"غزوة الصواريخ" ضد المصالح الأميركية: تجهيل عراقي مستمر للمتورطين

"غزوة الصواريخ" ضد المصالح الأميركية: تجهيل عراقي مستمر للمتورطين


20 يونيو 2019
أكدت القوات الأمنية رفضها العبث بالأمن(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

أقر مسؤول عراقي رفيع المستوى في بغداد بوجود تحركات لجماعات مسلحة خارج سيطرة الحكومة، تقف وراء ما سماه "غزوة الصواريخ"، دفعت رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى إصدار بيان في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء الماضي تحدث فيه عن رفضه أي تحركات عسكرية خارج موافقة الحكومة، سواء كان لجيوش أو جماعات.

يأتي ذلك مع ارتفاع عدد الهجمات الصاروخية التي استهدفت مواقع فيها أميركيون إلى ثلاثة خلال 72 ساعة، إذ استهدف معسكر التاجي، الذي يضم فريق مستشارين أميركيين ووحدة صيانة دبابات "إبرامز" وعربات "هامفي"، الواقع على بعد 20 كيلومتراً شمال بغداد، بقذائف هاون، تلاه سقوط صاروخ على مجمع القصور الرئاسية في الموصل، الذي يضم مستشارين عسكريين يعملون مع اللواء الأول في الجيش العراقي، ويضم أيضاً منظمة غربية للمساعدة في نزع الألغام. كذلك استهدف موقع عمليات نفطية متقدم في حقول الزبير النفطية غربي البصرة، أسفر عن إصابة ثلاثة موظفين، جميعهم عراقيون وأحدهم بحالة حرجة، وهو ما استدعى انسحاب الموظفين الغربيين، وجميعهم مهندسون من شركتي "شل" و"إكسون موبيل" الأميركيتين، من موقع العمل. وعادت "شل" وأصدرت بياناً قالت فيه إن جميع موظفيها في العراق سالمون وإن عملياتها في البلاد تسير بشكل طبيعي. وقال متحدث باسم الشركة "سنبقى متيقظين وسنستمر في مراقبة الوضع الأمني والتواصل مع السلطات المحلية".

ووفقاً لمسؤول عراقي بارز في بغداد فإن القوات العراقية بدأت عملية انتشار جديدة في 7 مواقع توجد فيها قوات أميركية في الأنبار وبغداد ونينوى وكركوك وصلاح الدين. ومن المقرر أن تنتهي العملية مساء اليوم الخميس، وهي تتضمن نشر أطواق عسكرية حول مقرات الوجود الأميركي، على محيط 15 كيلومتراً، وهو المدى الأقصى لصواريخ "الكاتيوشا" من الطراز القديم، وقذائف الهاون من عيار 120 ميلليمتراً، التي أطلقت في وقت سابق على تلك المواقع.

وأكد المسؤول، وهو وزير، لـ"العربي الجديد"، أن "التحقيقات الأولية التي وصلت إلى مكتب القائد العام للقوات المسلحة (عبد المهدي) تؤكد بأن جماعة مسلحة متطرفة وغير ملتزمة بتوجيهات قادة الحشد (الشعبي) والحكومة هي من تقف وراء الهجمات، وتستخدم سيارات وهويات الحشد الشعبي للمرور عبر حواجز التفتيش ونقاط المراقبة لتنفيذ الهجمات"، كاشفاً عن أن "رئيس الوزراء كلّف (زعيم هيئة الحشد الشعبي) فالح الفياض و(الزعيم العسكري للحشد) أبو مهدي المهندس و(رئيس تحالف الفتح) هادي العامري بالملف، وهم من أبلغوه بذلك". وأشار إلى أن التحقيقات أكدت أيضاً أن صاروخ "الكاتيوشا" الذي سقط على منزل في حي الجادرية في بغداد، الخميس الماضي، أطلق من طريق محمد القاسم السريع وكان يستهدف موقعاً تابعاً إلى شركة أمنية أميركية لكنه سقط قبل وصوله إلى الهدف، أو أن مطلقيه أخطأوا في تحديد الإحداثيات. وأكد أن "بيان رئيس الوزراء في ساعة متأخرة من ليلة أمس (الثلاثاء)، والذي تحدث فيه عن رفضه أي نشاط خارج إرادة الحكومة، كان المقصود به الجماعة المتورطة بالهجمات".


وكان عبد المهدي قد أصدر بياناً في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء، أكد فيه منع أي قوة أجنبية من العمل أو الحركة على الأرض العراقية، وأن الدولة تريد إنهاء كافة المظاهر الشاذة وغير القانونية والسيادية. وقال رئيس الحكومة "مرّت البلاد خلال الفترة الماضية بظروف معقدة، من حروب داخلية وخارجية، ومن حل الجيش، وفرض الاحتلال على العراق، ووجود قوات أجنبية، وتدخلات خارجية، وقيام تشكيلات مسلحة، أو استخدام أراضي العراق لأعمال مسلحة ضد أهداف ودول وقوى خارج إرادة الدولة العراقية. كذلك عانت البلاد من النشاطات التخريبية والأعمال الإرهابية، خصوصاً القاعدة وداعش واحتلالهما مساحات واسعة من الأراضي العراقية، والتي تصدّت لها القوات المسلحة بكافة صنوفها، وبإسناد من دول التحالف والدول الصديقة والمجاورة. يضاف إلى ذلك كله الواقع الإقليمي والدولي. هذا الواقع أفرز الكثير من المظاهر والتواجدات والسلوكيات غير المسيطر عليها، والتي تتطلب اليوم، بعد عملية التحرير الكبرى والانتصار الكبير الذي تحقق على داعش، وبعد المؤشرات الكبيرة التي تشير إلى أن الدولة تستعيد هيبتها وقوتها وسيطرتها المطلقة على أراضيها وفي تحقيق استقلاليتها وسيادتها، إنهاء كافة المظاهر الشاذة وغير القانونية والسيادية".

