروراً بعدة محافظات عراقية، وقبل ذلك الحديث عن تحضيرات إيرانية لمد طريق يربط طهران بدمشق مروراً بمحافظة نينوى العراقية، لتؤشر إلى الأهمية الاستراتيجية التي بدأ يشكلها العراق بالنسبة لجيرانه، خصوصاً لتركيا وإيران بعد انتصاره في الحرب ضد تنظيم "داعش"، كما تكشف عن أهداف سياسية وأمنية وراء هذه التحركات. وأشار السوداني إلى "وجود رغبة تركية في إنشاء طريق استراتيجي يربط ميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة بالأراضي التركية مروراً بمحافظات عراقية"، موضحاً في بيان عقب لقائه وزير النقل عبد الله لعيبي أن "شركات تركية لديها رغبة بالاستثمار في أحد أجزاء مشروع بناء ميناء الفاو". وهو عبارة عن طريق يمر عبر نفق في خور الزبير في البصرة، مروراً بصحراء السماوة، ثم من الأنبار باتجاه الشمال وصولاً إلى الحدود العراقية التركية.

وأكد مسؤول عراقي رفيع، لـ"العربي الجديد"، أن "العلاقات العراقية التركية جيدة، ولا توجد أي مشاكل سياسية بين الطرفين يمكن أن تعرقل إنشاء مثل هذا الطريق"، مستدركاً "إلا أن المعضلة تكمن في قضية أمن الطريق الذي يمر عبر مناطق صحراوية طويلة تمتد لمئات الكيلومترات". وأضاف أنه "لغاية الآن الطريق بين جنوب العراق وتركيا مجرد أحاديث مطروحة، إلا أن الموافقة عليه يجب أن تكون مترافقة مع خطة أمنية محكمة"، موضحاً أن "مثل هذا الطريق يحتاج إلى أعداد لا بأس بها من عناصر الحماية، وكاميرات وطائرات مراقبة".

من جهته، توقّع عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، سعران عبيد، أن "ترافق صعوبات لوجستية إنشاء الطريق من البصرة إلى تركيا بسبب طول المسافة، ومرور الطريق في حال أنشئ في أكثر من محافظة عراقية"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "محافظات الجنوب مؤمنة، إلا أن بعض المشاكل ستواجهه في محافظة الأنبار (غرباً) التي تتطلب المزيد من الجهد الأمني". ولفت إلى أن "الطريق من المفترض أن يمر أيضاً بمحافظة صلاح الدين التي توجد فيها مناطق تشهد خروقات أمنية"، متوقعاً أن "يواجه نجاح الطريق صعوبات عدة، أبرزها وجود وسائل نقل منافسة كالطائرات والبواخر والسكك الحديد".



وفي إبريل/نيسان الماضي، دعا رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إلى إعادة خط السكك الحديد من البصرة إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، مشدداً خلال استقباله وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو على ضرورة تعزيز الشراكة مع تركيا في مختلف المجالات. ولا يقتصر التفكير بإنشاء طريق دولي جديد في العراق على تركيا، إذ سبق لإيران أن أعربت عن نيّتها مد طريق دولي آخر نحو سورية يمر عبر الأراضي العراقية.
وقال وزير النقل وبناء المدن الإيراني محمد إسلامي، في فبراير/شباط الماضي، إن "بلاده بصدد شق طريق إلى سورية عبر الأراضي العراقية"، مؤكداً أن "هذه الخطوة تأتي ضمن سلسلة مشاريع تهدف إلى زيادة التعاون بين إيران وسورية والعراق".

ورأى عضو البرلمان العراقي السابق نديم الجابري في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن الدعوة لإنشاء هذه الطرق جاءت لأن العراق لديه موقع استراتيجي مهم لجهة الثوابت الاستراتيجية، مؤكداً أن استتباب الأمن في البلاد هو الذي شجع دول العالم على الاهتمام به. ولفت إلى أن "لدى تركيا اعتبارات سياسية لتطوير العلاقات مع العراق، وأمنية لكسب تعاون بغداد ضد حزب العمال الكردستاني"، معتبراً أن "إيران تحاول تحويل العراق إلى حديقة خلفية، يمكن لها أن تقلل من أثر الحصار الذي تفرضه عليها واشنطن".

أما عضو التيار المدني العراقي، علاء الشيخ، رأى أن "مد الطريق الإيراني لا يقف عند التعاون المشترك بين البلدان الثلاثة"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "الإيرانيين لديهم أيضاً غايات سياسية وأمنية، أبرزها إيجاد طريق يمر عبر محافظة ديالى العراقية ثم الموصل وصولاً إلى الحدود مع سورية بعيداً عن الطريق السابق المؤدي إلى سورية، المارّ عبر محافظة الأنبار التي تتواجد فيها أكبر قاعدة عسكرية أميركية (قاعدة عين الأسد)".

ولفت إلى أن "الطريق الجديد للإيرانيين يمر عبر مناطق تخضع نسبة كبيرة منها لنفوذ فصائل الحشد الشعبي المدعومة من طهران". وأضاف "أما في ما يتعلق بالطريق المؤدي من البصرة إلى تركيا، فإنه نتاج طبيعي لتطور العلاقات بين بغداد وأنقرة"، مؤكداً أن "الأتراك ينظرون إليه على أنه نقطة مهمة لتشجيع الاستثمار، في حين يرى فيه العراقيون نصراً استراتيجياً جديداً يعزز من علاقات بغداد مع دول الجوار، أما الإيرانيون فينظرون إلى هذا الطريق بقلق كون الاستثمارات التركية ستصل إلى جنوب العراق المعروف بأن الكثير من مناطقه خاضعة للنفوذ الإيراني".

من جهته، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق، حامد المطلك، إلى "وجود أبعاد سياسية قد تتسبّب في نجاح هذه الطرق أو فشلها"، معتبراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الإرباك الأمني، وضعف القرار العراقي، وتشتت الأوضاع الداخلية، أمور قد تؤثر في نجاح مثل هذه المشاريع". وشدد على "ضرورة النظر إلى مصلحة البلاد قبل الموافقة على إنشاء هذه الطرق"، مشيراً إلى الحاجة لمد طرق التواصل مع تركيا وإيران. وأضاف "لكن مصلحة العراق يجب أن تكون قبل كل شيء، ويجب أن تُدرس هذه المشاريع بشكل دقيق"، محذراً من الخضوع للتدخلات الخارجية. ويرتبط العراق مع ست دول حدودية هي تركيا وسورية والأردن والسعودية والكويت وإيران، ولديه منافذ برية مع كل هذه الدول، كما أن أكبر الطرق الدولية في العراق هي طريق بغداد ـ عمان السريع العابر لمحافظة الأنبار، والذي أُعيد افتتاحه مطلع العام الحالي، وكذلك الطريق الدولي مع سورية عبر الأنبار أيضاً، والذي يقول مسؤولون عراقيون إنه سيفتتح خلال الفترة المقبلة.


المساهمون