فوضى يسار الوسط الألماني: ارتدادات الرقصة الأخيرة لشولتز وغابرييل

فوضى يسار الوسط الألماني: ارتدادات الرقصة الأخيرة لشولتز وغابرييل

14 فبراير 2018
الخلاف تحول لصراع على جوهر الحزب (شين غالوب/ Getty)
+ الخط -
لم تنته الدراما السياسية الألمانية بنهاية زعامة مارتن شولتز للحزب الاجتماعي الديمقراطي، وانكسار طموحه لنيل منصب الخارجية، وهو القادم من رئاسة البرلمان الأوروبي، ولا حتى بتسمية خليفته، السياسية البارزة أندريا ناهليس (47 سنة)، بل تحولت لأزمة زعامة في الحزب تعبر في أحد وجوهها عن حالة أعمق من خلاف شولتز مع صديقه سيغمار غابرييل، وزير الخارجية السابق.

فتجاذب مراكز القوى في الحزب، الواقف على حافة يسار الوسط في السياسة الألمانية، كلفه فوضى وخوفا من التمزق، على ما تذهب الصحافة الألمانية في تحليلها لواقع صفوف يسار الوسط.

بيد أن الخفي بات الآن على السطح، فرقصة شولتز مع غابرييل لن تكون ربما في مصلحة ناهليس. غابرييل يشعر بمرارة، على ما تنقل صحافة بلده؛ فالرجل ترك منصب قيادة الحزب لصديقه شولتز، ثم ذهب الأخير ليسحب منه منصب الخارجية، وبعدها سمى ناهليس لمنصب زعامة الحزب.

وكان شولتز قد تفاوض مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على تشكيل حكومة ائتلافية وعينه على الخارجية، بالرغم من أنه منصب رفيقه وصديقه غابرييل، قبل أن تنبش الصحافة الألمانية في برود العلاقة مع غابرييل، الأكثر ميلا نحو اليسار في أجنحة الحزب، باعتبار "سعي شولتز لمنصب الخارجية فيه تعبير عن قلة احترام"، على ما تذهب إليه الصحف الألمانية.

اهتم المراقبون في ألمانيا، وخارجها، بطريقة تعامل شولتز مع نتائج انتخابات سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي لم تسفر حتى الآن عن تشكيل حكومة. فعلى الرغم من أنه "مخضرم"، إلا أن خطواته وتصريحاته لم تعجب قواعد حزبه، ويسجل عليه مواقف بدأت مع مساء نتائج الانتخابات،في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي بقوله حرفيا "من الواضح تماما أن الناخبين يريدون لنا أن نكون في المعارضة".

في اليوم التالي حسم شولتز الموقف، بخسارة رهانه على منافسة ميركل في منصب المستشارية، بقوله "أبدا لن ندخل في حكومة ميركل"، وهو موقف لم يتركه بسلام بين صفوف اليسار ويسار الوسط، وحتى بين المحافظين ومؤيدي ميركل.

عاد الرجل وأكد في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد انهيار مفاوضات "ائتلاف جامايكا" لتشكيل حكومة موسعة من مختلف الأحزاب، أنه "لن ندخل في ائتلاف كبير، نرى أن الانتخابات هي الطريق الصحيح".

وحين تدخل الرئيس الألماني، فرانك شتاينماير، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني سحب شولتز معظم مواقفه السابقة ليخرج في 7 يناير/ كانون الثاني الماضي متحدثا عن تحقيق "نتائج ممتازة"، بعد جولة استكشاف مع ميركل.

لم يمض وقت طويل حتى بدأ شولتز يواجه تحديات داخلية في حزبه، وعليه توجه برسالة في "يوم الحزب" ببون يوم 21 يناير/كانون الثاني، قائلا "أرجوكم من كل قلبي أن تدعموا قيادة الحزب (الديمقراطي الاجتماعي) في المضي قدما في مفاوضات تشكيل الحكومة مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي". في السابع من الشهر الحالي، وبعد نجاح التفاوض على الحكومة، ذهب شولتز لمبادلة موقع زعامة الحزب بمنصب الخارجية في الحكومة الائتلافية.

ومنذ 9 فبراير/ شباط لم يعد خفيا سيل الانتقادات في صفوف الاجتماعي الديمقراطي، ولم يغب عن القيادي غابرييل خوفه من تأثير ما جرى ويجري على الحزب.

