جبهات إدلب وحلب تترقب اللقاء الروسي التركي

جبهات إدلب وحلب تترقب اللقاء الروسي التركي

17 فبراير 2020
تحاول المعارضة صدّ قوات النظام (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

بات المشهد الميداني في منطقة خفض التصعيد عموماً شمالي غرب سورية معقداً، لا سيما بعدما تمكن النظام السوري أمس الأحد من قضم المزيد من الأراضي في ريف حلب في الوقت الذي لم تتوقف فيه هجماته في إدلب، مستبقاً بذلك نتائج اللقاء الروسي التركي، اليوم الاثنين، في موسكو، الذي ينظر إليه على أنه قد يكون حاسماً في تحديد ما إذا كانت روسيا وتركيا ستتوصلان خلاله إلى تفاهمات جديدة تحافظ، ولو شكلياً، على اتفاق سوتشي الخاص بمناطق خفض التصعيد من جهة، وحل أزمة نقاط المراقبة التركية من جهة ثانية، وسط تمسك تركيا بضرورة تراجع قوات النظام إلى ما بعد النقاط قبل نهاية شهر فبراير/شباط الحالي، وإلا "سيتم التعامل معها بالطريقة المناسبة" وفقاً لما أفاد به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم السبت الماضي. وفيما تواصل أنقرة تهديداتها كان الرئيس الإيراني حسن روحاني، يؤكد أمس الأحد أن اتفاق سوتشي مهم وناجح ومن الضروري أن يستمر، مطالباً تركيا بـ"احترام الاتفاقيات الدولية بشأن سورية". ويأتي ذلك فيما برزت مواقف حقوقية وأوروبية ركزت على المأساة الإنسانية للمدنيين في المنطقة وضرورة الضغط على روسيا. وقال المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، كينيث روث، خلال مؤتمر ميونخ للأمن الـ56، إن "ما نحتاجه الآن بالنسبة للموضوع الإنساني للسكان في إدلب، وفي مسألة تجنّب أزمة لاجئين أخرى، هو الضغط بحزم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوقف ما يحدث". وأضاف روث أن لدى الاتحاد الأوروبي عوامل التأثير على بوتين، فهو يريد رفع العقوبات المتعلقة بأوكرانيا وإنشاء علاقات اقتصادية طبيعية مع دول الاتحاد، معتبراً أنه حان الوقت لاستخدام هذه العوامل "إذا لم يشرع الرئيس بوتين في وقف حمام الدم بإدلب". بدورها، قالت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارنباور إن ما حدث في سورية يجب أن يكون تحذيراً لأوروبا، معتبرة أن بؤس الشعب هناك وتأثير الصراع على أوروبا أظهر بوضوح شديد ما سيحدث إذا فشل الأوروبيون في التحرك.

وربما يكون الاجتماع بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والتركي مولود جاووش أوغلو الذي جرى يوم السبت على هامش مؤتمر ميونخ للأمن المنعقد في ألمانيا، قد حدد بعض الخطوط العريضة للبناء عليها في صوغ اتفاق جديد، إلا أن الأهم ما سينتظر من نتائج الاجتماع التقني اليوم الإثنين في العاصمة الروسية موسكو، بين الدبلوماسيين والأمنيين الروس والأتراك، ضمن جولة ثالثة، في محاولة لإيجاد مقاربة جديدة حول إدلب، بعد فشل جولتين استضافتهما أنقرة، بعد تلويحها بعملية عسكرية واسعة في إدلب، على إثر مقتل 13 من جنودها في هجومين مختلفين على نقاطها هناك.

ووصف وزير الخارجية التركي، لقاءه بنظيره الروسي بـ "المفيد" حول إدلب، من دون ذكر تفاصيل عن البنود التي تطرّقا إليها خلال المباحثات، وأضاف في تغريدة عبر حسابه على موقع تويتر، "ستجتمع وفودنا في موسكو، الإثنين، وعقب هذا الاجتماع، اتفقنا على تقييم الوضع مرة أخرى". غير أنه عاد وأبلغ نظيره الروسي، أمس، بأن "الهجمات في إدلب يجب أن تتوقف على الفور".

