تصعيد شمال غربي سورية: مشاورات أنقرة وموسكو بلا نتائج

تصعيد شمال غربي سورية: مشاورات أنقرة وموسكو بلا نتائج

02 يونيو 2019
تسعى تركيا لعدم تدفّق النازحين نحو أراضيها (فرانس برس)
+ الخط -
لا تلوح في المدى المنظور بوادر تهدئة في شمال غربي سورية، في ظلّ استمرار حملات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي من النظام وحلفائه الروس، رغم مطالبة الأتراك بتطبيق وقف إطلاق النار للحيلولة دون مقتل المزيد من المدنيين، وهو ما قد يدفع أنقرة إلى الانسحاب من مسار أستانة برمته، ما يعني انهيار اتفاق "سوتشي" وعودة المواجهة المفتوحة بين قوات النظام المدعومة من موسكو، وفصائل المعارضة التي تتلقى مساندة من أنقرة.

وواصل النظام وحلفاؤه الروس، أمس السبت، قصف العديد من البلدات والمدن والقرى في عمق محافظة إدلب، حين نفّذت طائرات قوات الأسد الحربية "سلسلة جديدة من الضربات الجوية"، وفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" الذي أوضح أنّ هذه الطائرات "نفذت ما لا يقل عن 24 غارة جوية مستهدفة كل من كفرعويد، كفرزيتا، سفوهن، احسم، ترملا، الفقيع وكرسعة، إضافة إلى محور كبانة بجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي".

وأشار المرصد إلى أنّ الطائرات الروسية نفّذت بعد منتصف ليل الجمعة - السبت، أكثر من 11 غارة جوية على محور كبانة في جبل الأكراد، وسط اشتباكات عنيفة دارت على المحور ذاته، ترافقت مع قصف صاروخي مكثّف. وفشلت قوات النظام طيلة الشهر الفائت في إحداث اختراق على محور كبانة، رغم عشرات المحاولات، وهو ما أفشل هدفها بالتقدّم باتجاه مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي. كما فشلت هذه القوات في إحداث اختراق إضافي في جبهة بلدة الحويز، حيث شنّت فصائل المعارضة الجمعة هجوماً معاكساً كبّدت فيه قوات النظام خسائر.

ولم تقف الغارات الجوية الروسية عند الحدود الإدارية لمحافظة إدلب، إذ قصفت أمس السبت مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، ومحيط قرية برقوم، ومنطقة "مركز إيكاردا" بريف حلب الجنوبي الغربي.

وينسف التصعيد المستمر من النظام وموسكو الآمال بالتوصّل إلى تهدئة بين الجانبين التركي والروسي، ولا سيما عقب اتصال الرئيس رجب طيب أردوغان أول من أمس الجمعة، بنظيره فلاديمير بوتين، للمطالبة بضرورة تطبيق وقف إطلاق النار في إدلب، للحيلولة دون مقتل المزيد من المدنيين وتدفق اللاجئين نحو تركيا، بحسب بيان صادر عن مكتب الرئيس التركي. وأضاف البيان أنّ أردوغان قال لبوتين خلال الاتصال، إنّ سورية في حاجة إلى حلّ سياسي. لكن موسكو ترى أنّ "بعض القتال ينبغي أن يستمر"، وفق بيان الكرملين عقب اتصال الرئيسين، وهو ما يؤكد استمرار الخلاف الروسي التركي حيال الموقف في شمال غربي سورية.

وكانت مصادر تركية مطلعة، ذكرت قبل أيام أنّ أنقرة رفضت طلباً روسياً بتعديل الخرائط المتفق عليها سابقاً، وإبقاء المناطق الجديدة التي سيطر عليها النظام في ريفي حماة وإدلب تحت سلطته، مطالبةً بانسحاب قوات الأسد إلى النقاط المحددة، وفق اتفاق خفض التصعيد الموقّع قبل عامين. وتحاول موسكو تحميل أنقرة مسؤولية التصعيد في شمال غربي سورية، إذ قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أول من أمس الجمعة، إن "من الضروري حقاً وقف إطلاق النار في إدلب"، مضيفاً: "من الضروري تحقيق ذلك بأن يوقف الإرهابيون إطلاق النار على الأهداف المدنية التي يوجد فيها عسكريونا، بما في ذلك في قاعدة حميميم" (القاعدة الروسية في ريف اللاذقية). وأشار بيسكوف إلى أنّه "وفق الاتفاقات التي تمّ التوصل إليها في سوتشي، فهذا من مسؤولية الجانب التركي".

ولا يزال الشمال الغربي السوري محكوماً باتفاق سوتشي المبرم بين الجانبين الروسي والتركي في سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي تمّ بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. ومن الواضح أن الجانب الروسي يريد تعاملاً عسكرياً من قبل الجيش التركي مع "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، التي لطالما كانت ولا تزال ذريعة النظام وحلفائه للفتك بالسوريين، مدنيين وقوات المعارضة. كما تسعى روسيا إلى تطبيق سياسة ما تعرف بـ"المصالحات" في محافظة إدلب، التي كانت اعتمدت في ريف دمشق وجنوب سورية وريف حمص الشمالي، وهو ما ترفضه المعارضة السورية جملة وتفصيلاً، "حيث رأينا ما فعله النظام في مناطق المصالحات من عمليات انتقامية تفوق الوصف"، وفق ما قال قيادي في "الجيش السوري الحر" لـ"العربي الجديد".

