برد الزنازين العربية 2..كيف يواجه المعتقلون صقيع سجون مصر؟

برد الزنازين العربية 2..كيف يواجه المعتقلون صقيع سجون مصر؟

20 يناير 2015
معاناة مسجوني "الإيراد" تزيد عن نظرائهم ببقية السجون(فرانس برس)
+ الخط -
لم تشفع إصابته بأمراض السكري والضغط، وأخيرا الأنفلونزا، أن تستثنيه إدارة سجن طره (جنوب القاهرة) وتسمح لعائلته بإيصال ملابس وأغطية ثقيلة وأدوية مواجهة موجة البرد القارس التي تمر بها مصر منذ عدة أيام.

عبر هاتف محمول مهرب، دون علم سلطات السجن، تواصل كاتب التحقيق مع أحمد (45 عاما) المحتجز منذ أكثر من سبعة أشهر بتهمة التظاهر وتعطيل الطريق وإتلاف ممتلكات عامة. صوته مبحوح منخفض، يلزمه بين كل جملة وأخرى ثواني يلتقط خلالها أنفاسه، بسبب السعال ورشح الأنف.

يقول أحمد من داخل محبسه لـ"العربي الجديد": "النظام لم يكتف فقط بحبسنا، لكنه يسعى إلى قتلنا بالأمراض المزمنة والموسمية"، حال أحمد ومعاناته من برد الزنزانة يشاركه فيها ما يقرب من 28 ألفا و741 معتقلا حتى نهاية يوليو/تموز 2014، كما توثق إحصائية أعلنتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا في سبتمبر/أيلول من العام الماضي حول عدد المعتقلين في الزنازين المصرية.

طريقة التواصل مع المعتقل تتم بعد رسالة من أحد أقاربه، تطلب منه الرد على رقم هاتف محدد، دائما ما تكون المحادثة بعد الساعة الحادية عشرة مساءً، بعد غلق الزنازين على من فيها.

لا أغطية أو ملابس أو مراتب

يوضح أحمد أن المعتقلين في طره ليست لديهم مراتب للنوم أو ملابس ثقيلة تقي من البرد. أما الأغطية، فإنها "تصل بأعداد قليلة ومواصفات غير مناسبة للبرودة".

يتابع "الأوضاع داخل السجون في الأساس سيئة، ولكنها ازدادت صعوبة خلال موجة البرد الأخيرة، والأنفلونزا والبرد انتشرا بين السجناء.كما أن الوضع داخل غرف الحجز غير آدمي، فدورات المياه تسرب الصرف الصحي، والكهرباء تنقطع بشكل مستمر، وفتحات التهوية تدخل الأمطار".ويتعجب "عم أحمد" من تعنت إدارة السجن التي ترفض دخول البطانيات الثقيلة (الأغطية)، كما ترفض إدخال الأكل والخضروات، وتسمح فقط بالأكل المطبوخ. وحجتهم دائما أن اللائحة تمنع ذلك.

ويتابع: "طلب أحد الزملاء من المأمور اللائحة التي يتحدث عنها دائماً، فقرر إدخاله "التأديب" (غرفة متر ونصف في مترين دون إضاءة أو تهوية أو دورة مياه أو بطانيات، وفتحة الباب من الخارج، والوجبات عبارة عن قطعة خبز وقطعة جبنة).

برد كالرصاص

عبر "فيسبوك"، روى أحد الصحافيين المعتقلين (خ.ج) أن إدارة بعض السجون تمنع دخول البطانيات، إلا نوعيات معينة لا تقى من البرد. متابعا: "الزنازين بها فتحات تهوية (المفترض أنها مخصصة للصيف) هذه الفتحات تجعل الزنزانة عبارة عن ثلاجة، بالإضافة إلى المياه (درجة حرارة الجو تصل ليلا إلى 9 درجات مئوية) ولا يوجد شيء حتى نستخدمه فى التسخين للاستحمام".