وخلال هذه الجولة، اليوم الإثنين، التي ربما تكون الفرصة الأخيرة لإيجاد حل عبر المفاوضات، لن ينتظر من الأتراك التراجع عن مطلبهم بانسحاب النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة المنتشرة في عموم "منطقة خفض التصعيد"، إذ يستمر الجانب التركي في التأكيد على ذلك يومياً من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك من مستويات مختلفة، في حين لم يبقَ أمام الروس سوى تقديم مرونة أكثر مقابل هذا الإصرار التركي، لمنع المواجهة بين حليفيهما، النظام من جهة، والأتراك من جهة أخرى، فخلال الجولتين الماضيتين اللتين اتسمتا بالفشل، كان من الواضح تعنّت الجانب الروسي باستمرار المعارك للسيطرة على كامل الطريقين الدوليين "أم 4" و"أم 5"، مع تقديم خريطة جديدة لـ"منطقة خفض التصعيد" تبدأ حدودها من الحدود السورية التركية شمالاً وحتى 30 كيلومتراً في عمق إدلب جنوباً قبل الوصول إلى طريق حلب – اللاذقية "أم 4"، والتعامل مع ملف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) لجهة إنهائه من قبل الأتراك، إلا أن هذا العرض قابله رفض تركي بالمطلق، ولا سيما فيما يتعلق بالخريطة الجديدة، مع أن الأتراك أبدوا مرونة واضحة حيال ملف "الهيئة"، وذلك من خلال إشارة أردوغان ووزير دفاعه خلوصي أكار، إلى التعامل مع مجموعات المعارضة، الراديكالية منها على وجه الخصوص، التي ستعرقل اتفاقاً مستداماً لوقف إطلاق النار.

في هذا الإطار، تداول ناشطون أخباراً تفيد بإمكانية حل "هيئة تحرير الشام" نفسها خلال الساعات المقبلة، تفادياً لمزيد من الإحراج التركي، وإنهاء الذريعة التي يتخذها النظام والروس لتبرير هجماتهم المتكررة على إدلب، إلا أن مصادر قالت لـ"العربي الجديد"، إن هذه المسألة غير مطروحة في هذه الآونة بالمطلق، وأن الحديث عنها محض إشاعات، ليس أكثر.


ومساء السبت، جدد الرئيس التركي إصرار بلاده على انسحاب قوات النظام، بلهجة لا تقل عن سابقتها في الأيام الماضية، إذ أشار إلى أن "المشكلة لن تحل في إدلب إلا بانسحاب النظام السوري حتى حدود اتفاقية سوتشي، وإن لم يفعل ذلك بنفسه فنحن سنتولى الأمر"، مؤكداً على المهلة التي حددها لذلك في الثالث من فبراير/شباط الحالي وربما قبلها، بالقول: "الحل في إدلب يكمن في وقف عدوان النظام وانسحابه إلى حدود الاتفاقيات، وإلا سندفعه إلى ذلك قبل نهاية شهر فبراير الحالي". وترك الرئيس التركي الباب مفتوحاً أمام الوسائل الدبلوماسية للحل، بقوله: "سنكون سعداء إذا تمكنّا من حل الأمر في إدلب بدعم أصدقائنا، لكننا مستعدون لتحقيق المهمة بالطريقة الصعبة إذا اضطررنا إلى ذلك".

وعلى الرغم من التصعيد العسكري والدبلوماسي التركي تجاه النظام السوري وقواته في إدلب، إلا أن الواقع الميداني يميل لصالح قوات النظام، في ظلّ التقدم السريع لا سيما في ريف حلب الغربي بغطاء روسي، وأصبحت هذه القوات على مشارف حصار جيب يضم بلدات ومدنا هامة غربي حلب، ومنها عندان وحريتان وكفرحمرة وحيان وبيانون وغيرها.

وأفادت مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" بأن الجانب التركي أعطى تعليماتٍ لفصائل المعارضة بالانسحاب من هذا الجيب قبل إطباق الحصار عليها داخله، في توجه غير مفهوم من قبل الأتراك الذين يدعمون هجوماً في ذات الوقت شنته الفصائل على محاور في الريف الغربي لحلب إلى الجنوب من هذا الجيب، والتي كانت قد انسحبت منها في الأيام الماضية لصالح قوات النظام. وكانت قوات النظام سيطرت، مساء السبت، على قريتي عاجل وعويجل انطلاقاً من قرية كفرناها غرب حلب التي سيطرت عليها صباح السبت، بهدف المتابعة شمالاً والالتقاء بالقوات الآتية من محور الشيخ عقيل، لإطباق الحصار على بلدات حيان وعندان وحريتان وكفرحمرة، الواقعة داخل الجيب المذكور.

وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد" في ريف حلب، أن الفصائل بدأت هجوماً على محاور ميزناز وجدرايا وكفرحلب غربي حلب، بإسناد مدفعي تركي، مع استهداف المدفعية التركية مواقع النظام في تلك البلدات، بالإضافة إلى استهدافها الفوج 46 القريب من محاور الاشتباك، إلا أن الفصائل لم تحرز تقدماً ملحوظاً في هذا الهجوم. مع العلم أن الفصائل اعتمدت في الأيام الماضية على شنّ مثل هذه الغارات على أكثر من محور، إلا أن الهدف الواضح من هجوم الفصائل على هذه النقاط، هو منع قوات النظام من التقدم إلى مدينة الأتارب الاستراتيجية، والتي يعتبر وصول النظام إليها، إذا تمّ، سيكون بداية الطريق للانطلاق نحو معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا شمالي إدلب، والذي روج النظام عبر وسائل إعلامه أخيراً لأهمية السيطرة عليه، في إطار العمليات الدائرة.

في الوقت ذاته، شنّت قوات النظام ومليشيات تساندها هجوماً ترافق مع إسناد جوي روسي جنوبي إدلب، وتحديداً على قريتي الشيخ دامس وركايا سجنة الواقعتين جنوب مدينة معرة النعمان بالقرب من الطريق الدولي حلب – دمشق "أم 5"، في محاولة من قبل هذه القوات لإحراز مزيدٍ من التقدم هناك، بعد السيطرة على المعرة ومساحات واسعة في محيطها نهاية الشهر الماضي. وكان ناشطون مقربون من قوات النظام تداولوا صوراً تظهر انتشاراً للقوات الروسية على الطريق الدولي حلب – دمشق "أم 5"، مع ظهور جنود روس مع عربات عسكرية روسية، وكأنهم أنشأوا حاجزاً على الطريق من الجهة الشمالية لمدينة معرة النعمان، وتحديداً تحت الجسر الشمالي المؤدي للمدينة جسر معرشورين، صباح أمس الأحد.

كل ذلك يجري وسط تكهنات بفرضية قبول الأتراك سيطرة النظام مع مليشيات روسية على المناطق التي تتقدم إليها في ريف حلب الغربي، تحديداً قرى عندان وحريتان وبيانون وحيان، و"تأمينه" من قبل النظام والروس، قبل صياغة اتفاق جديد بين روسيا وتركيا، ربما يقضي بانسحاب قوات النظام من المناطق التي امتدت إليها أخيراً، مع بقاء القوات الروسية والنقاط التركية، تجنباً لمواجهة عسكرية بين تركيا والنظام.

إلا أن مصدراً عسكرياً من المعارضة السورية أشار لـ "العربي الجديد" إلى أن ترك النظام يتمدد أكثر في نقاط وجيوب محددة، هو أسهل بحسب المفهوم العسكري، بغية استهدافه بأقل الخسائر الممكنة من قبل مستهدفيه، وذلك في حال نفذت تركيا وعدها بشن عملية عسكرية واسعة ضد قوات النظام. وأضاف أن "الكثافة البشرية الآن لصالح قوات المعارضة والجيش التركي في إدلب، واستهداف النظام في حال اندلاع العملية في مناطق مبعثرة سيشتت من الإمكانيات البشرية المتوفرة لدينا، لذلك تجمّعه في الجيوب أفضل بالنسبة لنا في حال بدء المعركة".

وكان الجيش التركي عزّز، أمس الأحد، وحداته المتمركزة على الحدود مع سورية. وذكرت وكالة "الأناضول"، أن قافلة تعزيزات مكوّنة من مركبات عسكرية، وسيارات إسعاف مصفحة، وأنظمة تشويش، وأفراد من القوات الخاصة، وصلت مدينة ريحانلي الحدودية بولاية هاطاي. وبحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فإن عدد الآليات التركية التي دخلت إلى المنطقة أخيراً، ارتفع إلى أكثر من ألفي آلية، فيما بلغ عدد الجنود أكثر من 6500 جندي تركي، إلا أن صحيفة "يني شفق" التركية قد أشارت قبل أيام إلى أن عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب أخيراً تجاوز الـ10 آلاف جندي.