وليد المؤقت... عرّاب القضية الفلسطينية من البيرو إلى كوبا

وليد المؤقت... عرّاب القضية الفلسطينية من البيرو إلى كوبا

04 يناير 2020
رحلة 4 عقود من الكفاح في اللاتينية (ناصر السهلي)
+ الخط -
يمثل السفير الفلسطيني في البيرو وليد المؤقت طرازا رفيعا من المناضلين المخلصين للقضية الفلسطينية في كل أميركا اللاتينية والكاريبي، فهو ليس مجرد ديبلوماسي عادي، وقبل أن تصبح له علاقة رسمية بالسلك الدبلوماسي، عمل طيلة 40 سنة كمهاجر على تشبيك علاقات كثيرة وشارك في تأسيس اعترافات رسمية بمنظمة التحرير الفلسطينية مع رفاق درب له في رحلة كفاح طويلة في عدد من الدول.

لم يكن العمل في سبعينيات القرن الماضي سهلا "فظروفنا على مستوى السياسة والصحافة كانت صعبة، وبالأخص عدم جرأة الصحافة على إجراء مقابلة مع طرف فلسطيني بفضل التنفذ الصهيوني في دول كانت ترزح تحت الديكتاتورية، وتقيم علاقات أمنية مع الاحتلال"، وفق ما يذكر السفير المؤقت في ليما لـ"العربي الجديد".

بالنسبة لعلاقة الرجل بالجاليات في هذا الجزء من العالم فلم تترك كلها له ليرويها. ففي الشارع حين تسأل الناس عن المؤقت يأتيك جواب "خلال عقود مضت لم نعرف عنه سوى أنه ناشط ومناضل قبل أن يكون سفيرا، وحتى حين أصبح سفيرا في دول عدة في القارة استمر يعمل وفق طريقته القديمة بين الناس وليس رجل مكتب ودبلوماسية فحسب"، وهو رأي فلسطيني من غواتيمالا وتشيلي والبرازيل وليس في البيرو نفسها، حيث أكد الناشط الفلسطيني في صفوف الجاليات نضال الحذوة لـ"العربي الجديد" بعضا من وجوه عمل الجاليات في ظروف "كانت غير ما ظن بعض الناظر إليها من الخارج، فلم يكن سهلا في ظل أنظمة ديكتاتورية على علاقة وثيقة أمنيا بالاحتلال، ونفوذ يهودي واضح في تلك الأيام لطمس الرواية الفلسطينية، أن يعمل فلسطينيو اللاتينية ويصلون إلى ما وصلوا إليه اليوم".


تأطير
لا جدال أن تاريخ التواجد الفلسطيني في أميركا اللاتينية تاريخ مديد لعدة عقود، ورغم ذلك وحين البحث عن نشاط الجالية وبداية انطلاقها في العمل المؤطر قبل نحو 40 سنة يتحدث وليد المؤقت الذي اضطرته "الحاجة التنظيمية"، على ما يصف، لأن يكون جائلا من كوبا حتى البيرو وما بينهما من عواصم ومدن ليكون بين هذه الجاليات أسوة بغيره من ذلك الزمن الذي بدأت فيه المنظمة تنتبه إلى أهمية تأطيرها.

وفي السياق يذكر المؤقت "على سبيل المثال في البيرو لم تكن الجالية مؤطرة بعد، ولم تكن تملك نفوذا في الصحافة، ولنقلها صريحة إنها لم تكن تملك إعلانات في الصحافة لتستطيع التأثير كما يفعل الغير". ويضيف في سياق تأريخ بداية رسم علاقات قوية مع مجتمع الإعلام والسياسة في ليما إلى أنه "بدأنا في الجالية الاستثمار ومراكمة العمل من خلال أنشطة متاحة لنا بالتحدث إلى الأحزاب ووسائل الإعلام والذهاب إلى الجامعات للحديث عن قضية فلسطين واستطعنا أن نقيم تآخ بين مدن فلسطينية ومدن بيروفية ومنها تآخ بين مدينة الخليل ومدينة أركيبا، وهي المدينة الثانية بعد عاصمة البيرو، كما جرت توأمة منذ 25 سنة بين بيت لحم ومن أيام رئيس البلدية الراحل الياس فريج ومدينة كوسكو". وفي الأخيرة، عاصمة حضارة الانكا، الواقعة في جنوب البيرو انطلق أيضا الوجود الفلسطيني حيث لا يزال حتى اليوم يعيش فيها المئات من أصول فلسطينية وهم مندمجون في الحياة المحلية في تلك المناطق وبعضهم تزاوج مع السكان الأصليين وساهم في تطوير الزراعة من خلال مهندسين تخرجوا وعادوا إلى تلك المناطق في أقصى جنوب البيرو.

