أوجه دعم السيسي للبشير: استشارات أمنية وإعلامية ومساعدات اقتصادية

أوجه دعم السيسي للبشير: استشارات أمنية وإعلامية ومساعدات اقتصادية

18 يناير 2019
لم يقدم السيسي مساعدات للبشير بدون مقابل(أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -


خص الرئيس السوداني عمر البشير، خلال خطابه في مدينة نيالا، جنوب دارفور، الإثنين الماضي، عدداً من الدول، بينها مصر، وشكرها على المساعدات التي قال إن هذه الدول قدمتها لحل المشكلة الاقتصادية التي كانت السبب الرئيس في اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السودان منذ شهر. لكن مصادر حكومية مصرية كشفت، لـ"العربي الجديد"، أن الدعم الاقتصادي الذي قدمه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لنظام البشير ليس السبب الرئيس وراء شكر مصر، لافتةً إلى أن المساعدات اتخذت صوراً أخرى، سياسية وإعلامية وأمنية، فضلاً عن كشفها مراحل تطور تعامل السيسي مع الاحتجاجات الشعبية الراهنة في السودان.

وبحسب المصادر، فإن الأسبوعين الماضيين شهدا تشكيل لجنة استخباراتية أمنية مشتركة بين البلدين، يشرف عليها مباشرة مدير الاستخبارات المصرية ومدير مكتب السيسي سابقاً، اللواء عباس كامل، لتقديم النصائح للنظام السوداني ودعمه لاتخاذ قرارات أمنية وإعلامية مناسبة، على ضوء تمتُّع الأجهزة المصرية بخبرة أوسع في التعامل مع هذه الظروف. وأضافت المصادر أن اللجنة قدمت للخرطوم استشارات أمنية تتعلق بخطط مواجهة المتظاهرين في الميادين المفتوحة والشوارع وأماكن مختلفة، من وحي الخطط الأمنية التي تتبعها الشرطة المصرية لإجهاض التظاهرات والتجمعات منذ العام 2016.

ومن أوجه المساعدة أيضاً أن هذه اللجنة لعبت دوراً وسيطاً لتبادل المعلومات بين النظام السوداني وبعض أطراف المعارضة الذين يرون، حسب المصادر، أن الإطاحة بالبشير لم تعد ممكنة، وأنه من الواقعي استغلال الحراك الشعبي الحالي لتطوير الأوضاع السياسية وإحداث تقدم محسوب في الحياة الحزبية. لكن المصادر نفت بشكل قاطع أن تكون المساعدة قد وصلت لحد إرسال قوات، أو حتى مستشارين مصريين، إلى الخرطوم، مشددة على أن التنسيق "مستمر على مدار الساعة" فضلاً عن إشراف اللجنة نفسها على ملف توريد كميات منتظمة من بعض السلع التموينية والمحاصيل إلى الخرطوم لسد العجز الحاصل.

وأشارت المصادر إلى أن المساعدة المصرية للنظام السوداني ليست موجهة للبشير بقدر ما تهدف لمنع تسلل الغضب الشعبي شمالاً، ولرغبة السيسي الحثيثة في إجهاض أي حراك شعبي، وخصوصاً أن التعتيم الإعلامي المضروب في مصر على تظاهرات السودان لم ينجح في منع المصريين من مراقبة الانتفاضة والتفاعل معها على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يلقي على القاهرة ظل القلق التاريخي للسيسي والجيش من تكرار أحداث العام 2011 التي اندلعت بعد التناول الكثيف للإعلام المصري لأحداث تونس، منذ حادثة محمد البوعزيزي وحتى هروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، قبل اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني بأيام معدودة، ولا سيما أن أياماً تفصل عن الذكرى الثامنة للثورة المصرية.


وكشفت المصادر أنه رغم هذا التنسيق، إلا أن النظام المصري حريص على ثوابت التعامل مع السودان وعدم إبداء أي تراخٍ في قضايا ثنائية مهمة، أبرزها النزاع الحدودي على مثلث حلايب وشلاتين، موضحة أن دائرة السيسي أصدرت تعليمات للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بتوقيع عقوبة على أي وسيلة إعلامية تنشر خريطة مصر أو السودان أو البلدين، بمناسبة الأحداث، تظهر مثلث حلايب وشلاتين في الحدود السودانية، أو غير محدد المعالم، والالتزام بالخريطة الحكومية المعتمدة بإدخال المثلث في الحدود المصرية. في المقابل، لم يكن السيسي ليقدم تلك المساعدات للبشير تحديداً دون مقابل ملموس. وفي هذا السياق، تتحدث المصادر عن "تلقي القاهرة وعداً من السودان بتأجيل النقاش حول حصتها المائية من النيل إلى ما بعد تسوية جميع المسائل العالقة في قضية سد النهضة الإثيوبي".

وسبق أن قال مصدر دبلوماسي مصري، لـ"العربي الجديد"، مع بداية الانتفاضة السودانية، إن السيسي لن يقدم مساعدات مجانية لشخص كالبشير لطالما ابتز القاهرة للحصول على مكاسب مالية وإعلامية وإلهاء الرأي العام الداخلي لديه، وهذه فرصة جيدة لإيجاد ملفات يمكن الاستفادة فيها من البشير، على رأسها ملف مياه النيل الذي عطل فيه البشير التفاهم بين مصر والسودان لسنوات، ما منح أفضلية لإثيوبيا على حساب مصر في تنفيذ استراتيجيتها التفاوضية وجعل القاهرة دائماً تحت الضغط. وكان السيسي قد زار الخرطوم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وترأس مع البشير اللجنة العليا المشتركة للمرة الثانية وشهدا توقيع اتفاقيات لتدشين مشروعين للربط الكهربائي بين البلدين وربط السكك الحديدية، ومشروع آخر لإقامة طريق بري جديد بين البلدين، وإنشاء مزارع مصرية للتسمين وإنتاج اللحوم والدواجن في السودان، وتولي شركات مصرية تطهير بعض المصارف والترع بالسودان، فضلاً عن مذكرات تفاهم في مجال التبادل العلمي والأكاديمي في بعض التخصصات التي تنقص الجامعات السودانية، ومنح أفضلية جمركية للصادرات والواردات بين البلدين. لكن بعد عودة السيسي، قررت الخرطوم استئناف وقف إدخال الصادرات المصرية الزراعية والغذائية، ولم تُحل المشكلة حتى الآن، في نموذج آخر للتلاعب والمماطلة. وعقب اندلاع الانتفاضة السودانية، زار وزير الخارجية، سامح شكري، ومدير الاستخبارات المصرية الخرطوم والتقيا بالبشير. ثم زار المساعد الأول للبشير مصر مسلماً السيسي رسالة من الرئيس السوداني، في الخامس من يناير/ كانون الثاني الحالي، ليدلي السيسي بأول تصريح له عن السودان منذ بداية الأزمة، قائلاً، وفق بيان رسمي، إن "مصر تدعم بشكل كامل استقرار وأمن السودان، الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري".