"درع الفرات": توسيع جبهات القتال بين أنقرة والعمال الكردستاني

"درع الفرات": توسيع جبهات القتال بين أنقرة والعمال الكردستاني

27 اغسطس 2016
استهدف الجيش التركي عناصر "الاتحاد الديمقراطي" بجرابلس(بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
لم تعكس عملية "درع الفرات"، التي دعمت خلالها القوات المسلحة التركية فصائل المعارضة السورية لتحرير مدينة جرابلس، المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة في الداخل السوري فحسب، ولكنها كانت أيضاً، خطوة كبيرة لتوسيع جبهات القتال التي تخوضها الدولة التركية ضد حزب العمال الكردستاني، بإضافة جبهة سورية ضد جناحه حزب الاتحاد الديمقراطي، إلى الجبهات المستعرة أصلاً في الداخل التركي وشمال العراق.
باتت المعركة مع "الكردستاني" سواء على الجبهة السورية أو التركية، بالنسبة للحكومة التركية، حرب استقلال، بحسب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، ولا تقل أهمية عن حرب الإنقاذ (1919-1923) التي قاد خلالها مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك بقايا الجيش العثماني في حرب طاحنة مع قوى التحالف، بعد هزيمة الحرب العالمية الأولى وأدت إلى إعلان الجمهورية، وإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أكد يلدريم بعد الهجوم الذي نفذه "الكردستاني" على مقر أمني في مدينة جيزرة التابعة لولاية شرناق، يوم أمس الجمعة، أن أنقرة فتحت حرباً شاملة على "المنظمات الإرهابية"، أي "الكردستاني" وجناحه السوري وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، قائلاً: "لن تصبح الجمهورية التركية أسيرة لأي تنظيم إرهابي. فلتعلم وتعرف الأمة جمعاء أننا فتحنا حرباً شاملة على هذه التنظيمات الإرهابية"، مضيفاً: "كما قال محاربونا الأبطال القدامى في حرب الاستقلال: إما الاستقلال أو الموت، سنرد بكل الوسائل المتاحة على أولئك الذي استهدفوا الأخوّة التي تجمع بين 79 مليون مواطن تركي"، في إشارة إلى "الكردستاني".
وأدى هجوم "الكردستاني" على مقر أمني في مدينة جيزرة أمس، إلى مقتل 11 شرطياً وجرح أكثر من سبعين آخرين. وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في بيان، أن "هذا الهجوم الذي وقع في وقت تخوض فيه تركيا حرباً مكثفة على المنظمات الإرهابية داخل وخارج حدودها، سيزيد من عزيمة دولتنا وأمتنا"، مشدداً على أن أنقرة "لن تسمح بتمرير الأطماع القذرة لأولئك الذين يستهدفون استقرار بلادنا عبر الهجمات الإرهابية ووكلائهم". ورأى أن "الكردستاني" يهدف من وراء تلك الهجمات، إلى إعلان وجوده بعد أن فشل في كسب تأييد أهالي المنطقة.
أما على المقلب الآخر، وباستثناء الأصوات الخافتة التي انتقدت التوغل التركي في جرابلس من قِبل النظام السوري، لم يصدر أي اعتراض حقيقي على "درع الفرات" من أحد إلا من قبل "العمال الكردستاني"، الذي وجّه انتقادات شديدة للعملية التركية في جرابلس، سواء على لسان القيادات العسكرية في قنديل أو على لسان جناحه السياسي في تركيا أي حزب الشعوب الديمقراطي، مؤكداً أن "درع الفرات" تستهدف الأكراد وليس تنظيم "داعش". بل أكثر من ذلك، أكد مراد قرايلان، أحد أهم القيادات العسكرية لـ"الكردستاني"، خلال مقابلة أجراها مع وكالة "فرات" الإخبارية التابعة للحزب، أن التدخّل التركي هو إعلان حرب على الأكراد، ولا يهدف لضرب "داعش" بل للحفاظ على منفذ خفي للتنظيم نحو الأراضي التركية ومنها إلى أوروبا، مشدداً على أن ما حصل في جرابلس لم يكن قتالاً بل اتفاق تركيا مع التنظيم لإخلائها.
وقال قرايلان: "الجميع يعلم وخصوصا المسؤولين العسكريين الأميركيين، أن السبيل الوحيد لإضعاف داعش هو إبعاده عن الحدود التركية، ولكن ما حصل الآن (بعد عملية درع الفرات) فإنه تم الحفاظ على قناة لداعش نحو العالم، وهذا خطأ كبير وأكثر من سيتضرر من ذلك هم الأوروبيون والروس". وأضاف: "من الواضح أن دخول الدولة التركية بجيشها إلى هذا الحد إلى روج آفا وإعلان الحرب على شعبها، سيفتح الباب أمام رفع مجريات الحرب في الشمال، على الجميع في شعب الشمال (أكراد تركيا) أن يتخذوا موقفاً موحداً ضد التدخّل التركي، وكذلك ينطبق الأمر على الجنوب (كردستان العراق) والشرق (مناطق الأكراد في إيران)". يشار إلى أن "روج آفا" هي التسمية التي يطلقها "الاتحاد الديمقراطي" على مناطق سيطرته شمال سورية، والتي يحاول أن يصلها ببعضها بالسيطرة على الريف الغربي لحلب.


