عرب أوروبا... "الإرهاب الأبيض" يقضّ المضاجع

عرب أوروبا... "الإرهاب الأبيض" يقضّ المضاجع

24 فبراير 2020
مخاوف من تزايد التحريض ضد المهاجرين العرب (العربي الجديد)
+ الخط -
أكد عدد من أفراد الجاليات العربية في أوروبا، في تصريحات لـ "جاليات"، أن موجة إرهاب "بيضاء" جديدة تشهدها أوروبا، بعد الحادثة الدموية في هاناو في ألمانيا، مما يعيد شحن الأجواء.

بالرغم من أن عبد المجيد السيد "أبو سعيد" يعيش في بريمن، شمال ألمانيا، على بعد ساعات من الجريمة الإرهابية التي شهدتها مدينة صغيرة إلى الشرق من فرانكفورت، هاناو، إلا أنه يخشى على أسرته، 3 من الأبناء الذكور وابنة ترتاد الثانوية، "فمن يدري إن كنا نعيش بالقرب من خلية أو شخص إرهابي عنصري"، بحسب ما يذكر أبو سعيد لـ"جاليات".

ما يخشاه هذا المهاجر الفلسطيني منذ 30 سنة إلى النمسا وانتقاله لاحقا إلى ألمانيا بسبب عمله، ليس فقط أن يفقد أحد أفراد أسرته في عملية شبيهة بتلك التي قام بها إرهابي ألماني، مساء الأربعاء الماضي، "القصة أبعد من عائلتي الصغيرة، فملايين الناس من خلفيات إثنية مختلفة تعيش في مجتمع ألماني تعددي، ولا يمكن أن يكون هناك سلام يعيشه الناس، طالما أن بيانات هؤلاء المتعصبين تهدد وتستهدف كل من هو من غير خلفية أوروبية. وما أخشاه هو انفلات الأمور وأن يصبح اليأس من السلطات السياسية والأمنية دافعا إلى انتقام ذاتي".

امتعاض من التحريض
ذلك الموقف، وإن بدا مغايرا لتصريحات سياسية ألمانية رافضة العنصرية والعنف المتطرف، ومؤكدة على دور المؤسسات في حماية كل المواطنين، وآخرها موقف وزير داخلية ألمانيا الاتحادية، هورست زيهوفر، الذي اعتبر، أمس السبت، أن "ما جرى هو هجوم إرهابي في هاناو"، وهي المرة الأولى التي يطلق فيها سياسي محافظ ومعروف بمواقفه على يمين المستشارة أنجيلا ميركل، أن ثمة إرهابا أبيض في بلده، إلا أن توجهات السياسيين نحو اليمين لا تطمئن كثيرين مثل أبو سعيد.

ومن جهتها، تشترك المهاجرة اللبنانية تانيا، أم جورج، في ميونخ، وهي والدة شابين يعيشان ويدرسان في هامبورغ، مع أبو سعيد في تقاسم خوف مزدوج، إذ تقول "أستطيع أن أقدر فظاعة تلقي أمهات الضحايا لخبر مقتل أبنائهن (9 ضحايا و6 جرحى في عملية هاناو، وجميعهم مسلمون)، فهؤلاء الضحايا مثل أي شباب في عمرهم، يخرجون إلى مقهى للالتقاء بأصدقاء، وصرت أتصل بولديّ أرجوهما ألا يخرجا ليلا".
وتضيف أم جورج "أضع يدي على قلبي منذ يوم الخميس، حيث صحوت على الخبر المفجع لنا جميعا"، وتابعت "ما قاله هذا العنصري الإرهابي عن رغبته في إبادة شعوب وثقافات كاملة يثير قلقي. وخوفي ليس فقط على ولدي، بل مما ستجلبه العمليات الإرهابية وتصاعد نبرة تحريض اليمين المتطرف ضد الجميع".
وتخاف أم جورج من قيام بعض المهاجرين المستهدفين بردّات فعل عنيفة، باستهداف ذاتي لليمين المتطرف، "لأنه بالضبط ما يريد أن يستدعيه معسكر نازي ألماني وأوروبي منسق معه". وتصر أم جورج على "أن تصل إلى من يقرأ جريدتكم أن الجميع في سلة واحدة عند العنصريين والقوميين المتعصبين، فلا فرق عندهم بين مسلم ومسيحي، جميعنا في نظرهم نستحق الاستهداف".

