مغاربيو المهجر...انتشار واندماج في المجتمعات الجديدة

مغاربيو المهجر...انتشار واندماج في المجتمعات الجديدة

01 يوليو 2017
مغاربيون في مهجرهم الكندي (العربي الجديد)
+ الخط -


يصعب أن تفكر ببلد في أوروبا والأميركيتين وأستراليا دون أن تكتشف وجود مغاربيين فيه. فحتى في الجزر الدنماركية النائية، الفارو، في شمال المحيط الأطلسي ستجد بين سكانها الـ45 ألفاً مغاربيين.

شهد مطلع القرن العشرين هجرة مغاربية إلى فرنسا. وأسهمت الطلائع الأولى من أمازيغ الجزائر، التي خضعت لاحتلال فرنسا منذ 1830، في تشييد ميترو باريس، وتبعهم آلاف آخرون وكذلك من المغاربة للعمل في المناجم في شمال فرنسا ومنطقة نورماندي.
وشارك أيضاً أكثر من 300 ألف جندي مغاربي في الحرب العالمية الأولى، واضطرت فرنسا لاستقدام 130 ألف عامل من دولهم لتعويض الفرنسيين الذين توجهوا لساحات القتال. وتسبّبت تلك الحرب في مقتل أكثر من 30 ألف شخص منهم على الجبهات، وبعدها شُيِّدَ مسجد باريس الكبير، كنوع من الوفاء الرسمي الفرنسي لهؤلاء المسلمين الذين دافعوا عن فرنسا.
تزايد عدد المهاجرين المغاربيين في عشرينيات القرن العشرين ولكن سرعان ما دفعت الأزمة الكبرى سنة 1930 كثيراً منهم للعودة إلى بلدانهم. ثم شهدت الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي استيعاب الصناعة الفرنسية لعدد كبير من المغاربيين.


 وفي سبعينياته ، وتحديداً في سنة 1974، في ظل حكم الرئيس فاليري جيسكار ديستان، تقرَّر كبحُ هذه الهجرة، ولكن سُمِحَ، في المقابل، للمهاجرين المتواجدين في فرنسا بجلب عائلاتهم. وستعتبر هذه السنة، أي 1974، حاسمة، من حيث الانتهاء من ثقافة القدوم إلى فرنسا من أجل الشغل ثم العودة إلى البلدان الأصلية لقضاء ما تبقى من العمر. من هذا التاريخ ولدت الجالية المغاربية في فرنسا، والتي وصلت، الآن إلى الجيل الرابع.


ومنذ وقت مبكر، بعيد الحرب العالمية الثانية التي دمرت بلدان أوروبا، كان للعمال المغاربة دورهم، إلى جانب اليوغسلافيين والأتراك، في إعادة بناء تلك القارة. فمن السويد إلى الدنمارك فألمانيا شمالاً إلى إيطاليا وإسبانيا جنوباً ما تزال موجات الهجرة مستمرة حتى وقتنا، وإن أخذت حديثاً طابع "اللجوء". بيد أن تاريخ التواجد المغاربي في دول المهجر هو أبعد من ذلك التاريخ.

في فرنسا، البلد الأكثر استقبالاً لهجرات مغاربية، ورغم الخصوصية الفرنسية الحذرة في الأرقام والمبالغات، بل وأيضاً لأن الأرقام الموجودة تتخللها اختلافات كبيرة، لا تخلو من مبالغات، من هذا الطرف أو ذلك.

الرقم الأكثر قرباً من الحقيقة للجالية المغاربية (أي المغرب والجزائر وتونس) تقدر ما بين 5 إلى 6 ملايين شخص، من بينهم 3.5 ملايين يحملون الجنسية الفرنسية. وللمجنسين حق التصويت في الانتخابات والمساهمة في صنع القرار في هذا البلد، وأيضاً ولوج الوظائف العمومية المشترطة للجنسية.

ضريح الجنود المغاربيين في المسجد الكبير بباريس (ناصر السهلي) 

 












 

السعي للمساواة والتأثير

كان الدرس الأول لمسيرة الكرامة والمساواة لسنة 1983، حين كان ميتران وحزبه الاشتراكي يحاولون استمالة أفراد هذه الجالية، هو الاندماجُ، بكل ما يعنيه من الحصول على الجنسية الفرنسية والانخراط في النشاط السياسي، رغم أن الأمر لم يكن سهلاً على من يتحدر من بلدان عربية وإسلامية، مقارَنَةً مع فرنسي من أصول إيطالية أو إسبانية.

