دواء المصري في قبضة التجار

دواء المصري في قبضة التجار

07 يونيو 2016
ارتفاع أسعار الدواء في مصر (باتريك باز/Getty)
+ الخط -
سهم جديد تطلقه السلطة على الفقراء. إذ أصدر رئيس الوزراء المصري قراراً برفع أسعار الأدوية التي تقل تسعيرتها عن 30 جنيهاً بنسبة 20%. جاء القرار بعد ممارسة ضغوط من قبل مجموعات المصالح المكونة من غرفة الصناعات الدوائية.
لقد أعلنت حكومة هشام إسماعيل، أن القرار جاء تطبيقاً لسياساتها الاقتصادية التي تنتهج التحرير الاقتصادي، وبهذا القرار، تحالفت الحكومة والشركات الخاصة لضرب المريض مجدداً وانتهاك حقوقه في الطبابة، وتوفير الدواء. لقد أصدر مجلس الوزراء القرار معلناً وجود أسباب عديدة، منها أن شركات الأدوية المصرية التابعة للدولة تخسر بسبب الأسعار المنخفضة، حيث تبيع الأدوية بأقل من تكلفتها، كما أن الشركات الخاصة لا تستطيع توفير ما تحتاجه السوق في ظل انخفاض الأسعار. وكررت الشركات الخاصة الأسباب ذاتها، مضيفة إليها ارتفاع تكاليف إنتاج الدواء، والتي تتضمن أسعار الخدمات والطاقة، وارتفاع سعر صرف الدولار وكذلك الأجور.
أُعتبر قرار رفع الأسعار الحل السحري لإنقاذ شركات الدواء المتعثرة، وتوفير الأدوية في السوق، وراحت الدوائر الحكومية تدعي إنها أصدرت القرار لصالح الشعب، وقامت شركات الأدوية الخاصة بشكر الحكومة على هذا القرار، بعد تسيب سعر الدواء لأكثر من 25 عاماً.
في الحقيقة، إن تبريرات الدولة والقطاع الخاص لهذا القرار تحمل عدداً من المغالطات، أولها أن أسعار الدواء في مصر لم تشهد استقراراً، فقد ارتفعت الأسعار مرات عديدة خلال السنوات العشر الماضية. كما أن رفع سعر الدواء جاء كمطلب متكرر من المستثمرين في قطاع الصناعات الدوائية حيث تجاوزت معه مخططات خصخصة القطاع الصحي التابع للدولة منذ عام 2007 على يد وزير الصحة حاتم الجبلي. أما فيما يخص ارتفاع أسعار الدواء المرتبط بتكلفة الإنتاج، فهذه حجة باطلة لأن الدولة تقدم تسهيلات عديدة للشركات الاستثمارية ومنها شركات الدواء، وتتضمن التسهيلات والمزايا الاستثمارية الحصول على الإعفاءات الضريبية، والاقتراض من المصارف وجدولتها.

وإذا تحدثنا عن ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز، وكذلك سعر الدولار، فإن نسب الزيادة لا تتناسب مع قيمة الارتفاع في أسعار الدواء التي شهدتها مصر مؤخراً. أما بالنسبة إلى أجور العاملين في القطاع الصحي، فحدث ولا حرج، إذ إن العاملين في مصانع الأدوية يتقاضون رواتب أقل من باقي القطاعات.
تريد شركات الأدوية رفع الأسعار ومقارنتها مع الأسعار العالمية، فيما تكلفة الإنتاج متدنية، فأسعار الأدوية، ولو تم قياسها بقانون فائض القيمة أو مقاييس التكاليف، فإن الناتج سيكون لصالح الشركات، إذ إن حساب الفارق بين المادة الخام (المادة الفعالة ومكون العلاج) وبين السعر مخصوماً من الأجور يكشف مدى التلاعب والكذب الذي تمارسه شركات الأدوية. ووفقاً لما تحصل عليه الشركات من تسهيلات ومزايا، كتوفير شبكة الطرق والمواصلات، ووفرة اليد العاملة، وتدني الأجور، نستطيع معرفة حجم الأرباح التي تريد الشركات زيادتها من الهجمة الشرسة التي تتبناها الأن، وتنفذها الحكومة.
إلى ذلك، تحقق شركات الأدوية أرباحاً طائلة، بسبب الميزات التنافسية، التي تربط حجم سوق الدواء، والكثافة السكانية، ووجود العديد من الأمراض الناتجة عن الفقر، والتلوث، خاصة أن الأمراض التي تصيب المصريين تتعلق بالجهاز الهضمي والتنفسي، وقد شهدت أدوية هذه الأمراض ارتفاعات في أسعارها، ما يعني أن حجم المتضررين من القرار يمثل شريحة كبيرة من الشعب المصري. كما أن القرار شمل أيضاً رفع أسعار الأدوية المزمنة مثل القلب والكلى والضغط، وهي أدوية تستخدم بشكل يومي، ما يعني أن معدلات الربح اليومي ستتضاعف بحكم حجم المبيعات.
حاولت الدولة تخفيف وقع القرار معلنة، أن الادوية التي سترفع أسعارها، هي تلك الأدوية التي تقل أسعارها عن 30 جنيهاً، وبحسب الإحصاءات، فإن الارتفاعات ستطاول نحو 70 دواءً.
والقول إن الدواء سلعة، ونفي مبدأ الحق في الصحة، أمر مرفوض، حيث لا يمكن الاستغناء عن العلاج، أو استبداله، كما أن عجز المواطنين عن توفير العلاج، يؤدي إلى تفاقم الأمراض، والأزمات الصحية، مما يعني زيادة التكلفة الاقتصادية.
لا شك في أن قرار رفع الأسعار لن يكون الأخير، خاصة إذا استمرت الحكومة على ذات المنوال. إن قطاع الدواء في مصر يحتاج إلى توسيع إنتاجه وتطوير إدارته، ووقف نزيف الخسائر. فالمعالجة لا بد أن تكون من خلال وضع دراسات بحثية ترتبط بإنتاج الدواء، وضخ الأموال، إذ لا يمكن تحميل المرضى فاتورة إصلاح تلك الشركات، فهناك مليارات تقوم الدولة بصرفها دون مبرر.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية) 

المساهمون