إلى الدنمارك
إلى الشمال من ألمانيا، وفي مدينة أودنسه، وسط غرب الدنمارك، يذكر الشاب عيسى بكري خير الله أنه غاضب من "نفاق معسكر اليمين في ألمانيا، حيث شعرت بسخرية الموقف حين سمعت تنديد حزب البديل لأجل ألمانيا بالعملية الإرهابية باعتبارها صادرة عن (رجل مريض)، فلو كان المهاجم مسلما لسارع اليمين، بما فيه الدنماركي والألماني والسويدي، إلى إقامة حملات إعلامية تتهم كل العرب والمسلمين".

ويتساءل عيسى "ماذا لو قام شباب أكراد (حيث معظم من قتلوا في هاناو من الشبان الأكراد) أو عرب مسلمون بردود أفعال على تكرار استهدافهم والتحريض عليهم؟ أظن أن الجواب واضح".
عيسى، الذي يدرس اليوم إدارة أعمال، عاش سابقا بعض المشاكل مع الشرطة الدنماركية "حيث كانوا يوقفونني أثناء العودة من التدريب من قاعة اللياقة البدنية، مستفزين إياي بكلمات وتلميحات عنصرية، أو التعليق على ما يمكن أن يكون في حقيبة ظهري، بعد حادثة طعن في قطار في بلجيكا على ما أظن، معتقدين بتصور نمطي أننا جميعا من أصحاب السحنة غير البيضاء لا نفكر سوى في العنف والسكاكين واستهداف محيطنا الأبيض، وهذا أسميه تأسيسا مؤسساتيا للعنصرية والنمطية".


من ناحيتهما، فإن مصطفى وسوزان (مهاجران من السويداء في سورية منذ 2012 ويقيمان في السويد) ولديهما أقارب في برلين، يذكران لـ"جاليات" أن "الأجواء مليئة بالتشنج منذ حضورنا إلى السويد. فرغم أن يسار الوسط هو الذي يحكم، إلا أن نفوذ اليمين المتطرف في حزب "ديمقراطيو السويد" يزداد في الشارع، ويجد خطاب النازيين المتشددين ضد المهاجرين مكانا على وسائل التواصل، وهذا يضع المهاجرين هدفا شبه يومي للتحريض عليهم. والمخيف أن استطلاعات الرأي تعطي تقدما لليمين المتطرف، رغم فضائحه في علاقته بالنازية الجديدة"، ويختتم الزوجان القلقان "هذا وغيره يجعلك تفكر دائما في أن مستقبل أطفالنا في هذه الأجواء ليس جيدا، ربما يكون مظلما إن ظلت الأمور تتطور على هذا النحو".

إعادة نظر في الأولويات
ومن ناحيته، يذكر الخبير في شؤون الهجرة، هانس يورغن، في كوبنهاغن، لـ"جاليات"، أن "الخطأ الفادح الذي ارتكب على مدى سنوات ماضية أدى إلى هذه النتيجة، فالسياسات في مجتمعات أوروبية، أقلها في الشمال، ركزت كثيرا على التملق لخطاب اليمين المتطرف لكسب الناخبين، وصرفت أموالا طائلة في مواجهة إرهاب محتمل من البيئة المسلمة، حيث انتشر الشك والريبة بعد حادثة الدهس في استوكهولم في 2017 وبرلين في 2016 وغيرها من العمليات".

ومن ناحيته، يذكر الباحث مورتن فيسترغورد أنه "فيما عمليات استهداف المساجد وتقدم التحريض المتطرف لم يعره الساسة والأمنيون الكثير من الانتباه، تزداد الخشية أن فعلا إرهابيا كالذي حدث يوم الأربعاء الماضي يمكن أن يحفز نازيين ومتعصبين في السويد والدنمارك وهولندا وغيرها على الإقدام على مثل تلك الاستهدافات لفئات إثنية محددة". ويختم هانس يورغن "أتفهم تماما مشاعر القلق التي تنتشر بين المواطنين من خلفيات إثنية غير أوروبية بفعل تصاعد النبرة اليمينية المتعصبة ضدهم، ويجب أن ينتبه اليسار ويمين الوسط إلى أن هذا الواقع سيتفاقم إذا لم يتم الحزم، وإعادة النظر في الأولويات، بنفس المستوى الذي واجهوا به إرهاب داعش، لمنع انتشار إرهاب نازي ألماني إلى مجتمعات أخرى ترتبط فيها حركات متعصبة بالحركة النازية الألمانية. ويتطلب ذلك مراجعة الخطاب السياسي والإعلامي الذي يساهم في تأجيج التحريض عليهم".

دلالات

المساهمون