الإمارات وحلم الساحل اليمني الجنوبي: موانئ دبي تخشى عدن

الإمارات وحلم الساحل اليمني الجنوبي: موانئ دبي تخشى عدن

18 يوليو 2017
لطالما كان ميناء عدن هدفاً للإمارات (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
لطالما قيل إن المصالح الإماراتية من حرب اليمن، مختلفة بالكامل عن الأجندة السعودية. الثانية تريد ضمان حدودها الجنوبية مع الغريم التاريخي، أي جماعة الحوثيين الذين تحاربوا طويلاً مع حليفهم اليوم، المخلوع علي عبد الله صالح، الحليف التاريخي، السابق وربما المستقبلي للسعودية وللإمارات. في المقابل، انخرطت أبو ظبي في الحرب، ودعمت من دعمت، وبنت استراتيجيتها في جنوب اليمن، وعينها على مصالح اقتصادية ــ استراتيجية ــ سياسية لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالأهداف المحددة في إعلانات "عاصفة الحزم" أو "إعادة الأمل" لاحقاً. الساحل اليمني الجنوبي، بموانئه المنافسة للمرافئ الإماراتية، ظل عقدة لحكام أبو ظبي منذ عقود. كما أن تمدد النفوذ الإماراتي نحو الجنوب الشرقي، باتجاه الحدود العمانية تحديداً، الغريم التقليدي لدولة الإمارات، ظل حلماً عتيقاً لآل نهيان، وقد حلت الفرصة المثالية بالنسبة لهم ليصبحوا حاضرين فعلياً على حدود سلطنة عُمان.

علاقة الإمارات بالرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح كانت قد بلغت ذروتها بعد أن قام أثناء فترة حكمه بصفقة وصفها اليمنيون أنها أقرب للبيع، وتمثلت الصفقة في إدارة وتشغيل ميناء عدن الاستراتيجي بموجب اتفاقية أبرمها في 2008 مع شركة موانئ دبي العالمية، وهي الاتفاقية التي تسلّم صالح من خلالها ملايين الدولار كحصة خاصة به شخصياً مقابل فرض إدارة موانئ دبي يدها على ميناء المعلا في عدن بموجب صفقة سرية. وقد سعت السلطات اليمنية آنذاك، وبغرض إخفاء عملية تمرير الصفقة، إلى تأسيس شركة مشتركة بين موانئ دبي العالمية ومؤسسة موانئ خليج عـدن التي أنشئت باسم الحكومة اليمنية بهدف التستر على بنود الاتفاقية المبرمة بينهما. وتسلمت شركة "موانئ دبي العالمية" ميناء المعلا للحاويات ومحطة كالتكس في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، بحسب اتفاقية الشركة المنصوص فيها على أن تكون 50 في المائة لمؤسسة موانئ خليج عدن و20 في المائة لشركة دبي و30 في المائة لرجل الأعمال الحضرمي عبد الله بقشان. وعلى الرغم من امتلاك شركة دبي 20 في المائة، إلا أنه تم منحها امتياز إدارة التشغيل من دون أي منافس وحق التصرف في المحطتين "كالتكس" و"المعلا"، لكنها لم تفِ بالاتفاق المبرم مع الحكومة اليمنية في تطوير الميناء، إلى أن تهالكت أدواته بالكامل، وفي نفس الوقت تم تطوير موانئ دبي وتحويل البواخر والسفن العملاقة التي تريد الصيانة إليها.



عقب ثورة 2011، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني أقرّ مجلس إدارة مؤسسة موانئ خليج عدن في نهاية أغسطس/ آب 2012 إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية، وذلك إثر مطالبة الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي من مجلس النواب مراجعة الاتفاقية.

وتعرض وزير النقل في ذلك الحين، واعد باذيب، لأكثر من محاولة اغتيال في عام 2012، تم ربطها بإلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية.