وعن العمل في ذلك الزمن لحشد تأييد لقضية الشعب الفلسطيني يذكر السفير المؤقت ويؤكد غيره ممن عاصروا تلك الفترة أن "الذهاب حتى إلى غابات الأمازون لم ندخره في سبيل الوصول إلى التعريف بقضيتنا، فقد كانت هناك دفعات مهندسين زراعيين متخرجين بوجود وعي بين اليسار ويسار الوسط أن تسمى دوراتهم باسم الزعيم الراحل ياسر عرفات، وهو من الأمور التي ساهمت في رفع رصيد وسمعة الجالية الفلسطينية المندمجة في مجتمعاتها اللاتينية".
توازيا مع العمل بين مواطني تلك الدول التي طاف بها المؤقت وساهم مع رفاق له من نشطاء سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي باعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وفتح مكاتب رسمية لها "كان العمل يجري أيضا على تأطير الجاليات في كل أميركا اللاتينية بجهود متواصلة في معظم دول القارة التي تتواجد فيها جاليات، فقد انبثقت عن ذلك الكونفدرالية الفلسطينية في عام 1985 من البرازيل وكل بلد لاتيني يقيم فيه فلسطينيون أسسوا فيدرالية لهم، والتي كان لها دور كبير في تأطير وتأسيس حقيقي للجاليات الفلسطينية تحت مظلة واضحة".

ومن تلك الفيدراليات كانت الانتخابات تتم لإيصال ممثلي الجاليات إلى المجالس الوطنية الفلسطينية المنعقدة في تلك الفترة في دول عربية، ومن بينها الجزائر والأردن وتونس.

انطلاقة أخرى
لم يكن عمل الجاليات الذي عاصره وساهم فيه السفير وليد المؤقت مقتصرا على كسب اليسار "بل كنا منفتحين في الثمانينيات، وما زلنا، حتى على يمين الوسط حيث هم جزء من الحياة الحزبية والسياسية في هذه الدول وفيهم مفكرون وباحثون عن الحقيقة ومحيطهم أصلا فلسطيني محلي يعرفونه ويعرفهم". وفي السياق يذكر المؤقت حادثة جرت عام 1982،" فوسط هجمة صهيونية شرسة لاتهام الفلسطينيين وحركتهم بالإرهاب مثلما محاولة تشويه نضال أبناء الجاليات محليا قمنا بعد نسج علاقات مع برلمانيين، رغم الدعاية اليهودية ونفوذها آنذاك، استطعنا السفر بـ15 برلمانيا برفقة أحد أهم وأشهر الصحافيين البيروفيين المخضرمين، سيزر هيلدبراند، الذي أجرى لقاء مع الراحل ياسر عرفات وواجه الرجل أثناء الإعلان عن البرنامج الذي سيبث من خلاله مقابلته عاصفة من الاحتجاجات اليهودية المتنفذة في الصحافة في ذلك الوقت، ولكن الوسط الصحافي احتج على الهجوم على زميلهم هيلدبراند الذي رسمه أحد الصحافيين بشكل كاريكاتوري مرفوعا على صليب ويسأله أحدهم: وهل صلبوك أنت أيضا لأنك أجريت مقابلة مع عرفات؟".

عن تلك الفترة التي لم تكن فيها الجالية متنفذة في الصحافة يذكر المؤقت أنه ورغم القدرات المالية الكبيرة للجالية الفلسطينية إلا أنها لم تكن قبل تلك الحادثة تعمل جماعيا لتجيير نفوذها الاقتصادي "لكنها والحق يقال بعد حادثة هيلدبراند التقت الجالية وبدأت عمليا تستدرك في مجال الإعلان والصحافة، بل عرضت على الصحافي هيلدبراند بعد تركه قناته التلفزيونية اثر ما جرى معه بعد مقابلته ياسر عرفات أن تؤسس له جريدة لكن الرجل كان عصاميا ورفض ذلك ثم التحق بقناة أخرى وهو شخصية يخشاها رؤساء الدول في مقابلته معهم".
أنتجت فترة تأطير الجاليات ومحاولة السفارة الإسرائيلية تشويه الوجود الفلسطيني في البيرو، وخصوصا من خلال امتلاك اليهودي باروتش ابتشر "القناة الثانية"، جيلا فلسطينيا شابا أكثر نشاطا وانخراطا بعد تأسيس الكونفدرالية الفلسطينية لعموم أميركا اللاتينية. وسيبرز لاحقا، بحسب ما يؤكد المؤقت لـ"العربي الجديد"، شاب من أصول فلسطينية هو عمر شحادة "فقد كان عمر يكتب مقالات عن القضية الفلسطينية بالإسبانية وكان خريجا حديثا في المحاماة وطرحنا عليه بمباركة المؤسسات الأخرى أن يرأس الفيدرالية الفلسطينية، وواجه عمر وبقوة زعيم الجالية اليهودية في البيرو ادواردو بيو، كما ساهم بلجم اندفاع رئيس جمهورية البيرو اليخاندرو توليدو وزوجته اليهودية ليليان كارب نحو زيارة دولة الاحتلال بضجة كبيرة وقامت الجالية بدفع 18 ألف دولار لنشر صفحة كاملة في جريدة "إل كومورسيو" وفي عدد يوم الأحد تفند فيها بصياغة عمر شحادة وخوان أبو غطاس محاولة اليخاندرو زيارة دولة الاحتلال والالتقاء بشارون بعد مذبحة مخيم جنين وبوصفه سفاح صبرا وشاتيلا، وهي جهود أثمرت عن لجم البرلمان له ولاندفاعه نحو دولة الاحتلال".


