إسلام أوروبي...دول ومؤسسات رسمية تبحث عن الصيغة الملائمة

إسلام أوروبي...دول ومؤسسات رسمية تبحث عن الصيغة الملائمة

08 ابريل 2018
المواطنة والاندماج لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل(العربي الجديد)
+ الخط -


خلال الأسبوعين الأخيرين انشغلت أوساط جاليات عربية ومسلمة في أوروبا بتصريحات ومواقف مختلفة عن علاقة المسلمين بأوروبا. وكان تصريح وزير داخلية ألمانيا هورست زيهوفر عن أن "الإسلام ليس جزءا من ألمانيا" قد أثار جدلا قديما جديدا عن التواجد العربي، وأغلبيته من المسلمين، في هذا البلد الأوروبي الكبير.

لكنه لم يقل إن "المسلمين ليسوا جزءا من ألمانيا"، بل أكد على أنه يتفق مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أنهم "جزء من ألمانيا بالطبع". هذا الجدل ليس جديدا، فقد سبق أن طرح في 2010 بتصريح للرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف، حتى وصل إلى التدقيق "نعم، المسلمون جزء من بلدنا". وبالكاد يخلو أسبوع أوروبي من مثل هذه النقاشات الكبيرة.

وخلال السنوات الماضية، وخصوصا مع تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين، وبنسبة كبيرة من العرب، اتجه الجهد الرسمي لحكومات بعض الدول، ومنها، إلى جانب برلين، باريس وكوبنهاغن، نحو تطبيق مقولة "إسلام محلي".

في أكثر من مناسبة تؤكد بعض الأحزاب الأوروبية، حيث تنتشر جاليات عربية ومسلمة بأعداد كبيرة، على مسألة "يتعين على المسلمين العيش معنا وليس بجانبنا أو ضدنا"، كما فعل زيهوفر، ومثله كثيرون. لكن الانتقادات لم تتوقف، لأن الجهد صب في اتجاهات "الحوار المشترك لتعزيز التفاهم"، بانتقاء "بعض مؤسسات وشخصيات لا تمثل واقعيا الكثير في مجتمعات المهاجرين"، بحسب هؤلاء المنتقدين، وخصوصا الشباب.


وسواء في برلين أو بروكسل أو كوبنهاغن أو استوكهولم، يطرح شباب من أصل عربي الكثير من الأسئلة عن "ضياع الجهود" بعيدا عن جوهر مسألة المواطنة.

ماكرون يعزز النمطية النخبوية
وفي سياق البحث عن "إسلام جديد" في أوروبا، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم 26 مارس/ آذار، أن ينفتح على العالم العربي والإسلامي، على طريقته، ويناقش "مكانة ومستقبل الإسلام في أوروبا"، من خلال استقباله لشخصية مثيرة للجدل، في الدنمارك وفي أوروبا، تمنح لنفسها لقب إمامة، هي شيرين خانقان.

وقد أثار هذا اللقاء امتعاض الكثير من مسلمي فرنسا، الذين يرون أنه لا يمكن مناقشة موضوع جسيم، مثل "مكانة ومستقبل الإسلام"، مع مثل هذه السيدة، التي تبحث عن الشهرة والضجيج، وليس مع التيار الجارف من مسلمي فرنسا والعالَم، الذي لا يرى من دور لهذه السيدة، التى تجهل الدين والفقه الإسلاميين جهلا فظيعا، إلا في الإثارة والتشويش.

وحول ذلك، يقول إمام مسجد لونجيمو، لـ"العربي الجديد": "لا يجب أن نهتم بهذه السيدة، فهي فقاعة، ومناقشتها تمنحها الشهرة، وهو ما تريده. ولعلّ لقاءها مع الرئيس إيمانويل ماكرون يندرج في هذا الإطار".

تحاور الرئيس الفرنسي معها ومع "حاخامة" يهودية، هي ديلفين هورفييور. والمثير للدهشة أن الرئيس ماكرون هو الذي بَادَر للاتصال بهما، من أجل "الحصول على تأملات حول أفضل طريقة، في نظرهما، لتحسين الحوار بين الحضارات".

ولم تفوت شيرين خانقان، التي تنادي بـ"إسلام حديث ومتفتح وتقدمي ومعتدل"، الفرصة، فاقترحت على الرئيس الفرنسي تنظيم مؤتمر كبير يجمع نساءً أئمة من العالم بأسره، إضافة إلى نساء حاخامات، وقسيسات بروتستانتيات، وراهبات كاثوليكيات ومثقفين من كل الديانات، وخصوصا من المسلمين، من دون تمييز في الجنس. وهو ما وعدها الرئيس الفرنسي بتسليط اهتمامه على الفكرة ودراستها والرد عليها، كما تقول شيرين خانقان، التي تضيف أنها قريبة من التصوف. ولا تخفي الدنماركية أن المغرب مرشح لاستقبال هذا اللقاء، بسبب "ظهور جيل جديد من مدرّسات الدين للنساء، أي المرشدات". 

وهذه الفكرة عن المغرب تثبت، مرة أخرى، ضحالة تفكير خانقان وجهلها بحقيقة الإسلام في العالم، وفي المغرب خصوصا، فالمرشدات تم تعيينهن لتعليم الأميّات مبادئ التدين، وهنّ لسن "إمامات"، كما يخيل لها، كما أنهن لا يشرفن على مساجد خاصة بهن. 