استكانة الإمارات تجاه "الضربة" التي تلقتها لم تدم طويلاً.  مع انطلاق "عاصفة الحزم" التي قادتها  السعودية عبر التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية، وجدت الإمارات فرصتها لإعادة العمل على تنفيذ مخططاتها، وهو ما يفسر أحد أسباب اندفاعها للمشاركة بشكل كبير وفعال في الحملة العسكرية منذ بدايتها. سعت الإمارات جاهدة للسيطرة على المدن الساحلية اليمنية بهدف السيطرة على الموانئ، وفي مقدمتها ميناء عدن الاستراتيجي، الذي يعد من أفضل الموانئ البحرية في المنطقة وتعتبره الإمارات مهدداً لميناء دبي. كما سيطرت على ميناء المخا غربي محافظة تعز الذي يعد من أقدم وأهم الموانئ التاريخية العالمية، في حين لا تزال تسعى للسيطرة على ميناء الحديدة والذي لا يزال تحت سيطرة الانقلابيين.

ووفقاً للمعطيات، كما يراها محللون سياسيون، فإن الإمارات العربية المتحدة تدعم فصائل الحراك الجنوبي، الذي يسعى للانفصال عن اليمن وعودة الدولة الجنوبية، من أجل توسيع نفوذها الميداني في المحافظات الجنوبية بينها تعز، وتركز على المناطق الساحلية، إذ تعتبر أن باب المندب هو امتداد طبيعي لأمنها القومي وموانئ دبي العالمية التي طورتها على حساب إضعاف هذا الممر وممرات أخرى في الإقليم.

ويعدّ ميناء عدن من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، وتم تصنيفه في الخمسينيات من القرن الماضي كثاني ميناء في العالم بعد ميناء نيويورك لتزويد السفن بالوقود. ويقع ميناء عدن على الخط الملاحي الدولي رابطاً بين الشرق والغرب، وفيه السفن التي لا تحتاج لأكثر من 4 أميال بحرية فقط لتغيير اتجاهها للوصول إلى محطة إرشاد الميناء. ويتميز الميناء بحماية طبيعية من الأمواج، والرياح الموسمية من الاتجاهات الأربعة، وذلك لموقعه بين مرتفعي جبل شمسان على بعد 553 متراً وجبل المزلقم على بعد 374 متراً، ما يمكّنه من العمل بدون توقف طوال العام. ويغطي الميناء مساحة مقدرة بـ8 أميال بحرية من الشرق إلى الغرب و5 أميال بحرية من الشمال إلى الجنوب.

ولأهمية هذا الميناء الاستراتيجي، ترى الإمارات، أن ميناء عدن يشكل أبرز التهديدات بحيث يمكن أن يقضي على الأهمية الاستراتيجية لمدينة دبي، ولهذا فقد سعت باكراً لتعطيل الميناء المطل على مضيق باب المندب غربي محافظة تعز اليمنية، بما يحمله من أهمية استراتيجية كممر للتجارة العالمية، ومن ثم السيطرة العسكرية والسياسية على مدينة عدن عبر تواجدها الميداني الذي أتاحته لها عاصفة الحزم ولتكتمل سيطرتها عبر حلفائها في الداخل والمتمثلين في بعض فصائل الحراك الجنوبي والحركات السلفية.

كما قامت الإمارات بإحكام قبضتها الأمنية عن طريق تشكيلها لما يسمى بقوات الحزام الأمني والتي تتبعها مباشرة. وأوكلت مهمة إدارة "الحزام الأمني" إلى فصائل سلفية وحراكية موالية لها، ومن خلاله تتحكم بالداخلين والخارجين إلى مدينة عدن، ويكون تعاملها مع المواطنين بالغالب وفقاً للهوية، إذ سجلت مضايقات تعرض لها أبناء المحافظات الشمالية خصوصاً الوافدين من تعز، ومنعهم من دخول العاصمة المؤقتة.


ويعد محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، والوزير السابق هاني بن بريك، أهم الشخصيات المتحالفة مع الإمارات والمدافعة عن مصالحها في اليمن، إذ أديا الدور المنوط بهما من خلال منصبيهما السياديين في الدولة، قبل أن يقوم هادي بإقالتهما وإحالة الوزير بن بريك للتحقيق.

