حلم الحج[1/6]...التقرّب لسياسيي العراق عبر تأشيرات المجاملة السعودية

حلم الحج [1/6]...التقرّب إلى سياسيي العراق عبر تأشيرات المجاملة السعودية

29 اغسطس 2017
زيادة عدد تأشيرات المجاملة السعودية لسياسيي العراق (فرانس برس)
+ الخط -
يعلو الهم والحزن وجه الستيني العراقي علي سبهان الجنابي، بعد فشله في السفر إلى المملكة العربية السعودية، لتأدية فريضة الحج، على الرغم من حصوله على تأشيرة من شركة سياحية نالتها عبر برلماني عراقي، إذ اكتشف عقب دفع قيمة التأشيرة للشركة أن مقعده تم بيعه مرة أخرى وبسعر أكبر لمقيم عراقي في العاصمة الأردنية، بينما لم تجد وسائله الاحتجاجية وتوسله في تغيير موقف مسؤولي الشركة المتعهدة بهذا النوع من الحج.

سبق للجنابي أن قدّم اسمه ثلاث مرات إلى هيئة الحج والعمرة العراقية، على أمل الفوز بالقرعة التي تجريها الجهة المخولة بمنح تأشيرات الحج ضمن الحصة المقررة للعراق من قبل السعودية، "غير أنه لم يحالفه الحظ لتأدية الركن الخامس من الإسلام" كما يقول، قبل أن يضيف وهو مستاء "كنت أتمنّى السفر إلى الديار المقدسة مع صديق عزيز لي حصل هو الآخر على "تأشيرة مجاملة" من تلك التي تمنحها السلطات السعودية للسياسيين العراقيين"، والتي بلغ عددها 3200 تأشيرة مجاملة، وفقاً لما كشفه الناطق باسم هيئة الحج العراقية حسن فهد الكناني في إفادة خاصة لـ"العربي الجديد".

حصة الحج

في العام الماضي بلغ عدد تأشيرات المجاملة 1850 مقعداً، مقدمة من السعودية إلى سياسيين وبرلمانيين ومسؤولين عراقيين، وفقاً لما كشفه متعهّد نقل الحجاج جاسم الشيخلي، والذي يمتلك شركة للحج والعمرة في منطقة المنصور ببغداد، قائلاً لـ"العربي الجديد" "ساهمت شركتي بالتعاون مع أخرى أردنية في تأمين التذاكر والحجوزات لـ 256 حاجاً من بين الـ 1850 الذين قاموا بتأدية فريضة الحج في عام 2016 بواسطة هذه الطريقة".

ولا تدخل تأشيرات مجاملة السياسيين ضمن الحصة المقرّرة للعراق من مقاعد الحج بحسب حسن الكناني، وشهدت تلك الحصة بدورها زيادة عن مثيلتها في العام الماضي، إذ بلغ عدد التأشيرات الإضافية 8515 مقعداً، لترتفع الحصة الإجمالية إلى 33.960 مقعداً للحج في عام 2017، بعد أن كانت في العام الماضي 25172 مقعداً، وفق ما وثقه معدّ التحقيق عبر الموقع الإلكتروني الرسمي لهيئة الحج والعمرة العراقية.

ويشدّد المتحدث الرسمي باسم هيئة الحج على نفي أي علاقة لهم بهذا النوع من التأشيرات، والذي قال إنه يمنح باعتباره نوعاً من المجاملة لشخصيات وهيئات وجهات يتم تفويجهم وإسكانهم خارج هيئة مقار الحج العراقية، مضيفاً أنهم في الهيئة غير ملزمين بتقديم الخدمات للحاصلين على هذا النوع من التأشيرات.


الحج مقابل الأصوات الانتخابية

يكشف الستيني الجنابي لـ"العربي الجديد" أن صديقه الذي نال تأشيرة المجاملة يعد واحداً من خمسة شيوخ قبائل في منطقة شمال العاصمة بغداد حصلوا على تأشيرات للحج بواسطة نائب في البرلمان يقوم سنوياً بتوزيع هذا العدد بين الشيوخ والوجهاء، طمعاً في الحصول على أصوات أبناء تلك القبائل في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بحسب قوله.


