“الفرقة الرابعة"... مساعٍ روسية إلى تحجيم دورها

“الفرقة الرابعة"... مساعٍ روسية إلى تحجيم دورها في سورية

15 يونيو 2020
ارتكبت الفرقة الرابعة مجازر في حمص (فرانس برس)
+ الخط -

ارتبط اسم "الفرقة الرابعة" في قوات النظام السوري بالبطش والترهيب الذي مارسته على السوريين منذ آذار/ مارس من عام 2011، إذ اعتمد عليها النظام لمحاصرة الثورة، لكونها الفرقة الأهم في جيشه، تسليحاً وتدريباً، فضلاً عن كون أغلب ضباطها وعناصرها يوالون النظام ولاءً مطلقاً. وعادت هذه الفرقة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلى واجهة الأحداث مجدداً، مع محاولة عدة عناصر الانشقاق عنها في ريف دمشق، بالتزامن مع محاولة روسية لتحجيم دور هذه الفرقة المحسوبة على الجانب الإيراني.

وقُتل ثمانية عناصر من الفرقة الرابعة، أول من أمس السبت، نتيجة مواجهات على خلفية محاولة انشقاقهم في مدينة الضمير في ريف دمشق الشمالي الشرقي، وفق شبكة "صوت العاصمة" المحلية، التي أشارت إلى أنّ أربعة من العناصر هم من أبناء المدينة ممن كانوا قد وقّعوا على تسوية مع النظام عام 2018. وأكدت الشبكة أنّ قيادة الفرقة الرابعة استقدمت تعزيزات كبيرة، مدعومة بأكثر من 10 آليات عسكرية بين دبابات وعربات "بي أم بي"، إلى محيط منطقة المحطة على أطراف مدينة الضمير، مشيرةً إلى أنّ النظام استخدم طائرات حربية نفذت ثلاث غارات جوية على الأقل، استهدفت مكان تحصن المجموعة، بالتزامن مع إغلاق قوات النظام جميع مداخل ومخارج الضمير.

ويأتي الحادث في ظلّ حديث عن أوامر روسية للفرقة بسحب جميع حواجزها المنتشرة في جميع المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام، وفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" الذي أشار إلى أنّ "ماهر الأسد رفض الأوامر الروسية رفضاً قاطعاً". لكن مصادر محلية أكدت لـ"العربي الجديد" أنّ الفرقة سحبت بالفعل حواجزها التي كانت موجودة في الجهة المقابلة لمعبر "أبو كهف" الذي يربط مناطق النظام مع منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، ومن معبر "الطبقة" الذي يربط مناطق النظام مع محافظة الرقة من الجهة الجنوبية الغربية.

ومع بدء الثورة السورية في مارس/ آذار من عام 2011، برزت الفرقة الرابعة إلى واجهة المشهد السوري، إذ اختارها النظام لمواجهة الاحتجاجات التي كانت تتصاعد، بسبب ثقته المطلقة بها، لكون أغلب ضباطها وعناصرها مختارين بعناية من أصحاب الولاء المطلق للعائلة الحاكمة للبلاد منذ خمسين عاماً. كذلك أنّ ماهر الأسد كان القائد الفعلي لهذه الفرقة التي تتخذ من مناطق عدة في محيطي دمشق الشمالي والغربي نقاط تمركز لها. وكان موقع "زمان الوصل" السوري المعارض قد نقل عمّا وصفه بـ"مصدر عسكري مختص" قوله إنّ "معسكرات الفرقة الرابعة تنتشر في المنطقة الممتدة من غربي العاصمة دمشق، وصولاً إلى الحدود اللبنانية، على مساحة تقدر بآلاف الدونمات، في منطقة تعتبر من أجمل مناطق ريف دمشق، وتصنف كأغلى منطقة عقارية في سورية، حيث يبلغ سعر المتر المربع الواحد فيها آلاف الدولارات".

ومع تصاعد الحراك الثوري في البلاد، بدأت تطرق أسماع السوريين أنباء المجازر التي ترتكبها الفرقة في درعا وحمص، ولاحقاً في الساحل السوري وفي شمال البلاد. وأراد النظام من خلالها ترهيب السوريين، كي يتراجعوا عن ثورتهم، لكن المجازر التي كانت تُرتكب دفعت الثورة السلمية إلى العسكرة، إذ اضطرّ السوريون إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، خصوصاً أنّ عناصر الفرقة الرابعة انتهكوا الأعراض، فضلاً عن شروعهم لاحقاً في ما بات يُعرف بـ"التعفيش"، أي سرقة بيوت السوريين وبيع محتوياتها في أسواق خاصة انتشرت في مدينة حمص وفي الساحل السوري.