وبعد تلك المسيرة التاريخية 1983، ازدادت أهمية الجالية المغاربية، وبرز ثقلها، وهو ما دفع حكومات فرنسية متعاقبة لتعيين وزراء متحدرين من هذه الجالية، من أصول جزائرية (مثل عزيز بقاق، رشيدة داتي وفضيلة عمارة) وآخرين من أصول مغربية (مثل نجاة فالو بلقاسم، مريم الخمري وأودري أزولاي وقادر عارف).

أيضاً، فإن بعضهم رأى أن المسألة لا تقتصر على تعيين وزراء منهم، فقرروا تأسيس أحزاب سياسية ولو أنها لا تستطيع أن تنافس الأحزاب السياسية الكبرى. ومن بين هذه الأحزاب "حزب أهالي الجمهورية"، وهو لا يزال في موقف تصادمي مع السلطة الفرنسية، التي يعتبرها سلطة نيو-كولونيالية، وهو ما يدفع كثيراً من الساسة الفرنسيين لانتقاد راديكاليته والمطالبة بحلّه. وثمة أيضاً حزب "فرنسيون ومسلمون"، الذي انشق عن حزب آخَر يحمل اسم "اتحاد الديمقراطيين المسلمين في فرنسا".

 
بيد أن الأغلبية بين الجالية المغاربية رأت ضرورة الاندماج بالأحزاب والحركات الفرنسية القائمة. خاصة الجديدة، كحركتيْ "فرنسا غير الخاضعة" و"الجمهورية إلى الأمام"، اللتين قدّمتا عشرات من المرشحين من أصول مغاربية في الانتخابات التشريعية الأخيرة (والتي أسفرت عن فوز 15 نائباً برلمانياً، أشهرهم الوزير المكلف بالرقميات في الحكومة، منير محجوبي)، خلافاً لـ"الأبوية" التي لا تزال سائدة في الأحزاب التقليدية الكبرى، والتي لا ترشح الفرنسيين من أصول مغاربية إلاّ في دوائر انتخابية ميئوس منها.


الاندماج في المجتمع الفرنسي تعيشه الجالية المغاربية في حياتها اليومية، بشكل خلاَّق، ولا تُشهرُهُ في كل مناسبة، وقد نجحت فيه باعتراف السياسيين الفرنسيين أنفسهم وأيضاً علماء الاجتماع. وقد اعترف لنا رئيس معهد العالَم العربي بباريس ووزير الثقافة الاشتراكي الأسبق، جاك لانغ، بأن صعوبات الاندماج وما يصاحبها من وصم وتمييز، عاشها كل الوافدين إلى فرنسا في بداية القرن العشرين، وخاصة الإيطاليين والبرتغاليين، وأن ما تعرفه الجالية المغاربية سيتوقف يوماً.

ومما يخفف من وطأة التمييز والعنصرية هو كونها لا تستهدف الناس العاديين، بل حتى وزراء الجمهورية الفرنسية. وتستطيع وزيرة التربية الوطنية نجاة بلقاسم، وهي من أصول مغربية، أن تتحدث طويلاً عن كل ما تعرضت له من انتقاد وتحقير وإهانات وإشاعات في الصحف والمجلات وفي شبكات التواصل الاجتماعي، وهو نفس ما عاشته وزيرة العدل، من قبلها، رشيدة داتي. لا لشيء، إلا بسبب أصولهما المغاربية.
ولكن للاندماج ضريبة، ولا يمكن الإفلات منها، ولا حل سوى المضي إلى الأمام. 

حضور علمي وفني قوي
وإذا كان الاستثنائي زين الدين زيدان برز دوره الحاسم في حصول فرنسا لأول مرة على كأس العالَم لكرة القدم، كشف بقوة وجود مغاربيين فاعلين، فإنه فمنذ سنة 2000 نجد من بين أفضل 20 ممثلاً سينمائياً فرنسياً ساهموا في تحقيق إيرادات مهمة للسينما، سبعة فرنسيين مغاربيين: "غاد ميراد، داني بون، سامي ناصري، زين الدين سواليم، غاد المالح، جمال دبوز، رشدي زيم".

كما كشف مجلس نقابة أطباء فرنسا أن ما يقرب من 9 في المائة من الأطباء المسجلين في نقابته، وهم في حدود 277 ألف طبيب، ولدوا في دول المغرب العربي.
كما تشير إحصاءات اقتصادية إلى أن 10 في المائة من مقاولي باريس الكبرى، حيث توجد كثافة سكانية من أصول مغاربية، هم من أصول مغاربية. في حين أنهم يشكلون 6 في المائة من مقاولي فرنسا.


