تطبيق اتفاق إدلب: آليات غير معقدة ولا طلبات تركية

تطبيق اتفاق إدلب: آليات غير معقدة ولا طلبات تركية

27 سبتمبر 2018
مقاتلون من المعارضة في إدلب (نذير الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال اتفاق "سوتشي" الذي أبرمه الأتراك والروس أخيراً حول إدلب، من أجل نزع فتيل حرب كانت على وشك الاندلاع في شمال غربي سورية، يتصدّر المشهد السوري، في ظلّ عدم انجلاء آليات تطبيقه على الأرض، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى تتعلّق بالمنطقة منزوعة السلاح التي أقرها الاتفاق. في المقابل، يؤكّد قادة في "الجيش السوري الحرّ" أنّ هذه الآليات "ليست معقّدة"، خصوصاً أنّ المنطقة من جانب المعارضة خالية من السلاح الثقيل الذي ينصّ الاتفاق على سحبه. ويترقّب ملايين المدنيين بدء تطبيق الاتفاق، الذي يعني غياب فرص الحرب التي من المتوقّع أن تخلّف كوارث إنسانية في حال شُنّ هجوم من قبل قوات النظام التي عادة ما ترتكب مجازر، وتقوم بعمليات انتقام واسعة النطاق بحقّ المدنيين في المناطق التي تستولي عليها، خصوصاً أنّ النظام لا يزال يهدّد بأنه سيستعيد إدلب سلماً أو حرباً.

وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أول من أمس الثلاثاء، أنّ "المجموعات الراديكالية بدأت بالخروج" من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، مشيراً في مقابلة صحافية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى أنّ "استمرار مساعي السلام في سورية غير ممكن مع بقاء نظام بشار الأسد".

ولم تعلن بعد آليات واضحة لتطبيق اتفاق "سوتشي" بين الجانبين التركي والروسي. وكان اتفاق أنقرة وموسكو قد تحدّث عن إنشاء منطقة آمنة ستكون ما بين 15 و25 كيلومتراً على الحدود الفاصلة بين إدلب ومناطق النظام، وستكون خالية من السلاح الثقيل، مع بقاء المعارضة فيها واحتفاظها بالسلاح الخفيف، وطرد المتطرفين من المنطقة. هذا بالإضافة إلى فتح الطريقين الدوليين حلب - حماة، وحلب - اللاذقية، قبل نهاية العام الحالي. واعتباراً من 15 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، سيتم إخراج الأسلحة الثقيلة من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، وستّتخذ روسيا تدابير لمنع هجوم على المحافظة من قبل قوات النظام.

وتعمل لجان فنية تقنية تركية روسية على تحديد حدود المنطقة منزوعة السلاح، التي تحيط بالحدود الجغرافية لمحافظة إدلب، معقل المعارضة البارز، كما أنها في الوقت نفسه معقل تنظيمات متشددة، أبرزها "هيئة تحرير الشام"، و"حراس الدين"، الذي يضم مجموعات متطرفة وبين عناصرها مسلحون أجانب، وأعلنت رفضها الصريح للاتفاق الروسي التركي.

ويترقّب ملايين المدنيين في محافظة إدلب ومحيطها البدء في تطبيق الاتفاق على الأرض، لقطع الطريق أمام أيّ محاولات من شأنها تعطيل هذا الاتفاق أو نسفه، وخصوصاً من قبل النظام، أو مجموعات متهمة بالتطرف تنتشر في مواقع عدة في شمال غربي سورية. ولا يزال النظام السوري يهدّد بأنّه سيستعيد السيطرة على محافظة إدلب، ما يؤكد نيّة مبيّتة لخلق عراقيل تحول دون تطبيق الاتفاق. وهو ما ألمح إليه يوم الثلاثاء نائب وزير الخارجية في حكومة النظام، فيصل المقداد، إذ قال في تصريحات صحافية: "كما انتصرنا في كل بقعة من بقاع سورية، سننتصر في إدلب، والرسالة واضحة جداً لكل من يعنيه الأمر: نحن قادمون إلى إدلب حرباً أو سلماً".

من جانبها، أكّدت المعارضة السورية المسلّحة أنّ "تنفيذ اتفاق سوتشي سيتم من دون آليات معقدة"، مشيرةً إلى أنّ سحب السلاح الثقيل من المنطقة منزوعة السلاح "لن يكون مشكلة" بالنسبة لها، "كونه يتموضع بعيداً عن جبهات القتال".

