تحشيد في إدلب: جبل الزاوية الهدف التالي لروسيا والنظام

تحشيد في إدلب: جبل الزاوية الهدف التالي لروسيا والنظام

18 مارس 2020
يواصل سوريون إشعال إطارات على "أم 4"(عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -
مع استمرار الهدوء النسبي على الأرض في مناطق شمالي غرب سورية، حيث دخل اتفاق وقف إطلاق النار هناك يومه الـ12 أمس الثلاثاء، تزايدت المؤشرات بشأن نية روسيا والنظام السوري استئناف العمليات العسكرية، مع توجيههما المزيد من الاتهامات لفصائل المعارضة بخرق الاتفاق. وقال مراسل "العربي الجديد" إنه باستثناء خروقات محدودة لاتفاق وقف النار، تمثلت في إطلاق قوات النظام قذائف على بلدة الفطيرة في ريف إدلب الجنوبي، ومحور كبانة في ريف اللاذقية والطرقات المتصلة معها في ريف إدلب الغربي، فيما استهدفت الفصائل آلية لقوات النظام على محور بلدة حزارين جنوب إدلب، فقد تواصل الهدوء في عموم المنطقة، بما في ذلك غياب حركة الطيران، باستثناء طيران الاستطلاع الروسي الذي يجوب سماء المنطقة. لكن النظام واصل استقدام تعزيزات عسكرية إلى محاور ريف إدلب، خصوصاً جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي، فيما تحركت أرتال من المليشيات الموالية لإيران و"حزب الله" اللبناني من ريف حلب إلى محور سراقب، في سياق ما يعتقد أنها تحضيرات من جانب قوات النظام لاستئناف العمليات العسكرية، بغية السيطرة على بلدات جبل الزاوية، جنوب الطريق الدولي "أم 4".

وفي سياق هذه التحضيرات، ذكرت وكالة "سانا"، التابعة للنظام، أن ما سمتها مجموعات إرهابية فجرت جسر بلدة محمبل غرب مدينة أريحا على الطريق الدولية حلب - اللاذقية، وذلك لإعاقة حركة الدوريات الروسية ـ التركية المقرر تسييرها على الطريق ضمن اتفاق وقف النار. وأضافت أنه تم تفخيخ الجسر الواقع على الطريق الدولية "أم 4" بكميات كبيرة من المواد المتفجرة، ما أدى إلى تدميره بالكامل. كما تم غرس مسامير فولاذية في عدة نقاط على الطريق لإعاقة سير الدوريات المشتركة. وزعمت الوكالة أن المجموعات المسلحة أجبرت عشرات المدنيين على نصب خيم على محور الطريق، "فيما أغرت آخرين بالمال للبقاء على قارعة الطريق ومحيطه لضمان استمرار قطعها أمام الدوريات وتعطيل حركة السير الطبيعية عليها" وفق ادعاءات الوكالة المعروفة بعدم مهنيتها. من جانبه، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، في بيان نشره على حساب السفارة الأميركية في دمشق على الإنترنت، إن بلاده ترفض بيان وزارة الدفاع الروسية وتصريحات إعلامية تزعم أن التظاهرات السلمية في إدلب ضد الدوريات العسكرية الروسية نظمها إرهابيون يحاولون استخدام المدنيين كدرع بشري. واعتبر أن رد فعل السوريين على الدوريات العسكرية الروسية في إدلب ليس مفاجئاً، في ضوء الهجوم الدموي منذ أكثر من عام، مؤكداً أن الحل العسكري الذي يعمل عليه نظام بشار الأسد، بدعم من روسيا وإيران، غير قابل للتحقيق ولن يجلب السلام إلى سورية.

وكانت وزارة الخارجية الروسية قالت بدورها إن الفصائل في إدلب أعادت تسليح نفسها، وتشن هجمات مضادة ضد قوات النظام، مشددة على ضرورة "القضاء على هذه التنظيمات ومحاسبتها". وقالت الوزارة، في بيان، "تحتشد في منطقة إدلب تشكيلات مسلحة كبيرة، بينها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وحراس الدين اللذين رفضا الاعتراف باتفاق وقف الأعمال القتالية الأخير في إدلب".