وبعد إقالة هادي للرجلين من منصبيهما وجدا الضوء الأخضر من الإمارات لتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، بما يتيح للإمارات، أن تبقى اللاعب المتحكم بتصاعد أو انخفاض الأصوات المطالبة بالانفصال حسب ما تقتضي مصالح تواجدها العسكري والاقتصادي والسياسي في اليمن جنوباً.

وتسعى الإمارات لتقوية كيان الزبيدي المتمثل بما يسمى "المجلس الانتقالي" عسكرياً وإدارياً في الجنوب، من خلال تأهيل عدد من أبناء وكواد الجنوب في مختلف المجالات، وتدريبهم في مختلف الجوانب الاقتصادية والأمنية والعسكرية، لضمان توفير كوادر جنوبية وذلك ليس لتحقيق هدف الانفصال ذاته، وإنما إدارة المحافظات الجنوبية، من خلال مجلس الزبيدي وشركاه الذي اخترع الإماراتيون فكرته وقاموا بدعمه بصورة معلنة.

كما أن الإمارات، من خلال فرض تواجد مجلس الزبيدي والكيانات الأمنية الموازية لأجهزة الدولة الرسمية، والسعي من خلال أتباعها لإدارة الجنوب، تمكنت من التوسع السلس في نفوذها العسكري في المناطق الساحلية والسيطرة على الموانئ اليمنية وهو هدف استراتيجي لتدخلها في الجنوب اليمني.

وقامت الإمارات بعد فرض سيطرتها العسكرية وإحكام قبضتها الأمنية على عدن بالسيطرة على مضيق باب المندب الذي يعد من أهم منافذ التجارة العالمية وذلك بعد قيادتها للمعارك مع الانقلابيين في المضيق الهام الذي تفصل بين ضفتيه مسافة 30 كيلومتراً (20 ميلا) تقريباً من رأس منهالي في الساحل الآسيوي إلى رأس سيان على الساحل الأفريقي.

مع العلم أن جزيرة بريم (مَيّون) التابعة لليمن، تفصل المضيق إلى قناتين، الشرقية منها تعرف باسم باب اسكندر عرضها 3 كيلومترات وعمقها 30 متراً. أما القناة الغربية واسمها "دقة المايون" فعرضها 25 كيلومتراً وعمقها يصل إلى 31 متراً، ما يمنح اليمن أفضلية استراتيجية في السيطرة على الممر لامتلاكه جزيرة بري اليمنية.

وباتت الإمارات، بالسيطرة على المضيق البحري، تتحكم في حركة السفن التجارية مع حلفائها الدوليين والإقليميين، ما مكّنها أيضاً من التوجه شمالاً نحو ميناء المخا والسيطرة عليه لاستكمال هدفها المتمثل بالسيطرة على الموانئ اليمنية.

وخلال دخول قواتها إلى سواحل المخا الاستراتيجية، عملت الإمارات على الاستعانة بقوات جنوبية حليفة لها في معركة المخا بقيادة وزير الدفاع الأسبق هيثم طاهر قاسم الذي عاد أخيراً لقيادة قوات جنوبية تعتبر جزءا من قوات الإمارات، على الرغم من أن سواحل المخا تتبع جغرافياً محافظة تعز اليمنية، وهو ما أثار المخاوف لدى الكثيرين من بروز الأطماع التوسعية للإمارات والتي تنفذها عبر حلفائها الرئيسيين المتمثلين بالحراك الجنوبي والجماعات السلفية، في إطار دورها الذي انحصر في العمليات العسكرية ضد الانقلابيين في المناطق الساحلية قبل ان تتدخل أخيراً في مأرب، وتمسك ملف تعز رسمياً.

وتسعى الإمارات اليوم للسيطرة على ميناء الحديدة في إطار معركة الساحل الغربي والتي أعلن عنها قبل أشهر، وهو الميناء الذي تقود الأمم المتحدة مفاوضات مع الانقلابيين من أجل تسليمه لطرف محايد، وتجنيبه الأعمال القتالية كي يبقى ممراً إنسانياً لنقل السلع والمواد الغذائية لملايين السكان المتضررين من الحرب.