وحرصت الحكومة التركية على التأكيد أن التدخّل في سورية لا يستهدف الأكراد بل "التنظيم"؛ أي "العمال الكردستاني" كما يطلق عليه في الداخل التركي، عبر التأكيد أن "درع الفرات" تستهدف أيضاً الانتقام لضحايا الهجوم الانتحاري الذي تم اتهام "داعش" بتنفيذه في مدينة غازي عنتاب، مستهدفاً حفل زفاف لأحد أنصار "العمال الكردستاني". وكذلك عبر الإعلان عن المعركة بالتزامن مع وجود رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني في العاصمة التركية أنقرة، في ظل التوتر بالعلاقات بين الأخير و"العمال الكردستاني" في شمال العراق وشمال سورية.
وانتقد قرايلان تواجد البرزاني في أنقرة عند إعلانها عملية "درع الفرات"، متسائلاً بالقول: "لا نعرف هل كان تواجد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس إقليم كردستان العراق في أنقرة عند الإعلان عن معركة جرابلس مصادفة أم أمرا مخططا له، ولكن يبدو أنهم خططوا للأمر، وحتى لو كان الأمر مصادفة فإن رؤية قيادي كردي في أنقرة في ذلك الوقت أمر غير صائب".
وتصاعدت هجمات "الكردستاني" أخيراً داخل الأراضي التركية توازياً مع التحضيرات لعملية "درع الفرات"، وعلى غير العادة، وسع "الكردستاني" هجومه، ولم يعد مقتصراً على "دولة العدالة والتنمية" كما يصف الحزب الدولة التركية، بل امتد لأول مرة منذ فترة طويلة، للكماليين ممثلين بحزب الشعب الجمهوري، بعد الدعم الذي قدّمه الأخير للحكومة التركية أو "التحالف" الداخلي الذي عُقد بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" (يميني قومي متطرف) و"الشعب الجمهوري" إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة، مقصياً "الشعوب الديمقراطي"، وتلقت خلاله الحكومة التركية دعماً واسعاً على كل الصعد.
وشنّ "الكردستاني" هجوماً في بلدة ناظمية غير الاستراتيجية والتابعة لولاية تونجلي، في رسالة موجّهة إلى رئيس "الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أوغلو الذي ولد في البلدة، قبل أن يقوم الخميس الماضي، بتوجيه رسالة أخرى له عبر تنفيذ هجوم استهدف موكبه في ولاية أرتفين على الحدود الجورجية مع تركيا، والتي كان من المفترض أن يغادرها لزيارة ولايتي هكاري وشرناق ذات الغالبية الكردية في تحدٍ لـ"الكردستاني". وأدى الهجوم إلى مقتل عنصر وجرح اثنين آخرين من قوات الدرك المكلفة بحمايته، في أول هجوم ينفذه "الكردستاني" مستهدفاً قيادياً سياسياً بشكل مباشر.
لم ينتظر كلجدار أوغلو كثيراً، ليعود ويعلن دعمه الكامل للحكومة التركية في مواجهتها "الإرهاب"، في إشارة إلى "الكردستاني"، وكذلك تجاوز الدعم الموارب الذي قدّمه الحزب لـ"درع الفرات" إلى دعم مفتوح، متبنياً خطاب الحكومة، بالقول: "لقد شعرنا بحزن كبير في مدينة غازي عنتاب، فالإرهاب حصد 53 من مواطنينا أغلبهم من الأطفال، والآن دخل جيشنا إلى جرابلس من أجل تلقين داعش درساً، نؤيد ونقف وراء هذه العملية حتى النهاية، وندعم جيشنا الباسل".
وبينما قصف الجيش التركي، يوم أمس، عناصر الجناح السوري لـ"الكردستاني" على الجبهة السورية جنوب جرابلس أثناء محاولته التقدّم شمالاً، رغم إعلانه عن سحبه قواته من المنطقة، استمر "الكردستاني" في التصعيد على الجبهة التركية. وإضافة إلى الهجوم في مدينة جيزرة، هاجم "الكردستادني" بالصواريخ مقراً أمنياً في مدينة وان، ما أدى إلى جرح أربعة أشخاص بينهم مدنيون. كما هاجمت عناصر تابعة للحزب موقع بناء في ولاية هكاري، وذلك باستخدام قذائف الهاون، ما أدى إلى مقتل شخصين وجرح اثنين آخرين.
واندلعت الاشتباكات مجدداً بين الحكومة التركية و"العمال الكردستاني"، في يوليو/تموز من العام الماضي، بعد انضمام تركيا للتحالف الدولي ضد "داعش"، وفتح قاعدة إنجرليك أمام التحالف. وتكبّد "الكردستاني" خسائر كبيرة في محاولته نقل تكتيكات حرب المدن التي خاضها في سورية ضد "داعش" والمعارضة السورية إلى المدن والبلدات ذات الغالبية الكردية في جنوب وشرقي تركيا.