"أ.ا" من شباب ما يسمى بالتيار المدني، محتجز في أحد سجون طره، أكد إصابة عدد كبير من المسجونين بالبرد والأنفلونزا، قائلا "الغرف دون مراتب، والأرض تتشبع برطوبة تخرج علينا كـ"الرصاص". ويقوم الزملاء بتبطين مكان النوم بـ3 أو 4 "بطاطين ميري" بعضها غير صالح للاستعمال.

يفسر مصطلح "الميري"، قائلاً البطانية الميري عبارة عن غطاء من طبقة واحدة رقيقة تباع في الأسواق الشعبية بنحو 50 جنيا (أقل من 10 دولارات) في مقابل البطانية الثقيلة التي ترفض إدارات السجون دخولها، والتي تصل إلى 400 جنيه (أكثر من 50 دولارا).

إبداع السجون

"يصعب علي من تحمل مسؤوليته أفعاله أن يستسلم للموت بردا"، هكذا اختار "ع.ب" المحتجز في سجن "استقبال طره" أن يبدأ حديثة من داخل السجن، يشرح لـ"العربي الجديد" كيف يتفادي المساجين قسوة البرد الشديد قائلا: "يشغّل المعتقلون السخانات الكهربية طوال فترات البرد، ويغلقون فتاحات التهوية بالأكياس البلاستيكية، حيث يربطونها بالحبال التي عادة ما تقطع، بعضهم يضع بقايا الخبز المنقوع في المياه على فتحات السلك الموجودة داخل الزنازين حتى تصبح مثل الطين، نتركها تجف لتمنع إلى حد ما تيارات الهواء الباردة".

برد الإيراد الجديد

معاناة المحتجزين في أقسام الشرطة وغرف الاحتجاز للمسجونين الجدد في السجون والمعروفة بـ"الإيراد الجديد"، لها ما يميزها، بحسب السجين الشاب أبوعلي، والذي قال لـ"العربي الجديد" أزمة الإيراد أضخم بكثير من باقي المحتجزين.الجدد عادة يكونون بملابس مدنية، تسلمهم إدارة السجن ملابس ميري، خفيفة، ينتظرون أسابيع لوصول ملابس من عائلاتهم.

يواصل "أبوعلي" المنتقل حديثا لسجن التحقيق في طره قائلا: "التبرع لـ"الإيراد الجديد" من زملائهم القدامى في الزنازين هو الحل الوحيد". وعن الفترة التي قضاها في قسم الشرطة عقب إلقاء القبض عليه يقول: "الصعوبات التي تواجهني في السجن كمستجد لا تمثل شيئا بما شاهدته في حجز قسم الشرطة، لأن كل 70 شخصاً يعيشون في غرفة لا تتجاوز مساحتها 3 أمتار في 4 أمتار، ومنافذ الهواء شبه معدومة، والرطوبة تملأ الأرضية وحوائط الزنازين، والأمراض منتشرة، ولا توجد أي مساعدة طبية نهائيا.

اعتراف رسمي

يعترف جورج إسحاق، مقرر لجنة الحقوق السياسية والمدنية في المجلس القومي لحقوق الإنسان، بوجود صعوبات تواجه المحبوسين احتياطيا والمحكوم عليهم داخل السجون، وتزداد تلك الأزمات داخل أقسام الشرطة، خاصة في ظل درجات الحرارة المنخفضة.

ويضيف لـ"العربي الجديد": الحال في الأقسام أكثر صعوبة من السجون، ولكن المجلس يعمل على المراقبة والمتابعة. ويؤكد إسحاق أن المجلس يقوم بدوره على أكمل وجه، ويتقدم بطلبات لزيارة السجون، ويرصد ذلك من خلال تقارير متابعة لا يتدخل فيها أحد، وفقا لقوله.

لكن مصلحة الطب الشرعي المصرية لها رأي مخالف لما قاله إسحاق، إذ يكشف تقرير لها أن نحو 90 متهما لقوا حتفهم داخل أقسام الشرطة في القاهرة والجيزة فقط خلال الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بزيادة وصلت إلى 25 قتيلا عن العام قبل الماضي 2013، والذي سجلت المصلحة فيه 65 حالة فقط. يرجع التقرير حالات الموت إلى أسباب مرضية، بسبب سوء التهوية في أماكن الاحتجاز، في مقابل وفاة حالتين من التعذيب.