وتأتي هذه الاتهامات من جانب روسيا والنظام السوري عقب اعتصام الأهالي على جانبي الطريق "أم 4" الواصل بين مدينتي حلب واللاذقية، والذي يمر في مناطق خاضعة كلياً لفصائل المعارضة. وأظهرت مقاطع فيديو تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي قيام المعتصمين بقطع الطريق، عبر حفره بالمحراث الآلي للحؤول دون مرور الدوريات الروسية عليه. وقال مراسل "العربي الجديد" إن المئات من أهالي المنطقة يواصلون التجمع لليوم الثالث على التوالي قرب منطقة النيرب جنوب إدلب، وقد أشعلوا الإطارات المطاطية قبل تسيير الدوريات المشتركة بين تركيا وروسيا على الطريق، والتي تأتي في إطار الاتفاق الذي عقده الجانبان في موسكو أخيراً. وأدت الاعتصامات لعدم استكمال الدورية الروسية التركية المشتركة الطريق المقرر لها من بلدة ترنبة جنوب "أم 4" إلى بلدة عين الحور جنوب الطريق أيضاً، ولكن في الجهة الغربية المقابلة جنوب غرب مدينة جسر الشغور.

وتقول روسيا إنه تم اختصار مسار الدورية المشتركة على طريق "أم 4" بسبب ما وصفته بأنه استفزازات قامت بها "تشكيلات إرهابية غير خاضعة لتركيا"، مشيرةً إلى أنه تم منح وقت إضافي للجانب التركي لاتخاذ إجراءات خاصة لتحييد "التنظيمات الإرهابية" وضمان أمن الدوريات المشتركة على طريق حلب – اللاذقية. وكان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان وقعا، أخيراً، اتفاقاً حول إدلب، لوقف إطلاق النار وتشكيل منطقة آمنة على جانبي طريق "أم 4"، ولكن بقي مصير منطقة جبل الزاوية الواقعة جنوب الطريق غامضاً، ما يثير قلق عشرات الآلاف من المدنيين المهجرين، ودفعهم للاحتجاج على تسيير الدوريات المشتركة على هذا الطريق.

وحسب خرائط نشرتها بعض الوكالات الروسية فإن منطقة جبل الزاوية ستكون خالية من السلاح والمدنيين. وإذا صحت هذه المعطيات، فإن ذلك يعني منع أكثر من ربع مليون مدني من العودة للمناطق التي لا تقع تحت سيطرة قوات النظام في جبل الزاوية، بالإضافة إلى خروج مئات المقاتلين من فصائل المعارضة من المنطقة، حتى لو لم يتم تسليمها للنظام في الوقت الحالي. ولم يستبعد عضو الائتلاف الوطني المعارض وقائد "حركة تحرير الوطن" العميد فاتح حسون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تكون مناطق جبل الزاوية مسرحاً للمناوشات والتحرشات من جانب قوات النظام في المرحلة المقبلة، مثل ما يحصل منذ أيام عدة.

جدير بالذكر أن القوات التركية انسحبت من هذه المناطق أخيراً، ما يرشح أن تكون هدفاً لعمليات عسكرية من جانب النظام وروسيا. لكن حسون لفت إلى أن "وعورة المنطقة لن تجعلها هدفاً سهلاً لقوات النظام، وسيكون وضعها مشابهاً إلى حد ما لوضع منطقة الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي". وأكد "عدم وجود إرادة روسية حقيقية لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة إدلب، والبحث باستمرار عن ذرائع لخرق الهدنة"، لافتاً إلى أن "غياب العامل الخارجي، مثل مشاركة قوات من الأمم المتحدة أو صدور قرار ملزم عن مجلس الأمن، يريح روسيا، ويجعل من السهل عليها التنصل من التزاماتها مع الجانب التركي، بينما أنقرة ما زالت ترسل مزيداً من التعزيزات العسكرية إلى منطقة إدلب لعدم ثقتها بموسكو، وتحسباً لأي تصرف عسكري، مخالف لما تم الاتفاق عليه". ورأى حسون أنه "لا بد لفصائل المعارضة، وحاضنتها الشعبية، الالتزام بما التزمت به تركيا بصفتها ضامناً، فهي دولة كبيرة تستطيع تقدير الموقف الصحيح بشكل تكتيكي واستراتيجي، ومن يحاول الخروج عن ذلك فهو يعبث بمصير المنطقة وأهلها ويقذف بهم إلى مجهول لا تحمد عقباه".

في الأثناء، واصلت القوات التركية استقدام التعزيزات العسكرية إلى مواقعها في الشمال السوري، حيث دخل رتل عسكري عبر معبر كفرلوسين الحدودي شمال إدلب. ويتألف الرتل الجديد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، من نحو 50 آلية، بين دبابات وناقلات جند. ومع استمرار تدفق الأرتال التركية، فإن عدد الآليات التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد بلغ 1090، بالإضافة إلى مئات الجنود، بحسب المرصد.

المساهمون