ويعود تأسيس الفرقة الرابعة إلى عهد الأسد الأب، الذي بدأ مع تسلمه السلطة في عام 1970 في سياسة تعزيز نفوذ الموالين له من أبناء الطائفة العلوية في الجيش السوري والأجهزة الأمنية للحفاظ على السلطة. وتؤكد مصادر متقاطعة أنّ رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، كان له الدور البارز في إنشاء هذه الفرقة التي كانت حكراً على أبناء الطائفة العلوية؛ ضباطاً وعناصر. وبعد إبعاد رفعت الأسد عن سورية، عقب محاولته الانقلاب على شقيقه في عام 1984، دُمجَت "سرايا الدفاع" التي كان يقودها في "الفرقة الرابعة" التي بلغ عدد أفرادها في عام 2011 نحو 15 ألفاً. وكانت مهمة هذه الفرقة قبل الثورة حماية النظام في دمشق، حيث كانت تتبع لـ"الحرس الجمهوري"، ولكن بسبب عدم الخشية من حصول انشقاق في صفوفها، زجّ بها بشار الأسد في مواجهة السوريين في الأيام الأولى من الثورة، إذ أرسلت قطعة منها إلى محافظة درعا التي انطلقت منها الثورة السورية.

ومع اتساع نطاق الثورة السورية، وزّع النظام كتائب هذه الفرقة وألويتها على المناطق المشتعلة في حمص وحماة وإدلب والساحل السوري، حيث عمدت على الفور إلى ارتكاب المجازر بحق السوريين المنتفضين بوجه النظام. واستخدمت الفرقة التي تعدّ الأفضل تسليحاً وتدريباً في جيش النظام، الأسلحة الثقيلة، وخصوصاً الدبابات الروسية في عمليات الاقتحام للمدن السورية، ولا سيما في مدينة حمص التي سُوّيت أحياء كاملة فيها بالأرض.

وكان ضباط سوريون منشقون قد تحدثوا عن أنّ الفرقة الرابعة تضم لواءي دبابات، ولواء مشاة، ولواء مشاة محمولاً، وفوج إنزال، وكتيبة مهام خاصة، إضافة إلى كتائب كيمياء واستطلاع ونقل وإشارة، ومظلات، وشرطة عسكرية، وتسليح. وتؤكد مصادر في المعارضة السورية أنّ آلاف العناصر التابعين للفرقة قتلوا في المعارك مع فصائل المعارضة، إضافة إلى نحو 1800 ضابط، مشيرةً إلى أنّ الفرقة "تتدارك على الفور النقص بالعناصر والضباط من الفرق الأخرى في الجيش". وفتحت الفرقة خلال العامين الأخيرين الباب أمام مقاتلي المعارضة الذين أجروا تسويات مع النظام، للانضمام إليها، وذلك للزج بهم في المعارك مع فصائل المعارضة، من أجل التخلّص منهم.

وينشر ماهر الأسد حواجز لفرقته على كل الطرق في مناطق النظام، من أجل تحصيل إتاوات من المدنيين، إذ تؤكد مصادر مطلعة أنّ الفرقة الرابعة تجني أموالاً طائلة من وراء "أخذ الإتاوات والابتزاز الممنهج" على حواجزها.

في السياق، أوضح العميد المنشق عن جيش النظام، فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الفرقة الرابعة موالية للجانب الإيراني"، مشيراً إلى أنّ النظام "صرف الأموال الباهظة عليها، لتكون القوة الضاربة الأولى والأكثر تميّزاً لدى نظام الأسد الأب ثمّ الابن". وتابع بالقول: "هذه الفرقة هي التي طوّقت مدينة حماة في عام 1982 ونفذت الهجوم عليها، حيث ارتكبت مجازر بأهلها، وبالتالي تحمل إرثاً كبيراً من الإجرام". وأوضح حسون أن الفرقة الرابعة تضمّ "متطرفي الطائفة العلوية"، مشيراً إلى أنّ عدد ضباط الفرقة وعناصرها الآن "يبلغ نحو عشرين ألفاً".

ولفت حسون إلى الدور الذي اضطلعت به الفرقة في قمع ثورة الشعب السوري، قائلاً إنها "انتشرت في معظم المدن السورية، ومنها حمص التي انتشرت فيها دبابات الفرقة الرابعة الحديثة والمتطورة من نوع تي 72. وكانت مجزرة الساعة الشهيرة (عام 2011) من أولى المهام التي قامت بها هذا الفرقة في مدينة حمص، ثمّ تتالت عمليتها الإجرامية بسلاح الدبابات والمدفعية، إذ دكّت أحياء بابا عمرو والخالدية. كذلك حاصرت مدينتي الرستن وتلبيسة في ريف حمص الشمالي".

وأشار حسون كذلك إلى أنّ هذه الفرقة "شاركت بعمليات قمع وتدمير وتهجير وقتل السوريين في حلب، وجبل الأكراد في الساحل"، مضيفاً: "وفق توثيقاتنا، شاركت الفرقة في حصار درعا والرستن وتلبيسة وجسر الشغور وبانياس، وخاضت معارك همجية في حمص ودمشق ووادي بردى والقابون وجوبر وحرستا وغيرها". وعن مستوى تسليح الفرقة الرابعة، قال حسون إنها "تمتلك أسلحة مميزة".