ويمكن للبرلماني العراقي ذي الصوت المسموع والمسؤول الحكومي النافذ أن يحصل على خمسة مقاعد للحج بشكل مباشر من السلطات السعودية، بينما ترتفع هذه النسبة في حالة الرئاسات الثلاث "الجمهورية والوزراء والبرلمان" وتصل حتى 100 مقعد لكل واحدة من هذه الرئاسات، و"يتم توزيعها وفقاً لاعتبارات متعددة وفي مجال العلاقات والمجاملات بنسب متفاوتة وللكسب السياسي بالدرجة الأساس"، وبحسب متعهد نقل الحجاج الشيخلي، والذي يمتلك خبرة كبيرة في جميع الطرق الخاصة بأداء شعيرة الحج ومنها تأشيرات المجاملة، فإن من يحصلون عليها يسافرون إلى السعودية عبر العاصمة الأردنية حصراً، نظراً لتخصيص رحلات مطار بغداد لحجاج القرعة التابعين لهيئة الحج والعمرة العراقية، والتي لا تشمل الحاصلين على تأشيرات المجاملة.

ويعرض برلمانيون لا ينوون الترشح للانتخابات المقبلة ومسؤولون ينوون اعتزال العمل الحكومي بيع حصصهم من مقاعد الحج الخاصة، بأسعار تصل إلى خمسة آلاف دولار أميركي، وفقاً لما وثقه المتعهّد الشيخلي عبر تعاملاته، مشيراً إلى إقبال الأثرياء والمقتدرين مادياً من الراغبين في الحج والعاجزين عن الحصول على تأشيرات القرعة الرسمية على تلك التأشيرات، حتى إنهم يدفعون ما تطلبه الشركات مهما كان السعر مبالغاً فيه.

استخدام الحج للكسب السياسي

ترجع الزيادة الملحوظة في عدد تأشيرات المجاملة من 1850 وحتى 3200 تأشيرة ممنوحة للسياسيين والبرلمانيين العراقيين إلى حالة الانفتاح التي تشهدها العلاقة بين السعودية والعراق، بسبب الضغوط الداخلية والإقليمية التي تواجهها المملكة، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد" مقرر البرلمان العراقي معمار نياز أوغلو.

وبحسب الأرقام المتوفرة لدى أوغلو، والتي عرضها على معدّ التحقيق، فإن 51 برلمانياً عراقياً ذهبوا إلى الحج لهذا العام، منهم 23 نائباً حصلوا على تأشيرات مجاملة من الجانب السعودي، بينما سافر 21 برلمانياً وفق الحصة الرسمية المقررة للعراق و5 عن طريق مؤسسة الشهداء و2 حصلا على مقاعد للحج عبر هيئة السجناء السياسيين (مؤسسة حكومية تابعة لمجلس الوزراء العراقي لتعويض المعتقلين السياسيين قبل 2003).

ويعتقد أوغلو أن حصة الحج الممنوحة للبرلمان، والتي توزعت بين النواب والمسؤولين والموظفين هي محاولة لكسب ود البرلمانيين وتعاطفهم، والذين من الممكن أن يعربوا عن شكرهم لهذه الهدية بشكل مجاملات ومواقف سياسية لصالح السعودية، قائلاً "زيادة عدد تأشيرات حج المجاملة لهذا العام تأتي في سياق الانفتاح السعودي على العراق وبعدة وسائل ومنها تأشيرات فريضة الحج الممنوحة للشخصيات العراقية المتنفّذة".


تسييس المقدسات

يتفق المحلل السياسي العراقي عدنان الحاج مع كلام مقرر البرلمان أوغلو بخصوص الكسب السياسي عبر تأشيرات المجاملة الممنوحة لعدد كبير من البرلمانيين والمسؤولين وأصحاب القرار في الدولة العراقية، معرباً عن أسفه لاستخدام هذه الشعيرة المقدسة في مجال السياسة وكسب التأييد الإقليمي والتحشيد في قضايا لا علاقة لها بالدين ولا تمت إليه بصلة.