وفي هذا الإطار، أوضح قيادي في "الجيش السوري الحرّ"، فضّل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخوّل بالحديث العلني عن الاتفاق، أنّ فصائل الجيش السوري الحرّ "لا تحتفظ بالسلاح الثقيل بالقرب من الجبهات"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "أغلب هذا السلاح يبعد عشرات الكيلومترات عن خطوط الجبهة ويتم جلبه لساحة القتال قبل ساعات فقط من بدء أي معركة. لذلك فإنّه، وحسب الاتفاق، لا يوجد لدينا ما نسحبه من خط الجبهة". وأشار القيادي إلى أنّ الجانب التركي "لم يطلب أي شيء حتى اللحظة بما يخص الاتفاق من فصائل عدة، أبرزها جيش العزة، أكبر فصيل عسكري تابع للجيش السوري الحرّ في ريف حماة الشمالي"، وفق القيادي.


بدوره، اكتفى النقيب ناجي أبو حذيفة، الناطق باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، وهي أكبر تجمّع لفصائل المعارضة السورية في إدلب، بالقول لدى سؤاله عن آليات تطبيق الاتفاق إنّه "سيتضح ذلك خلال أيام"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّه "لم يتم تشكيل لجان فنية مع الجانب التركي حتى اللحظة للبحث في هذه الآليات". أمّا العقيد فاتح حسون، القيادي في "الجيش السوري الحرّ"، ورئيس حركة "وطن"، فأشار إلى أنّه "لم يطرأ جديد على تطبيق اتفاق سوتشي"، لافتاً إلى أنّه "يتم سحب السلاح الثقيل من المنطقة معزولة السلاح من قبل بعض الفصائل بشكل ممنهج لا يؤثر على حماية المنطقة، وذلك بالتنسيق مع الجيش التركي". وأوضح حسّون في حديث مع "العربي الجديد" أنه "يتم تنفيذ الاتفاق من دون آليات معقدة"، مضيفاً أنّ "هناك تراجعاً للخلف لمسافة محددة من جانب الثوار والنظام على حدّ سواء".

وتابع حسّون أنّ "سحب السلاح من المنطقة منزوعة السلاح لا يعني تسليمه، بل سحبه بعكس اتجاه الحدّ الأمامي لمسافة من 7 إلى 10 كيلومترات تقريباً، بحيث يقلّل ذلك من إمكاناته النارية". وحول عدد مقاتلي المعارضة السورية الذين سيبقون في المنطقة منزوعة السلاح، قال حسّون "هذا أمر يخضع لمشاورات اللجنة المختصّة مع الفصائل العسكرية، ودراسة كل منطقة، وتبيان التصرفات النهائية للفصائل الراديكالية في هذه المناطق، وكذلك حيثيات إبقاء مقاتلين من سكان المنطقة نفسها في قراهم ومدنهم".

وفي السياق ذاته، أكّد النقيب عبد السلام عبد الرزاق، وهو قيادي في "الجبهة الوطنية للتحرير"، أنّ آليات تطبيق اتفاق سوتشي "واضحة بالنسبة لنا، إلا بعض الأمور"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "تتلخّص هذه الآليات بنزع السلاح الثقيل من المنطقة منزوعة السلاح المتفق عليها بين الجانبين التركي والروسي في سوتشي". وأوضح أنّ "هذا الأمر تقريباً لا يشكّل عبئاً كبيراً، فالسلاح الثقيل أغلبه يوضع بعيداً عن الجبهات، ولا يتحرّك إلا أثناء المعارك؛ هجومية كانت أم دفاعية".

وحول دور المعارضة السورية في إدارة المنطقة منزوعة السلاح، قال عبد الرزاق: "لن يتغيّر شيء، ولن تكون المنطقة العازلة مستقلّة عن بقية المناطق المحررة، ونحن في أماكن سيطرتنا، تدير البلدات والمدن مجالس محلية ومؤسسات مدنية، ولا جديد يطرأ بعد هذا الاتفاق. هي منطقة منزوعة السلاح الثقيل على طرفي خطّ الجبهة فقط، وليست عازلة يديرها طرف ثالث".

في غضون ذلك، لا يزال موقف "هيئة تحرير الشام" التي تشكّل "جبهة النصرة" ثقلها الرئيسي، غير محسوم من اتفاق "سوتشي"، رغم أنّ المعطيات تؤكّد أنّها لن تضع نفسها في مواجهة عسكرية مع الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المسلحة، وسوف تنصاع لمطالب أنقرة في الخروج الفوري من المنطقة منزوعة السلاح.

وكانت جماعة "حراس الدين" المتشدّدة قد شبّهت، في بيان لها قبل أيام، اتفاق سوتشي باتفاق "دايتون" الذي أنهى الحرب في يوغوسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي، معلنةً رفضها تسليم سلاحها. ويضمّ هذا التنظيم مجموعات عدة، منها فلول فصيل "جند الأقصى" و"جيش الملاحم" و"جيش الساحل" و"جيش البادية" و"سرايا الساحل" و"سرية كابل"، و"جند الشريعة"، وينتشر مسلحوها في ريف جسر الشغور ومناطق متفرقة في محافظة إدلب، بالإضافة إلى ريف اللاذقية الشمالي.