من جهتها، ترغب تركيا في العودة إلى التهدئة التي كانت موجودة وفق اتفاق سوتشي، كي لا تجد نفسها وجهاً لوجه مع موجات لجوء كبرى، إذ يضمّ شمال غربي سورية نحو 4 ملايين مدني، ربما يدفعهم القصف المستمر إلى اجتياز الحدود السورية التركية. مع العلم أنه نزح نحو 250 ألف شخص عن المنطقة، التي تعدّ آخر معقل رئيسي لقوات المعارضة في سورية بعد حملة النظام.

بدوره، لا يزال النظام مصرّاً على إخضاع محافظة إدلب "سلماً أو حرباً"، وفق تصريحات مسؤوليه، ما يعني استمرار الصراع لفترة طويلة، في ظلّ انسداد الآفاق أمام حلّ سياسي شامل للقضية السورية.

إلى ذلك، ألمح القيادي في "الجيش السوري الحر"، مصطفى سيجري، إلى إمكانية انسحاب الجانب التركي من مسار أستانة، على ضوء التصعيد العسكري الكبير من قبل الجانب الروسي، من دون ظهور بوادر تهدئة في المدى القريب. وفي تغريدة له على موقع "توتير"، قال سيجري: "التزمت الفصائل العسكرية طيلة الفترة السابقة ووفق المصلحة السورية، بما تعهّد به الرئيس أردوغان بصفته ضامناً"، مضيفاً: "ومع استمرار الممارسات الإجرامية والوحشية من قِبل الروس ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود، لا نستبعد انسحاب الحلفاء (في إشارة للأتراك) من مسار أستانة، والعمل مع الأميركيين على استئناف الدعم العسكري".

من جانبه، أكّد العقيد مصطفى البكور، قائد العمليات في "جيش العزة"، أبرز فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحشود والقصف الجوي والمدفعي والصاروخي مستمرة من قبل مليشيات النظام". وحول قدرة المعارضة السورية على الانتقال للهجوم رغم القصف الجوي الروسي، أكّد البكور أنّ "القدرة موجودة رغم صعوبتها"، مضيفاً "الحرب مستمرة رغم الحديث عن التهدئة، لأن الروس والإيرانيين والنظام لا يلتزمون بأي عهد وميثاق".

وتتبع فصائل المعارضة السورية سياسة استنزاف العدوّ، من خلال استهداف عناصره بالصواريخ الموجهة التي أنهكت قوات النظام والمليشيات المساندة لها في الأيام الفائتة. وذكرت مصادر في المعارضة السورية أنّ مقاتلي "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمع لفصائل المعارضة في محافظة إدلب، استهدفوا بصاروخ مضاد للدروع الجمعة، مجموعة من عناصر قوات النظام على حاجز جبهة الحويز في منطقة سهل الغاب بريف حماة، ما أدّى لمقتل وإصابة العديد منهم، مشيرةً إلى أنها دُمّرت كذلك سيارة لقوات الأسد محمّلة برشاش 14.5، إثر استهدافها بصاروخ موجه على الجبهة ذاتها.

وفي السياق، أشار القيادي في "الجيش السوري الحر" العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "التصعيد الروسي الكبير الذي نتج عنه جرائم حرب دفع ثمنها قتلاً وتهجيراً مدنيون سوريون عزل، قوبل بردّ قوى الثورة والمعارضة السورية ميدانياً بمعارك كرّ وفرّ أثخنت قوات النظام المهاجمة المدعومة بالطيران الروسي، وأوقعت بها خسائر كبيرة بالقوى والوسائط".

وتابع حسون أنّ "مسؤولي قاعدة حميميم الذين يقودون هذا التصعيد، طلبوا من تركيا التدخّل وتهدئة قوى الثورة، آملين أن ينهوا هذه المرحلة من التصعيد، بالاحتفاظ بما اقتطعته قوات النظام المهاجمة من مناطق كانت تحت سيطرة قوى الثورة والمعارضة". وأوضح أنّ القيادة التركية "طالبت بضرورة وقف التصعيد، وعودة خريطة السيطرة على المنطقة إلى ما كان تمّ الاتفاق عليه في مباحثات أستانة، ما جعل الرئيس الروسي يعقد اجتماعاً مع قادته لمناقشة الوضع في منطقة إدلب، وهذا الاجتماع يعني بالدرجة الأولى أخذ روسيا الطلب التركي على محمل الجدّ".

ورأى حسون أنّ "هناك خلافاً في طريقة التعاطي مع التصعيد في منطقة إدلب، ما بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية والقيادة الأمنية في روسيا"، مضيفاً أنّ ذلك اتضح من خلال تصريح المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، عندما قال "إنّ مسؤولية منع مقاتلي المعارضة في إدلب السورية من قصف أهداف مدنية وروسية تقع على عاتق تركيا". وأشار حسون إلى أنّ "الجانب الروسي يدعو تركيا إلى تطبيق التفاهمات الناتجة عن اتفاق سوتشي حول إدلب، متناسياً أنه لم يطبق أول بند من هذه التفاهمات وهو وقف إطلاق النار"، مضيفاً أنّ "روسيا تحاول الاحتفاظ بالمناطق التي اقتطعتها من منطقة إدلب بكل السبل الممكنة، لكنها بالتأكيد لن تضحي بعلاقتها مع تركيا لقاء ذلك".