السجون تخالف القانون

يفسر الباحث في شؤون السجون بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، رضا مرعي، ما يحدث داخل السجون تجاه المعتقلين بـ"التعنت" لتعذيب المساجين، عبر حرمانهم من حقهم الأساسي في الشعور بالدفء.


ويؤكد مرعي أن ما يحدث في السجون الآن مخالف للقانون والدستور وقرارات وزير الداخلية. مشيراً إلى صدور ورقة بحثية عن أماكن الاحتجاز في مصر، من خلال المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تحت عنوان "مكان الاحتجاز تعذيب في حد ذاته" تم فيها رصد العديد من التجاوزات التي تحدث داخل أماكن الاحتجاز والتي تخالف حتى قرار وزير الداخلية رقم 691 لسنة 1998 بشأن كيفية معاملة المسجونين ومعيشتهم.

ويتابع: ما جاء في القانون واللائحة ليس سيئًا، بالرغم من أنه يحتاج إلى تعديل، ولكنه لا يطبق. على سبيل المثال يعطي القرار الحق لكل سجين: "في تخصيص سرير ومرتبة وملاءة للسرير ووسادة وبطانية صوف صيفا، وبطانيتين شتاء وحصيرة وأدوات أخرى. كما أنه من حق السجين أن يحصل على ملابس مناسبة في فترات البرودة، ولكنها لا تطبق، ويتحجج عادة مأمور السجن بضعف الإمكانيات وخشية حرق الأغطية وغيرها من الحجج غير المنطقية".

التجاوزات

يرصد محمد الباقر المحامي والحقوقي مرض أربعة محتجزين في سجن أبو زعبل، وثلاثة في سجن وادي النطرون بالأنفلونزا، بسبب تعرضهم لظروف الاحتجاز السيئة. ويكشف لـ"العربي الجديد" طلب المساجين أدوية للشعب الهوائية، لكن إدارة سجن أبو زعبل رفضت السماح بوصول الدواء، كما قامت إدارتا السجنين في وقت سابق بسحب الأغطية من بعض المحبوسين، دون سبب قانوني، في حين رفضت إدارة سجن طره استلام البطاطين السميكة ذات الطبقتين.

العقرب هو الأكثر تشدداً

خديجة الشاطر، ابنة نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، نقلت عبر حسابها على "فيسبوك" معاناة المسجونين في سجن العقرب بالقول: "ممنوع أن يكون في الملابس جيب أو كبسونة أو سوستة أو حرف سبعة أو كاب للرأس أو خط بلون مخالف أو حتى ماركة التي شيرت".

وتضيف: "إدارة السجن منعت دخول: البطانية والغطاء والملابس الشتوية والشرابات (الجوارب) والشباشب". ويؤكد المحامي إسلام سلامة أن الوضع داخل سجن العقرب شديد الحراسة، سيئ للغاية، قائلا "توجد حالات مرضية شديدة ترفض إدارة السجن علاجها، ومن بين تلك الحالات الدكتور محمود شعبان والشيخ فوزي السعيد".

الوقاية خير من العلاج

يرى الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، أن الوقاية من الأمراض أولى من علاجها. من الضروري أن تقوم إدارة السجون بتوفير غرف مجهزة، سواء بأغطية أو ملابس ثقيلة تناسب درجات الحرارة المنخفضة، وغلق فتحات التهوية والشبابيك الموجودة في الزنازين.

ويطلب خليل تقديم غذاء صحي للسجين يدعم مناعته ويقاوم الأمراض. وشدد على ضرورة المتابعة المستمرة من جانب مستشفيات السجون للمحتجزين، وعزل أي مريض بأمراض معدية لمنع نقل العدوى.

#بطانية_لكل_معتقل

دفعت معاناة المسجونين نشطاء إلى الإعلان عن مبادرة "بطانية لكل معتقل" الهادفة إلى جمع بطاطين تسلم للمعتقلين، من أجل حمايتهم من برد الشتاء القارس، مع استمرار موجة الطقس السيئ، آملين أن يهون ذلك على المعتقلين برد الزنازين.