ويتساءل بعض ممن تحدثت معهم "العربي الجديد"، ومعظمهم ممن ولدوا وكبروا في مدن أوروبية "لماذا لا يهدأ الطرفان قليلا، فليركزوا على أننا جميعا مواطنين، بغض النظر عن الأصل والدين. فبدل انشغال مؤسسات إسلامية محلية بكثير من الضجيج حول دخول شخص أوروبي إلى الإسلام، فليركزوا على الواقع والاندماج وعلى إشعار المحيط بحقيقة تعاليم المسلمين، بدون إهدار كل هذه الطاقات في قضايا يمكن أن تأتي تلقائيا"، بحسب ما يصر طالب جامعي عربي في كوبنهاغن (تحفظ عن ذكر اسمه).

وفي المقابل، ولأن القضية تمس هذه الفئة أيضا، تذهب 9 من نساء غربيات، اخترن ترينا أو "فاطمة"، وهي مسلمة أوروبية منذ 20 سنة، للتحدث باسمهن مع "العربي الجديد"، بالقول: "هناك هوس حقيقي بالأرقام والنسب، على الجانبين، فبعض الأحزاب والشخصيات والمؤسسات تريد كل منها إقناع المحيط بأن نسبة المسلمين تتزايد في أوروبا، من باب التخويف. فيما الثاني، مؤسسات وشخصيات مسلمة وعربية بين الجاليات، تشيع سلبية الركون لهذه النسب غير الصحيحة، فلا يقوم المرء بما يتوجب عليه ليندمج ويعيش مواطنته بشكل صحيح".


تؤكد فاطمة أن "العيش في ظل المظلومية أمر خطير جدا، وأتفهم أن السياسيين والصحافة تساهم بذلك، لكن ممارسات الفرد والجماعة والمؤسسات مهمة، دون حاجة لهدر الوقت في تأكيد قضايا نظرية، فما هم الإنسان العادي الذي يجري تخويفه منا إن كان احتفال المسيحيين بهذه المناسبة أو تلك صحيحا أم خاطئا؟ هل بهذا الجدل يتقدم واقع المسلمين كجزء من مجتمعاتهم الجديدة؟".

أسف المؤسسات
وفي فرنسا أيضا أسف الكثيرون لأن فكرة اللقاء مع خانقان المثيرة أصلا للجدل في بلدها الدنمارك، بين الطرفين، وبتخطيط مستمر منذ 3 أشهر من ماكرون نفسه، ليس فيها سوى إثبات فشل فكرة مستمرة من حكومات متعاقبة في تنظيم الإسلام الفرنسي. هذا فس الوقت نفسه الذي تتأزم فيه العلاقات بين الإليزيه ومختلف تيارات الإسلام الفرنسي، من "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" و"مسجد باريس الكبير"، و"مسلمو فرنسا"، بعد خطاب أخير للرئيس يتحدث فيه عن التدخل في شؤونهم، وهو ما رفضته هذه التمثيليات، بشكل فوري، لأن الديني لا يعني سوى المسلمين.

ما يشير إليه الشباب من أصل عربي ومسلم في حوارات خاصة بـ"العربي الجديد"، هو أن حاجتهم هي للتمعن في أوهام "تغيير وجه القارة"، و"التركيز في القرن الحادي والعشرين على بديهيات المواطنة والانخراط في المجتمعات بدل الانشغال بآلات حاسبة وبث السلبية والاتكالية عما يخمنه البعض في المستقبل".

واقع حال
تبدو الأرقام والإحصاءات والتوقعات أكثر وضوحا علميا لإعطاء صورة واقعية بعيدا عن تهيؤات كثيرة في طرفي الجدل حول مسلمي أوروبا. تقرير "بيو" الصادر في نهاية 2017، يشير بوضوح إلى أنه من بين 520 مليون إنسان أوروبي لم يصل عدد مسلمي دول القارة في 2016 إلا إلى 25.8 مليونا. ويضع معدو التقرير سيناريوهات ثلاثة لقياس النمو: هجرة متوقفة، متوسطة ومرتفعة. وبكل الأحوال، تشير النسب المئوية، المتوافقة مع تقارير "يوروستات"، إلى أنه حتى لو أخذ بسيناريو استمرار الواقع كما هو اليوم، فإن ألمانيا لن يكون فيها المسلمون في 2050 أكثر من 8.7 في المائة.

ولو ذهبنا إلى فرنسا فلن تتجاوز 12 في المائة، السويد 11 في المائة، والدنمارك 7 في المائة، والنمسا 9 في المائة إلخ. ما يهم هنا ليس ارتفاع وانخفاض النسب، فاليهود في بعض الدول لا يشكلون نسبا كبيرة ورغم ذلك فقد أدى الاندماج، وبدون ضجيج، إلى منجزات وتأثير يتجاوز بكثير كل الكم المسلم في القارة. لعل الركون إلى النسب مشكلة خطيرة، برأي من حاورتهم "العربي الجديد" مطولا، وهو ما تحتاج مؤسسات الجاليات لنقاشه بشكل صريح بين أبناء العرب والمسلمين، حتى لا يبقون على هامش تقاذفهم بلا جدوى.

المساهمون