الصحافة الألمانية تتحدث اليوم عن "فوضى" وأزمة سياسية وحزبية تعصف بالحزب الديمقراطي، وما ستمثله ناهليس من تحد لحزب "على حافة الانحلال". فـ"دير شبيغل" ترى أن "تصويت 67 في المائة من الألمان في استطلاع السبت الماضي أن الحزب غير فعال حاليا ليحكم"، ليس بمؤشر جيد للحزب.

أما "زايت" فليست أقل تشاؤما في وصف معركة الاجتماعي الديمقراطي الداخلية "إنه صراع مرير يعبر عن عمق غياب المفاهيم والهوية في الحزب الاجتماعي الديمقراطي. فراغ يخلق مشهد الصراع على السلطة".

الصراع على جوهر الحزب

إذاً لم يعد خفيا أن الصراع يتعلق بالشخصيات، ولم يعد خافيا عدم إعجاب غابرييل بدخول ائتلاف حكومي من موقف ضعيف، إثر أسوأ نتائج حصل عليها الحزب في الانتخابات الأخيرة.
هنا المأخذ على قيادة شولتز بتراجعه عن وعده بعدم الاشتراك "في حكومة تحت حكم ميركل؛ فالمسألة لدى قواعد الحزب تتعلق بموقعه ومكانته، والسعي لاستعادة ثقة الشارع، بعدما قاد شولتز الحزب في اتجاهات تحول أذهلت الكثيرين، "خوفا من الانتخابات"، على ما يقول منتقدوه.

صحيح أن شولتز استطاع أن يحصل على مناصب وزارية هامة لحزبه، بالإضافة إلى تحقيق مكاسب في قطاع الصحة والعمل والسياسات الأوروبية، بيد أن ذلك كله لم يهدئ "الفوضى" في صفوف قواعده، والصراع في مستوى القيادة.

كما أن سعي شولتز لمنصب الخارجية لم يرق لكثيرين، ممن يرون في صاحب الكاريزما والشعبية الكبيرة غابرييل أهلا لها، وقد حقق برأيهم الكثير لألمانيا ولحزبه في عمله الدبلوماسي. لم يتأخر غابرييل في انتقاد شولتز، وخصوصا تنصله من الوعود وسوء طريقة عرض الحزب في سعيه للمناصب. فتنقل "فراكفورتر الغماين زياتيونغ" تفاصيل هذا الخلاف وكيف انقلبت قواعد وقيادة الحزب الاجتماعي الديمقراطي "حتى في معقل شولتز، بمقاطعة نوردهايم ويستفال، التي ينحدر منها، لم يعجبهم تركه منصب زعامة الحزب لأجل منصب الخارجية".



فقد مارتن شولتز إذاً كل ما سعى إليه، فلا هو في قيادة الحزب ولا المستشارية ولا وزارة الخارجية "هو ليس أكثر من عضو في البرلمان الاتحادي في السياسة الألمانية الآن"، يجزم نائب رئيس الحزب، الأكثر يسارية فيه، رالف ستيغنر، في تقييمه لوضع شولتز الأخير. وفي رسالة، بمثابة إقرار بالهزيمة، وجهها شولتز لحزبه قال إن "السياسة في هذا البلد هي لأجل الناس، وعليه، فإن طموحاتي الشخصية يجب أن تأتي خلف مصالح الحزب أولا".

كيف تسير الأمور اليوم؟

سيكون بإمكان نحو 460 ألف عضو في الحزب "الاجتماعي الديمقراطي" التصويت، حتى الرابع من الشهر القادم، على نتائج المفاوضات مع ميركل لقبول تشكيل حكومة ائتلافية من عدمه، دون استبعاد أن تكون النتائج سلبية، وهو ما تشير إليه "دير تاغ شبيغل" على خلفية "النزاع القيادي".

وفي هذه المعركة، يبدو غابرييل الشخصية السياسية الأكثر مصداقية في رأي الشارع الألماني، يساره ويمينه، وفقا على الأقل لما تبرزه التصريحات وتعليقات الصحف بمختلف مشاربها. ولا يستبعد المحللون والمتابعون الألمان أن يكون نصيب غابرييل كبيرا في مستقبل الحزب والسياسة الألمانية، بانتظار أن يحسم الحزب "الاجتماعي الديمقراطي"، بأجنحته المختلفة، مساره المستقبلي يوم 22 إبريل/ نيسان القادم.

دلالات

المساهمون