وقال عبد المهدي "بناءً على ذلك نؤكد مجدداً منع أي قوة أجنبية من العمل أو الحركة على الأرض العراقية من دون إذن واتفاق وسيطرة من الحكومة العراقية. كما وتمنع أية دولة من الإقليم أو خارجه من الوجود على الأرض العراقية وممارسة نشاطاتها ضد أي طرف آخر، سواء كان دولة مجاورة أخرى أو أي وجود أجنبي داخل العراق أو خارجه من دون اتفاق مع الحكومة العراقية. كذلك يمنع عمل أية قوة مسلحة عراقية أو غير عراقية خارج إطار القوات المسلحة العراقية أو خارج إمرة وإشراف القائد العام للقوات المسلحة. وتمنع أية قوة مسلحة تعمل في إطار القوات المسلحة العراقية وتحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة من أن تكون لها حركة أو عمليات أو مخازن أو صناعات خارج معرفة وإدارة وسيطرة القوات المسلحة العراقية، وتحت إشراف القائد العام للقوات المسلحة".

وعقب ساعات من صدور بيان رئيس الوزراء، أصدرت قيادة العمليات العراقية المشتركة بياناً قالت فيه إنه "تنفيذاً لما جاء في بيان عبد المهدي، فقد تم تكليف جميع الأجهزة الاستخبارية بجمع المعلومات وتشخيص الجهات التي تقف خلف إطلاق الصواريخ والقذائف على عدد من المواقع العسكرية والمدنية في بغداد والمحافظات". وأضافت أن "ذلك جاء بهدف اتخاذ القوات الأمنية الإجراءات الرادعة ضدها، أمنياً وقانونياً"، مشيرة إلى أن "القوات الأمنية، بكل تشكيلاتها، لن تسمح بالعبث بأمن العراق والتزاماته، وستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه إرباك الأمن وإشاعة الخوف والقلق وتنفيذ أجندة تتعارض مع مصالح العراق الوطنية". وقال مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان علي الغانمي، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الهجمات تتورط فيها جماعة خارجة عن القانون، ولا علاقة لفصائل الحشد الشعبي بها". واعتبر أن "على الدولة أن تضربهم وتتعامل مع هذا النشاط على أنه إرهابي، فمن ينفذه يريد خلط الأوراق واتهام فصائل الحشد وهي بعيدة عن هذه العمليات"، وفقاً لقوله. وأوضح النائب عبد الرحيم الشمري أن "الصاروخ الذي سقط على مجمع القصور الرئاسية في الموصل يعتبر رسالة بأن على الدولة الخضوع لمنطق العصابات، وما لم تقم الدولة بردع الجهات الأمنية التي سمحت بإطلاق الصاروخ فإنها تستسلم للمستهترين". وأضاف الشمري، لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة مطالبة اليوم بالتصدي، بشكل عاجل، لمثل تلك الهجمات".

في المقابل، كشفت مصادر أمنية في الموصل، لـ"العربي الجديد"، أن الصاروخ الذي استهدف مجمع القصور الرئاسية في الموصل، ليلة الثلاثاء، سقط على بعد 300 متر فقط من مقر عمليات التحالف التي توجد فيها قوات أميركية، موضحة أنه تم العثور على منصة إطلاق الصاروخ في الجانب الآخر من نهر دجلة ضمن الساحل الأيمن للموصل داخل ساحة عامة بين المنازل، والتحقيقات أشارت إلى أن مطلقيه كانوا يرتدون زياً عسكرياً شبيهاً بزي قوات الجيش العراقي. واعتبر الخبير الأمني العراقي سعد الراوي أن الهجمات تعتبر تصعيداً خطيراً هو الأكبر من نوعه، ويُخشى أن ترد القوات الأميركية على ذلك. وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الهجمات طاولت مصالح أميركية، وبيان رئيس الوزراء وتعليق الجيش عليه بعد ساعات، يؤكدان أن ثمة مشكلة حقيقية تواجهها الدولة، تتلخص بجماعات لا تنصاع لأحد ولا تلتزم بتهدئة"، مرجحاً، في الوقت ذاته، "ألا تكون جماعة واحدة تقف وراء الموضوع، فالهجمات في بغداد والموصل ثم البصرة، وسط وشمال وأقصى جنوب العراق، تؤكد أن هذه الجماعة أو المليشيا لها نفوذ واسع، والحديث عن أنها مجموعة منفلتة أو غير معروفة لقادة الحشد يبدو مستغرباً إلى حد كبير".