أطفال مغاربيون في كندا (العربي الجديد) 

 

فرنسية كيبك الخيار المفضل
وفي كندا تقدر الإحصاءات الرسمية عدد المغاربة بحوالى 71 ألفاً. وهجرة هؤلاء تعود إلى مرحلتين. الأولى، في الستينيات والثانية في التسعينيات. وبسبب لغة مقاطعة كيبك الفرنسية فإن الأغلبية من هؤلاء يختارون العيش فيها. ورغم ذلك، ينتشر هؤلاء أيضاً في مناطق أخرى كتورنتو وفانكوفر وينبيك وأوتاوا. ولدى الجاليات 20 منظمة وجمعية ومؤسسة.
وتبرز في منطقة ألبرتا، التي يقطنها حوالى 6 آلاف مغربي، "الجمعية االمغربية"، ويتحدر أغلب مغاربة المقاطعة من أغادير وسلا و الدار البيضاء ومدن أخرى.


وبحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" مديرالجمعية، زكريا معشار، فإنها "جمعية تقدم خدمات اجتماعية لأبناء المغاربيين. والهدف الرئيس هو مساعدة القادمين حديثاً والسعي إلى الدمج".

ويبن معشار أن أسباب موجة الهجرة الأولى باتجاه كيبك "كان للعمل والدراسة في جامعة لافال. وفي التسعينيات اختار قسم الهجرة الى مونتريال بسبب اللغة أيضاً والبحث عن فرصة عمل أفضل، وحيث بدأت مقاطعة البرتا تنشط اقتصادياً بالصناعات النفطية". 

وشهدت أدمنتون، في البرتا، انتقال المتعلمين في مونتريال إليها للعمل في مجال البترول بالتزامن مع قدوم نسبة لا بأس بها للعمل في مجال الصحة والتعليم والطبخ عبر عقود في 2007 و2009.

ولا تقتصر "الجمعية المغربية" على أعضاء من المغرب، بل "جاليات جزائرية وتونسية وليبية ينضمون إليها، ويشكل أبناؤهم 30 بالمئة من طلاب المدرسة العربية في الجمعية".

وفي أونتاريو يقول رئيس "الجمعية المغربية في تورنتو"، فوزي متولي، إن "عدد أبناء الجالية هنا (أونتاريو) يقدر بـ40 ألفاً. ويتحدر هؤلاء بمعظمهم من مراكش والدار البيضاء ووجدة وطنجة ومن بقية المدن المغربية. بينما تقديرات عددهم في كل كندا هي بين 120 و130 ألفاً".

أما عن المغاربة في مقاطعة أونتاريو فيقول لنا فوزي متولي رئيس الجمعية المغربية في تورنتو، إن الجمعية تقدم لأبناء الجالية المغربية أنشطة مختلفة منها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأنشطة للأطفال وإن هذه الجمعية تعتبر من أقدم وأهم الجمعيات المغربية في كندا ويعود تأسيسها الى 30 عاماً.

أول قاض مسلم في الحكومة الكندية
يبيّن متولي أن أول قاض عربي ومسلم في الحكومة الكندية في تورنتو هو محمد برهمي من المغرب، إضافة الى كثير من الشخصيات المغربية التي لها بصمتها في المجتمع الكندي ومنهم بعض الرياضيين الذين شاركوا بتمثيل كندا في الألعاب الأولمبية.
ومن أبرز الأنشطة التي تقدمها الجمعية لتعريف المجتمع الكندي بالثقافة المغربية "إننا نقوم بالتعاون مع بلدية مدينة تورنتو برفع العلم المغربي في عيد الاستقلال المغربي، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ونقدم أيضاً تعريفاً عن تاريخ المغرب وثقافة المغرب لكي يتعرف المجتمع الكندي على ثقافتنا "، يختم مدير الجمعية فوزي متولي.


ومن بين أسماء الجيل المغربي الجديد في كندا يبرز اسم رشيد بدوري، المولود في مونتريال 1976، كأحد الوجوه الكوميدية التي تعرفها كندا، وخصوصاً حين عُرف في كيبك بتقديمه عروضاً جذبت الجمهور لما فيها من نقد فكاهي ورغبة في التبادل الثقافي والعيش المشترك.
وذلك إلى جانب أسماء كثيرة أخرى ناجحة في مستويات الفنون والرياضة والسياسة. ورغم منغصات الغربة، وغياب المأسسة واختلال العلاقة فإن الجيل الجديد في الجاليات المغاربية يحاول جاهداً الخروج عن النمطية التي صبغت صورتها في مهجرها الأميركي الشمالي أسوة ببقية مناطق انتشارها.

دلالات

المساهمون