المحلل الحاج أوضح لـ"العربي الجديد" أن كثيراً من السياسيين والمسؤولين في العراق يستخدمون تأشيرات الحج وبطرق مختلفة، بعضها لتحقيق مكاسب سياسية والأخرى لأهداف متنوعة، وضرب مثالاً برئيس الوزراء حيدر العبادي الذي كان يعاني من ضغوط شديدة واتهامات بالتقصير بعد تفجير مروع حصل في منطقة الكرادة في يوليو/ تموز من العام الماضي 2016 راح ضحيته 250 قتيلاً، نال 100 من ذويهم تأشيرات مجاملة من قبل رئيس الوزراء ضمن حملته الإعلامية للرد على منتقديه.

ويستعرض الحاج شكل الفائدة الهرمية لتأشيرات المجاملة، والتي تبدأ من السعودية المتربعة في القمة وتمنح التأشيرات للسياسيين الذين يوزعونها بدورهم بين القادة القبليين وحتى الزعماء الدينيين من أجل الترويج والتسويق الانتخابي لهذا السياسي أو ذاك المسؤول، مبيناً أن الجميع في النهاية مستفيدون، سواء الحاج الذي ذهب أو المسؤول الذي منح أو السعودية التي وهبت التأشيرات.

ويرى المحلل والكاتب العراقي أنه بوجود مشاكل واضطرابات في الداخل السعودي وحرب عسكرية على الحدود وحصار تفرضه على دولة عربية فإن اللجوء إلى أوراق الاقتصاد والعلاقات والعمالة الوافدة قد تكون مفهومة لدى البعض ولكن استخدام الورقة الدينية ممثلة بتأشيرات المجاملة والكسب السياسي من خلالها يعد أمراً مستهجناً ويتنافى مع دور المملكة في رعاية وإدارة هذه الشعيرة المقدسة.


التأصيل الشرعي لتأشيرات المجاملة

ما مدى شرعية هذه التعاملات وتأثيرها على صحة الحج؟ يجيب الدكتور في الشريعة الإسلامية، قاسم الغريري، عن السؤال السابق، قائلاً: "لا يوجد أي تأصيل شرعي لظاهرة تأشيرات المجاملة، والتي قد تعود ببعض المفاسد ومنها منحها بشكل مخصص لأناس دون آخرين، سواء كانوا سياسيين أو مسؤولين، أو الوقوع في حرمة بيع مقاعد الحج التي يلجأ لها بعض الحاصلين على تأشيرات المجاملة ".

ويشرح الشيخ الغريري الذي يخطب الجمعة في مسجد يقع غربي بغداد أن المجاملة هي الأساس الذي يقوم عليه منح هذا النوع من التأشيرات، وهو مفهوم لا وجود له في الشرع، والذي جعل "الاستطاعة" هي الشرط الوحيد لأداء مناسك الحج، وبالتالي فإن تخصيص هذا السياسي أو المسؤول للحصول على التأشيرة لم يأتِ بسبب ورعه أو علمه أو خدمته للدين ولكن من أجل العلاقات السياسية ليس إلا.

ويستغرب الغريري من تأدية البرلماني أو السياسي وأقربائهم ومعارفهم فريضة الحج سنوياً، في وقت يتمنّى الملايين من العراقيين تأدية الركن الخامس في الإسلام، داعياً إياهم إلى قضاء حوائج الناس المكلفين بها رسمياً، سواء إقرار القوانين في البرلمان أو تسهيل معاملات المواطنين في الدوائر والمصالح الحكومية.

ويلفت إلى أن هذا النوع من التأشيرات فتح الباب للحرام، ممثلاً في بيعها الى الراغبين في الحج، مشدداً على أن الحكم الشرعي واضح في هذا المجال، إذ إن من منحت له تأشيرة حج يجب أن يستخدمها بنفسه أو يمنحها مجاناً بعدالة إلى من يحتاجها، أو يعيدها إلى مصدرها إذا لم يكن بحاجة لها، مستدركاً بأن الحصول على التأشيرة بنية البيع يجعل من المال المتحصل منها هو "سحت وحرام" وهو أمر متفق عليه بين جمهور العلماء.