ومن قبل أن يصبح عمر شحادة في الفيدرالية الفلسطينية سيلعب السفير المؤقت، بشهادة شحادة نفسه في حديثه لـ"العربي الجديد" دورا في وصول الأخير إلى عضوية البرلمان في البيرو ليتحول إلى منبر يدافع فيه عن قضية فلسطين ويجمع برلمانيين آخرين في جمعية صداقة فلسطينية بيروفية. ولاحقا سيصبح عمر شحادة أيضا اسما معروفا في البيرو حين أصبح نائب رئيس جمهورية، وسيلعب هذا المحامي الأربعيني دورا هاما في الحياة السياسية لفترة ما بعد رئاسة البرتو فيجوموري، فقد عمل لسنتين متواصلتين كمدع عام لجلبه إلى القضاء وتسلمه من تشيلي ويقضي الآن عقوبة في السجن لمدة 25 سنة. والفلسطيني عمر شحادة مرشح أيضا اليوم إلى عضوية البرلمان في انتخابات الشهر القادم، يناير 2019.




سفير فوق العادة

ينحدر وليد المؤقت من أسرة مقدسية يعود تاريخها إلى الحقبة الأيوبية. وأخذت الأسرة لقب المؤقت من كون الأجداد عرفوا بعلوم الفلك والمواقيت. ونهب الاحتلال 200 مكتبة لآل الخالدي والمؤقت وضم كل ما صادره من مكتبتي الأسرتين إلى الجامعة العبرية. ترعرع المؤقت في أريحا قبل أن يغادر عام 1971 إلى القاهرة لدراسة الحقوق. واختارت حركته، "فتح"، أن ترسله إلى القارة اللاتينية قبل 40 سنة. واستطاع خلال تواجده في القارة نسج علاقات مع عديد الأحزاب والقوى والجاليات الفلسطينية والعربية في اللاتينية والكاريبي. ومن خلال تلك العلاقات استطاع المؤقت فتح عديد مكاتب م ت ف في عدد من الدول. بل إن العارفين به يعتبرون وصول البيرو إلى الاعتراف ببعثة فلسطين الدبلوماسية لعب فيها الرجل دورا كبيرا بعد أن حضر من هافانا التي شغل فيها أيضا منصب سفير فلسطين، إلى جانب دول أخرى تنقل فيها... وفي فترة الشح المالي لم يتردد أيضا في إرسال أسرته إلى فلسطين لينزل بنفسه إلى العمل في التجارة لتمويل مكتب منظمة التحرير في بيرو، وهو ما ذكره أكثر من مصدر فلسطيني في ليما.
وساهم أخيرا بافتتاح ميدان فلسطين في ليما، بمقاطعة سان بورخا، رغم كل الاحتجاجات الصهيونية في البلد، لتنضم إلى ميدان آخر ساهم الرجل بعلاقاته في المدينة بإنشائه ورفع العلم الفلسطيني في حديقته. 
لا يتردد الرجل في حديثه لـ"العربي الجديد" في انتقاد الحالة الفلسطينية المهاجرة في اللاتينية ورفضه كل ما يقوم على "أحكام مسبقة" تشوش العمل الفلسطيني في القارة في ظل محاولات صهيونية لاختراقها لمصلحتها. هذا إلى جانب عتبه على رجال الأعمال الفلسطينيين والجهات الرسمية العربية "فرغم كل القدرات الهائلة لم تستطع كل تلك الشخصيات ولا المؤسسات العربية تأسيس مركز ثقافي ومدرسة عربية كي لا نخسر لغة الضاد ولا تخسر الأجيال الجديدة تاريخها وثقافتها العربيين".
بجهود خاصة استطاع الرجل في بداية الشهر الحالي، ديسمبر، عرض مأساة أسرة الطبيب الفلسطيني عزالدين أبو العيش، الذي قتل الاحتلال 3 من بناته وابنة أخيه وهو يحاكم دولة الاحتلال حتى اليوم، على مسرح الثقافة في ليما من خلال ممثلين بيروفيين تدربوا على المسرحية لثلاثة أشهر وحضرها على مدى يومين جمهور كبير وساسة وبرلمانيون وصحافيون. منزله في ليما لا يفرغ من أبناء الجالية الفلسطينية الذين تستقبلهم زوجته "أم ابراهيم" بوجه بشوش وورق عنب تطهوه بنفسها من ورق الدالية التي زرعاها بنفسيهما. وعلاقات المؤقت بعرب اللاتينية علاقات رجل منهم إذ يعده كثيرون "مهاجر مثلنا وهو بالنسبة لنا مناضل وليس سفيرا ويعتبر مكسبا للجالية الفلسطينية في بيرو".




دلالات

المساهمون